رسالة مفتوحة من المواطن ديدي ولد السالك إلى السيد رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات: محمد فال ولد بلال
بعد ما يناسب مقامكم الكريم من التقدير والاحترام.
أجدني اليوم – مضطرا – لمخاطبتكم عبر هذه الرسالة المفتوحة لدواعي القلق الذي ينتابني حول مستقبل موريتانيا وطنا وشعبا، والذي طالما كان محل اتفاق بيننا تشخيصا للواقع، واستشرافا للمستقبل، وشعورا بحجم المخاطر، وجسامة التحديات.
وقد ازداد هذا القلق حدة بسبب انتقال البلد من الاستبداد الممنهج إلى الطغيان السافر، وهو ما تعكسه مؤشرات التنمية السالبةالتي نطالعها في التقارير الدولية مما يوحي بأن موريتانيا تسير بوتيرة متسارعة نحو “الدولة الفاشلة”
السيد الرئيس:
لقد تأخرت في كتابة هذه الرسالة إليكم لأسباب منها:
تلقيكم سيلا من هذه الرسائل عند توليكم رئاسة اللجنة
ارباكات وضغط بداية العمل، التي قد تشغلكم عن قراءتها
أنه كان بودي أن أتحدث معكم– مشافهة – عن مضمون هذه الرسالة، لكن يبدو أن اللقاء المباشرلم يعد متيسرا عبر الطرق المعهودة.
السيد الرئيس:
لا أخفيكم سرا أنني ترددت في مخاطبتكم بهذه الطريقة للاعتبارات التالية:
أن هذا النوع من الرسائل غير معهود في ثقافة مجتمعنا، وإن كان متعارفا عليه في بعض المجتمعات الأخرى، لما يحققه من فوائد؛ أولها إشراك الرأي العام في الحوار بين المهتمين بالشأن الوطني، وثانيها أنه يؤرخ للحظة حاسمة من تاريخ موريتانيا، ولحدث مفصلي في سياق تحولاتها الاجتماعية.
أن شخصا بمكانتكم (رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات،ووزير خارجية سابق)، قد لا يكون من اللائق أن يخاطبه مواطن من عامة الناس مثلي.
أن خبرتكم المهنية الطويلة وتجربتكم في دواليب الدولة بدءا بموظف سام في وزارة الداخلية في عهد المرحوم المختار ولد داداه، وانتهاء برئيس الدبلوماسية الموريتانية في ظل نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع، يجعلكم في غنى عن نصائح شخص عمره الزمني أقل من هذه التجربة المهنية الطويلة.
أن خيبة الأمل في كثير من الشخصيات الموريتانية التي كانت النخبة تعلق عليها آمالا عريضة قبل توليها مسؤوليات جسام في المنعرجات التاريخية الحاسمة؛ ما تزال مرارتها تتردد، وخير مثال على ذلك تجربة ما عرف بــ “لجنة الحكماء” التي كانت مجرد أداة في يد السلطة التنفيذية في انتهاك الدستور، وتزوير إرادة الشعب الموريتاني.( من خلال الاستفتاء على التعديلات اللادستورية 2017).
السيد الرئيس:
قبل أن أذكركم بما أردت تذكيركم به؛ فإنه من حق القارئ أن يعرف أهم محطات تعرفي على شخصكم الكريم.
كانت البداية مجرد لقاءات عابرة ربما لا يتذكرها السيد الرئيس نفسه، حيث التقيت به ثلاث مرات –صدفة – خارج الوطن، اثنتان منهما في تونس – خلال عقد التسعينات من القرن الماضي – عندما كنت طالب دكتوراه هناك، وكان هو يمثل الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الحاكم آنذاك في موريتانيا، والمرة الثالثة كانت في طرابلس الغرب ،وكنت وقتها أستاذا في إحدى الجامعات الليبية، وكان هو –يومئذ – وزيرا للخارجية في عهد الرئيس معاوية ولد الطائع، قدم إلى طرابلسللمشاركة في اجتماع وزراء خارجية بلدان المغرب العربي نهاية 2004.
وقد بدأت مرحلة التعارف الحقيقي عندما اتصل بي –هاتفيا – طالبا لقائي سنة 2007 ، بعيد تعينه من الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سفيرا لموريتانيا في دكار، عقب إصداري مع مجموعة من الزملاء بيانا عارضنا فيه خطاب الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حول الإرث الانساني وتسوية ملف اللاجئين.
وقد تم اللقاء بيننا في منزله العامر بتفرغ زينة بحضور الدكتور عبد السلام ولد حرمة رئيس حزب الصواب، الذي يبدو أنه دعاه هو الآخر ليكون طرفا في هذا اللقاء. وقد تبين – لي – من حديثه معنا، انه كان يريد ثنيي عن معارضتي لطريقة معالجة الملف. وقد استغربت تكراره للمثل الشعبي “العيطة كبيرة والميت فار”؛ فرددت عليه بأن موريتانيا خسرت ملف أحداث 1989 ابتداء، ولا ينبغي أن تخسر تسويته انتهاء، وقد أكدت الايام صواب رأيي حيث ما زال هذا الملف مفتوحا ووسيلة ضغط وابتزاز وتدخل خارجي.
أما المحطة الثانية فكانت عبر أنشطة متنوعة في الحياة العامة وبالذات الأنشطة العلمية التي كان يواظب على حضورها، خاصة أنشطة المركز المغاربي الذي أتشرف برئاسته
أما المحطة الثالثة فكانت من خلال تشكل قطب الشخصيات المستقلة الذي هو أحد مكونات « المنتدى الوطني للوحدة والديمقراطية » المعارض، وتولى فيه الوزير محمد فال ولد بلال مسؤوليات قيادية عديدة، وكان انضمامي إلى قطب الشخصيات المستقلة بدعوة منه هو شخصيا، وقد ضم هذا القطب كوكبة من خيرة أبناء البلد، خبرة ومعرفة، شغل أغلبهم مناصب عامة وزراء وسفراء باستثناء كاتب هذه الاسطر، والأستاذ اعلي ولد صنيب.
وقد تعمق هذا التعارف وتعززت تلك العلاقات بيننا من خلال اللقاءات – اليومية والاسبوعية –لهذا القطب، قبل أن يغادرنا سنة 2016 ويلتحق بما عرف بــــ “الحوار الشامل” الذي نظمته السلطة مع بعض أطراف المعارضة المحاورة.
بناء على محطات التعارف هذه أجد من واجبي تذكير الرئيس محمد فال ولد بلال بما يلي:
أن الدول – عكس الأفراد – عندما تتاح لها فرص تاريخية، لا بد أن تستغلها؛ لأنها قد لا تتكر إلا بعد مضي أحقاب متطاولة، وأن بلدنا موريتانيا أضاع كثيرا من الفرص التاريخية، وسيشهد خلال سنتي 2018-2019، منعرجا تاريخيا مهما، وهو ما يفرض على كل الوطنيين العقلاء – الذين يفكرون في المستقبل ويشغلون مراكز للتأثير– استغلال هذه الفرصة لإخراج موريتانيا من النفق المظلم الذي تتخبط فيه؛ لأن إضاعة هذه الفرصة التاريخية قد يفتح على موريتانيا أبواب المجهول، ويحولها إلى دولة فاشلة.
أننا كنا– في قطب الشخصيات المستقلة- نتفق على تشخيص المخاطر في موريتانيا، وهذه المخاطر ما زالت ماثلة، ولن يغيرها تغير مواقعأومواقف بعض الأفراد، ما دام التشخيص موضوعيا، والهدف منه المصلحة العامة.
أن ما كان يدبجه الوزير محمد فال ولد بلال من مقالات بأسلوبه الآسر، ولغته الأدبية الرفيعة – باستمرار – عن أوضاع البلد ، ما زال قائما، إن لم يكن قد ازداد سوءا، وأن الذي تغير هو ان الوزير محمد فال ولد بلال– بتوليه رئاسة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات – صار فيمركز قيادي،يُمَكنه من الإسهام في جعل البلد على السكة الصحيحة، إن وفق في استغلال مركزه الجديد لخدمة موريتانيا .
أنني ما زلت أذكر مقال معالي الوزيرالذي كتب فيه بعضا من جوانب مساره المهني؛ حيث ذكرأن والده– رحمه الله تعالى – نصحه ذات مرة قائلا : « فالي إذا ضحكت لك الدنيا كول لها الزبل ».
أنه خلال محادثة مطولة – بيننا- حول مقال له، نشره عن الأوضاع الموريتانية، وكان هو بداية المفاصلة بينه مع نظام ولد عبد العزيز – آنذاك – بعد أن كان سفيرا له في الدوحة بقطر- حيث قال لي بالحرف « إنه هو وأمثاله ينبغي لهم أن يكفروا عن بعض أخطائهم في السابق وألا يتصرفوا في المستقبل إلا بما يخدم مصلحة الوطن، وأشهدني أنه عاقد العزم على ذلك ».
أن له أبناء وأحفاد وامتدادات اجتماعية في هذا البلد الحبيب– وكل الموريتانيين أبناء واخوة له– وإذا تحولت موريتانيا إلى دولة فاشلة وتمزقت وحدتها مثل بعض الدول في المنطقة العربية والافريقية، واضطر ساكنتها إلى الهجرة القسرية، فإن الوزير وأمثاله، قد يكون بمقدورهم النجاة بأنفسهم. بينما سيكون مصير أغلبية الشعب الضياع بضياع الوطن.
السيد الرئيس:
في الخلاصة أرجو أن يسجل التاريخ لكم هذا المحطة المهمة من مساركم المهني لا أن يسجلها عليكم، وأن تكونوا من رجال الدولة الذين يصنعون تاريخ الأمم ويغيرون مسارها بمواقفهم الخالدة، لأنهم لا يهتمون بإغراءات وإكراهات اللحظة الراهنة بل بما يقدمونه لشعوبهم ودولهم وما يتركونه من بصمات إيجابية، وما سيكتبه التاريخ عنهم.
هذا هو الرصيد الرمزي الذي سيبقى لأبنائنا وأحفادنا ووطننا عندما نرحل عن هذه الدنيا الفانية، وتزول الأنظمة والمصالح الشخصية وفق التحولات الاجتماعية، وتتم إعادة كتابة تاريخ الوطن ومواقف رجاله بأيد أمينة.
مع خالص التقدير والاحترام
ديدي ولد السالك