أعلن وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد أجاي، خلال جلسة برلمانية يوم الاثنين 21 مايو الماضي، أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أعطى تعليماته بإلغاء التعرفة الجمركية عن أعلاف الحيوانات، لمواجهة أزمة الجفاف الخانقة التي تعيشها البلاد منذ أزيد من عام.
القرار الذي قال الوزير إنه يدخل حيز التنفيذ مطلع شهر يونيو الجاري، أثار العديد من ردود الفعل في أوساط المنمين وملاك الحيوانات في مختلف مناطق موريتانيا، وذلك بعد مرور أكثر من أسبوعين على موعد تطبيقه.
وفي هذا السياق قال أحد كبار المنمين في موريتانيا في تصريح لـ « صحراء ميديا » إن قرار إعفاء أعلاف الحيوانات من التعرفة الجمركية « ليس له أي تأثير إيجابي على المنيمن وملاك الحيوانات ».
وأضاف المصدر الذي فضل حجب هويته أن عوامل عديدة تجعل هذا القرار « غير جدي »، أولها أنه « تأخر كثيراً، ولم يدخل حيز التنفيذ إلا مع اقتراب بداية موسم الأمطار ».
أما النقطة الثانية التي تحد من جدوائية القرار، حسب ذات المصدر، فهي أن « الأعلاف محصور بيعها لدى مخازن مفوضية الأمن الغذائي مع عجزها عن توفيرها ».
الإعلان عن قرار الرئيس رافقه ارتفاع « جنوني » و « غير مبرر » للعديد من أنواع أعلاف الحيوانات، ومن أبرز الأعلاف التي شهدت أسعارها ارتفاعاً صاروخياً، نخالة الأرز والقمح، وفق ما تأكدت منه « صحراء ميديا » بعد جولة في هذه الأسواق.
لقد عمدت مصانع التقشير إلى رفع سعر نخالة الأرز، أي بقايا تقشير الأرز، من 60 ألف أوقية قديمة للطن، إلى 134 ألف أوقية قديمة، وذلك ما يعني تضاعف سعر هذه النخالة بنسبة تزيد على المائة في المائة.
كما رفعت المصانع، والتجار المشرفون عليها، أسعار نخالة القمح من 72 ألف أوقية قديمة للطن إلى 135 ألف أوقية قديمة، وهي زيادة تقترب من نسبة المائة في المائة.
في السياق ذاته شهدت أسعار الأعلاف المستوردة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء « ارتفاعاً مذهلاً » خلال الأسابيع الأخيرة، إذ وصل سعر الطن منها إلى 130 ألف أوقية قديمة، ويعتمد العديد من المنمين لسد النقص على الأعلاف المستوردة من غينيا، غامبيا، ساحل العاج والكونغو.
ورغم الدعم الرسمي للمصانع المحلية إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال الأعلاف، ويتهم عدد من المنيمن الذين تحدثت معهم « صحراء ميديا » مصانع التقشير بـ « الانتهازية »، خاصة وأن أصحاب هذه المصانع يبيعون طن العلف بسعر 100 ألف أوقية قديمة لصالح الحكومة، على أن تبيعه الأخيرة للمواطنين بـ 60 ألف أوقية قديمة.
ومع أن الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة « كبيرة » من أجل دعم مصانع التقشير، تقول جهات شبه رسمية إن الهدف من ذلك هو دعم « الصناعات التحويلية » في البلاد، بينما يرى العديد من المنمين أن هذه مجرد أموال يتم منحها للتجار دون أن يستفيد منها المنمون.
ويبرر هؤلاء المنمون موقفهم بالقول إن الكمية التي تبيعها مفوضية الأمن الغذائي من الأعلاف « محدودة جداً »، كما أنها محصورة على « المنمين الذين يمتلكون أقل من 20 رأساً فقط، ما يعني إقصاء كبار المنمين الذين لديهم استثمارات كبيرة في المجال التنموي ».
من جهة أخرى يشير المنمون الذين تحدثت معهم « صحراء ميديا » إلى أن مفوضية الأمن الغذائي تتعرض لضغط كبير من طرف صغار المنمين، وقد أدى هذا الضغط إلى « عمليات مضاربة وفوضى » في توزيع الأعلاف.
ولكن إبراهيم ولد انداري، أحد أبرز المنمين في البلاد وعضو مكتب الرابطة الموريتانية للمنمين، يعتقد أن قرار رفع التعرفة الجمركية عن الأعلاف « جاء متأخرا رغم المطالبة به منذ عدة أشهر »، قبل أن يضيف أن التعرفة الجمركية في النهاية ليست كبيرة فهي تتراوح ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف أوقية قديمة للطن الواحد.
وأضاف ولد انداري في تصريح لـ « صحراء ميديا » أن « المنمين ظلوا يطالبون الحكومة بمراعاة العرض مع الطلب، خاصة أن المنتوج المحلي لن يتمكن من تغطية الطلب »، وفق تعبيره.
وفيما يتعلق بالمنتوج المحلي لمصانع الأعلاف والتقشير في البلاد، فقد أكد ولد انداري إنه « لا توجد رقابة على هذا المنتوج وجودته، مما جعل أغلب المنمين يعرض عن شرائه رغم ارتفاع ارتفاع سعر الأعلاف المستوردة بالمقارنة معه ».
وفي ظل تزايد المشاكل المتعلقة بالأعلاف كلما تأخر موسم الأمطار وخيم الجفاف على البلاد، تتجه السلطات نحو إنشاء مصنع للأعلاف يكون خطوة في اتجاه حل الأزمة المتجددة، وفق ما أعلنت وزيرة الزراعة قبل أيام في مدينة روصو، جنوب غربي البلاد.
وفي اجتماع مع المزارعين، حثتهم الوزيرة على زراعة مادة (الفصه) التي تستخدم في صناعة الأعلاف، من أجل توفير المواد الأولية للمصنع المقبل.
وفي انتظار مصنع الدولة للأعلاف، الذي ما يزال فكرة، قال أحد المنمين لـ « صحراء ميديا » إن الجفاف الذي يهدد الثروة الحيوانية للبلد أصبح « موسم الربح الأكبر » في نظر العديد من التجار والممونين، وقد حاولت « صحراء ميديا » التواصل مع أصحاب وملاك مصانع التقشير للحصول على وجهة نظرها في الموضوع ولكن دون جدوى.