المشهد يكاد يكون مكرراً، عشرات الأكواخ والخيام التهمتها النيران في جوف الليل، مخلفة حالة من الرعب في نفوس سكان « حي الورف »، غير بعيد من ميناء نواكشوط المستقل، لقد أعاد هذا الحريق الذكريات الأليمية التي عاشها الحي قبل خمس سنوات، حين شهد واحداً من أبشع الحرائق التي عرفتها نواكشوط.
خديجة منت محمد ولد أعل البركة، تعيش في « الورف » منذ سبعينيات القرن الماضي، ها هي تقف اليوم على ركام الأكواخ التي عاشت فيها منذ أن كان عمرها لا يزيد على الشهر، قالت لنا إن الحريق التهم جميع ذكرياتها في الحي الذي تربت فيه وتزوجت وأنجبت أطفالها.
تقول جديجة: “كانت قناني الغاز هي السبب في الحريق، لكنها في نفس الوقت كانت الإنذار الذي أيقظ النائمين لينجوا بأنفسهم ».
تؤكد خديجة والعديد من سكان الحي أن انفجار قناني الغاز هو الذي أيقظهم وأنقذ حياة الكثيرين، وتقول:
« لولا أصوات انفجارات الغاز، لالتهمت النيران الساكنة وهم نيام، أو حاصرتهم على الأقل ».
يؤكد سكان الحي أن الحريق شب في دكان صغير الحجم، يبدو أن صاحبه ترك فيه قنينة غاز هي التي انفجرت متسببة في الحريق.
أحمد طالب ولد سيدي، شاب في الثلاثين، يقطن في كوخ يقع بجوار الدكان الذي انطلقت منه شرارة الحريق، يؤكد أن انفجار قنينة الغاز أيقظه ليخرج عارياً إلى الشارع ويبدأ في إيقاظ جيرانه.
قال ولد سيدي إنه بالكاد أنقذ سيارته، فيما التهمت النيران مقتنياته وممتلكاته التي بقيت داخل الكوخ، أما صاحب الدكان فأكد لنا أنه فقد كل شيء :حتى أوراقه الثبوتية وهويات أفراد أسرته »، ولكنه يحمد الله على نجاته من الموت لأنه كان ينام خارج الدكان.
مع الساعات الأولى من الصباح، بدأ المشهد يتضح أكثر، لقد التهمت النيران قرابة أربعين كوخاً، وفق تقديرات السكان، ولكنها لم تخلف أي خسائر بشرية ولا إصابات.
يتجول أطفال الحي وسط الركام الذي خلفه الحريق، بحثاً عن مقتنيات قد تكون سلمت من النيران، يرفع أحدهم كراسا أتت النيران على جزء كبير منه، ويصيح « هاذي كرنتي »، قبل أن يخاطب رفيقه « كيف سأذهب غدا إلى المدرسة »، فيما كان يبحث أطفال آخرون عن أنفسهم وسط مخلفات الحريق.
اجتاحت سكان الحي حالة من الغضب بسبب تأخر وصول سيارات الإطفاء، فالحي يبعد عدة كيلومترات عن العاصمة، وتنعدم فيه وسائل السلامة، كما تنتشر فيه فوضى عارمة في الأسلاك الكهربائية وسط الأكواخ المصنوعة من القماش والخشب، إنها بيئة ملائمة للحرائق.
عبر السكان عن غضبهم بإغلاق الطريق الرئيس في الحي، وهو الطريق الذي يربط مدينة نواكشوط بالميناء، ولكن وحدات من الحرس الوطني تدخلت وفرقت المحتجين وفتحت الطريق.