دعوات اعتبار 28 نوفمبر يوم حداد لم تلاق آذانا صاغية
نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
بدت العاصمة الموريتانية نواكشوط، الليلة البارحة وصباح اليوم، في عيد حقيقي، “لأول مرة يخلد الجميع عيد الاستقلال الوطني” يعلق أحمد سائق التاكسي، الذي علق على مقدمة سيارته علما اشتراه من أحد باعة الاعلام في العاصمة.
مع الساعات الاولى من الليلة البارحة عاشت نواكشوط على وقع مسيرات عفوية للراجلين والسيارات، احتفالا بمرور خمسين عاما على استقلال البلاد.
المسيرات الاولى من نوعها، غير المنظمة بإيعاز رسمي من السلطة، جابت أهم شوارع المدينة، وتكفلت بكسر جدار الصمت الذي كان يلفها كالعادة.
هل هو إيمان جديد بالدولة؟، أم ان نصف قرن على الاستقلال أمر يستحق تخليدا مميزا؟.. عشرات المنازل ومئات السيارات اكتست بالألوان الوطنية.
تقول فاطمة الطالبة الجامعية، التي اعتمرت قبعة بالالوان الوطنية، “قتلتنا الكآبة.. ونستحق يوما للفرح والأمل”.
يوم للفرح والأمل، هو ما تبحث عنه فاطمة وعشرات من الشباب، تحلقوا في ساحة الخامس من مارس سابقا، لمتابعة فيلم وثائقي يتحدث عن تاريخ موريتانيا الحديث.
كانت فاطمة تتطلع إلى احتفالية أكبر، تليق على حد تعبيرها بالخمسينية، وحين ألغيت تلك الاحتفالية لاسباب لا تعرف كنهها، فإنها قررت أن تستغل مساحة الاحتفال المتاحة، “لكم كنت أود أن يكون هناك استعراض عسكري.. لكن يبدو أن الظروف لم تسمح”.
قبل عشر سنوات من الان شهدت العاصمة الموريتانية آخر استعراض عسكري، كان ذلك في عهد الرئيس الاسبق معاوية ولد الطايع، ومن يومها لم يخلد الجيش الوطني ذكرى الاستقلال بعرض عسكري.
من المعروف أن هناك تقليدا في موريتانيا يقضي بإقامة استعراض عسكري في شوارع المدينة، كل خمس سنوات، احتفالا بالاستقلال.. غير أنه للمرة الثانية على التوالي يلغى التقليد، قرر الرئيس العسكري اعل ولد محمد فال عام 2005، أنه من الاولى الاهتمام بإقامة مسار ديمقراطي، قبل الاهتمام بالاستعراضات العسكرية، وخلال هذه السنة حالت عوائق أخرى لم تفصح عنها الجهات الرسمية، وتفنن الصحفيون في تعدادها دون إقامته.
قبيل احتفالات هذه السنة، غزت مواطني العاصمة شائعات تتحدث عن تهديدات منسوبة للقاعدة، وعمليات ستنفذ بالتزامن مع الاستقلال، وهو ما تكفل برفع الجاهزية الامنية الى اعلى مستوياتها.
عيد السنة الجارية تميز بأمور عديدة فلاول مرة في تاريخ موريتانيا تنتشر تجارة بيع الاعلام الوطنية، ويقبل الناس من شتى فئات المجتمع على اقتنائها.
ولاول مرة كذلك تقام احتفالات شعبية عفوية بالمناسبة، وهو ما حدا بأحد المعلقين الى القول بأن”خمسينية الاستقلال رفعت منسوب الانتماء الى الوطن في قلوب الموريتانيين بدرجة كبيرة”.
دعوات حركة افلام التي طالبت بجعل يوم الاستقلال يوم حداد وطني، ترحما على ارواح عسكريين زنوج تقول إنهم قتلوا قبل عشرين سنة، على خلفية ما قيل إنه مخطط انقلابي، لم تلق على ما يبدو آذانا صاغية، على أن بعض المدونين الموريتانيين على الفيسبوك اعتبروا المناسبة ذكرى مؤلمة.
غير أن الغالبية العظمى من موريتانيي الفيس غيروا صورهم الشخصية بشعارات تحيل الى الاحتفال بالخمسينية، وأفسحوا المجال لتدوينات خاصة بالمناسبة.
اختلف تقييم مثقفي موريتانيا وناسها العاديين للخمسينية، على حد ما توحي به خمسون لوحة تموقعت في ساحة المهرجان الوطني للفيلم، لخمسين شخصا تحدثوا عن حصاد الخمسينية، ففي حين ذهب أكثر المستجوبين إلى القول بأنه كان بالامكان تحقيق الأفضل، إلا أن البعض أصر على أن إنجاز موريتانيا الكبير خلال خمسين عاما هو قدرتها على البقاء، واعتبر آخرون أن موريتانيا حققت الكثير في ضوء المتاح، وفي ظل غياب الاستقرار في معظم فترات المسيرة.
الموريتانيون احتفلوا بخمسين سنة من استقلالهم، ويتطلعون الى أن يحتفلوا بعد خمسين سنة قادمة بمائوية تتجاوز عثرات الخمسينية، وتحقق خلالها موريتانيا تقدما ومكانة يليقان بها.