حوالي أربعة أشهر احتاجها منسق الحوار الوطني الشامل في موريتانيا، موسى فال، لإعداد خارطة طريق للحوار، جاءت بعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع أحزاب وتشكيلات سياسية، ونقابات، وهيئات من المجتمع المدني.
حرص فال منذ تعيينه على إجراء مشاورات موسعة، لجس النبض ومعرفة رؤى مختلف الأطياف بشأن الحوار والمحاور التي يجب أن يتناولها، في ظل استعداد يسير ببطء وحذر، خصوصًا من بعض مكونات المعارضة والأغلبية، خشية تكرار تجارب الحوارات السابقة.
الوثيقة، التي جاءت في ثلاث صفحات، اعتبرها فال منهجية يمكن من خلالها كسب ثقة بعض الأطراف التي ترى أن الحوار لا بد أن تسبقه ضمانات من طرف النظام، حتى لا يكون مجرد امتداد “لتاريخ من الحوارات الفاشلة”، وفق تعبيرها.
وقد تطرقت الوثيقة إلى هذا الجانب، حيث اقترح الفاعلون السياسيون والمدنيون اعتماد خارطة طريق توافقية تنظم آليات الحوار، وتحدد الضمانات الكفيلة بتنفيذ مخرجاته.
وتضمنت المنهجية المقترحة اعتماد خارطة طريق شاملة، تتولى تنظيم سير الحوار وتحديد مراحله وضماناته، في خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة وضمان جدية العملية السياسية.
وفي ما يتعلق بالضمانات وآليات تنفيذ التوصيات، اقترح الفاعلون سلسلة من الالتزامات، من بينها: التزام علني من رئيس الجمهورية والحكومة بتنفيذ جميع التوصيات المتوافق عليها، إلى جانب مصادقة علنية من المشاركين عليها، باعتبارها تعهدات ملزمة وغير قابلة للتجزئة.
كما أوصت المقترحات بتوقيع “إعلان تفاهم وطني” من جميع المشاركين، يتضمن تعهدًا صريحًا بتنفيذ التوصيات، وإنشاء آلية أو مؤسسة توافقية تُعنى بمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، بالإضافة إلى إعداد جدول زمني دقيق وملزم يشمل الإجراءات القانونية والتنظيمية اللازمة.
كل هذه التوصيات والضمانات شكّلت أبرز مطالب الأحزاب المعارضة، وهو ما نصّت عليه الوثيقة، حيث تقاطعت الرؤى بين المعارضة والأغلبية وهيئات المجتمع المدني، وفق ما جاء فيها.
غير أن بعض أحزاب المعارضة انتقدت الوثيقة، وخصوصًا الصيغة التي طُرحت بها، معتبرة أن إخراجها إلى العلن دون التشاور المسبق معها أو الرد على ملاحظاتها، يمثل تجاوزًا غير مقبول.
فخ تقني
في هذا السياق وجّه النائب في البرلمان الموريتاني عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، سلكو ولد ابهاه، انتقادات لهيئة تنسيق الحوار الوطني، واصفًا نشرها لخارطة الطريق قبل تسلم ردود أحزاب المعارضة بأنه “تصرف غريب” ويعكس تسرعًا في مسار التحضير للحوار.
وقال ولد ابهاه، في مقابلة مع قناة “صحراء 24″، إن خارطة الطريق “خرجت إلى العلن قبل أن يستلم منسق الحوار ردود أربعة أحزاب سياسية تشكل زعامة المعارضة الديمقراطية”، مضيفًا أن ذلك يخالف ما تم الإعلان عنه بشأن دور المنسق العام للحوار، موسى فال، والذي يفترض أن يقتصر على جمع الردود.
وأضاف النائب المعارض أن “الوثيقة صدرت من هيئة جديدة سمّاها موسى فال ‘منسقية الحوار’، وبدأ يوجه التعليمات باسمها، وهو أمر غير مفهوم”، على حد تعبيره.
وحول موقف حزبه من الحوار، أوضح ولد ابهاه أن تواصل أعدّ مقترحات بخصوص الحوار، لكنه آثر التنسيق مع بقية مكونات مؤسسة المعارضة قبل تقديم رد رسمي، معتبرًا أن “الحوار الجدي يتطلب ردودًا تعكس أهمية العملية وما تنتظره المعارضة منها”، مشيرًا إلى أن الردود ستُقدّم خلال الأيام المقبلة.
وبخصوص مضمون خارطة الطريق، قال ولد ابهاه إن الوثيقة “عامة ومختصرة”، وتفتقر إلى توضيح المقصود ببعض المفاهيم الأساسية مثل “تحسين الحوكمة” و”ترقية النظام الديمقراطي”، مضيفًا: “لا نستطيع الحكم على كفاية الوثيقة في غياب نقاش مباشر مع من صاغها”.
ورغم إقراره بأن الخارطة تضمنت نقاطًا مهمة، إلا أنه اعتبرها غير كافية لحوار “تنتظره شريحة واسعة من الشعب الموريتاني”، مؤكدًا على ضرورة التمهل والتنسيق داخل المعارضة لضمان مشاركة فعالة في أي حوار وطني مرتقب.
تفكيك المنهجية
بينما أبدى تواصل تحفظات على وثيقة خارطة طريق الحوار الوطني، وصف حزب الإنصاف الحاكم الحوار المرتقب بأنه “فرصة تاريخية” لموريتانيا بكل أطيافها السياسية، مع تأكيد وجود توافق واسع على القضايا المحورية، ودعوة إلى تفهّم المنهجية التي اعتمدها المنسق العام للحوار.
وقال النائب الأول لرئيس حزب الإنصاف، محمد يحيى ولد حرمه، في مقابلة مع قناة “صحراء 24″، إن خارطة الطريق التي أعدّها المنسق موسى فال جاءت انعكاسًا لمقترحات وردت إليه من أطراف سياسية ومكونات من المجتمع المدني، بناءً على استبيانات تم توزيعها سابقًا.
وأضاف: “المنسق لا يأتي بشيء من جيبه، وإنما رد إليهم بضاعتهم”، في إشارة إلى أن الوثيقة تعكس حصيلة المشاورات.
واعتبر أن تقييم الوثيقة بشكل متسرّع قد يكون ناتجًا عن عدم فهم المنهجية، مشيرًا إلى أن موسى فال مرّ بمرحلتين: أولاهما إطلاق استبيان يتضمن أسئلة محددة، والثانية إعداد خلاصة لما ورد في الردود. وقال إن المنهجية، وإن بدت غامضة للبعض، ستُشرح لاحقًا بشكل واضح خلال مؤتمر صحفي مرتقب للمنسق.
وبخصوص موقف الحزب من الوثيقة، أشار ولد حرمه إلى أن في الأغلبية تباينًا في الآراء بشأن بعض ما ورد فيها، لكنه شدد على أن ذلك “لا يمنع من الانخراط في المقاربة ومتابعتها”.
ولفت إلى أن الوثيقة تضمنت ثلاثة محاور رئيسية متفقًا عليها، هي: الوحدة الوطنية، اللحمة الاجتماعية، وتعزيز النظام الديمقراطي.
وقال إنهم في حزب الإنصاف لا يوافقون على بعض العبارات والجزئيات، لكن هذه لا تغطي على المحاور الأساسية والمبتغى الجوهري”، مشيرًا إلى أن الهدف الأهم هو “بناء توافق وطني يخرج البلد من تخندقات عاشها في الفترات الماضية، ويضع نصب الأعين المصلحة العليا للوطن”.
ودعا إلى أن يكون التفاعل مع المنسق العام للحوار عبر القنوات المغلقة لا عبر الإعلام، قائلاً: “علينا أن نجيب المنسق بما نراه مخالفًا من رؤى، لكن خلف الأبواب الموصدة”، في إشارة إلى ضرورة إدارة الخلافات داخل الأطر المؤسساتية.
ورأى ولد حرمه أن الأغلبية هي الطرف الرئيسي في الحوار، لما تتحمله من مسؤولية في قيادة العملية السياسية والتفاعل مع الأطراف المعارضة والمجتمع المدني، وأضاف: “لولا ذلك، لما كان الرئيس في حاجة إلى إعلان أن الحوار من أولوياته”.
وردًا على تساؤلات حول مدى حيادية المنسق، قال: “حسب معرفتي بموسى فال، لا أراه أقرب إلى الأغلبية أو منحازًا لها، فهو له تاريخ معارض، ويتعامل مع طيف معقد”، معتبرًا أن منهجيته تقوم على حسن النية، لكنها لم تُفهم بعد بشكل صحيح.
وحرص موسى فال على أن تضم خارطة الطريق توصيات واضحة وضمانات طالما طالبت بها المعارضة، محاولة منه لإرساء قواعد لحوار وطني جاد، إلا أن المنهجية المتبعة في صياغتها، وعدم التفاعل الكافي مع مختلف أطياف الطيف السياسي، خاصة المعارضة، قبل خروج الوثيقة للعلن، كشفت عن تعقيدات عميقة وهشاشة لا تخفيها الخلافات الظاهرة.
فكل كلمة وحرف في هذه الوثيقة تُحاك وسط توترات مستمرة، تعكس صعوبة تذليل العقبات أمام حوار يحمل إرثًا من الإخفاقات، ويؤكد أن الطريق إلى التوافق لا يزال محفوفًا بالتحديات والصراعات السياسية التي لا تخفت.