برفقة وفد من رجال الأعمال يحمل عروضًا للاستثمار في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وصناعة الأسلحة، وصل الرئيس التشيكي بيتر بافل إلى موريتانيا يوم الأحد الماضي، في زيارة تُعد الأولى من نوعها لرئيس التشيك إلى نواكشوط.
وتأتي هذه الزيارة بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين، لتثير تساؤلات حول دلالاتها وأهداف براغ من التقارب مع نواكشوط، البلد الذي يفصله عنها أكثر من أربعة آلاف كيلومتر، ولم يجمع بينهما تاريخيًا أي تحالف استراتيجي تقليدي.
لكن التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد نفوذ موسكو على حساب الحلفاء الغربيين التقليديين، وعلى رأسهم فرنسا، جعلت دول حلف شمال الأطلسي تعيد ترتيب أولوياتها.
وهذا ما دفع الناتو إلى تعزيز شراكته مع موريتانيا، التي باتت تُعد الدولة شبه الوحيدة المتبقية في الساحل التي تعد “شريكا موثوقا”، وفق مسؤولين في الحلف.
هذه الزيارة تأتي تتويجا لمسار بدأ في 25 نوفمبر الماضي، حين وافق البرلمان التشيكي على إرسال 30 جنديًا من القوات الخاصة إلى موريتانيا لتدريب الجيش المحلي ضمن برنامج لـ”الناتو”، وتلتها زيارة وفد من مجلس الشيوخ التشيكي إلى نواكشوط في 27 يناير الماضي، ثم زيارة وزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي إلى براغ في 11 فبراير 2025 لمناقشة التحديات الأمنية في الساحل وسبل تعزيز التعاون العسكري.
التشيك، بوصفها عضوًا فاعلًا في حلف الناتو ومن أشد المعارضين لتحركات روسيا في أوكرانيا – وقد كانت من أوائل الدول التي قدمت مساعدات عسكرية ثقيلة لكييف – ترى في موريتانيا شريكًا استراتيجيًا في التصدي لتمدّد النفوذ الروسي في الساحل.
فقد سبق أن أكدت براغ على لسان يان جيريش، مدير قسم السياسة والاستراتيجية الدفاعية بوزارة الدفاع التشيكية، أن استقرار منطقة الساحل يؤثر بشكل مباشر على أمن أوروبا، مشيرًا إلى سعي روسيا إلى زعزعة الاستقرار وتقليص النفوذ الغربي.
ويبرز هذا القلق في دعم موسكو لحكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في حين دعمت أوكرانيا الطوارق، عبر طائرات مسيّرة ومساعدات لوجستية، وهو ما يعقد المشهد الأمني في المنطقة، وفق محللين.
مع هذا التنافس بين الغرب وروسيا في المنطقة، حرصت موريتانيا على تبني موقف متوازن تجاه هذه التطورات، دون أن تتخذ موقفًا علنيًا أو واضحا من استعانة باماكو بمجموعة “فاغنر” الروسية.
غير أن توغّل الجيش المالي، بدعم من “فاغنر”، في قرى موريتانية وملاحقة مشتبه بهم داخل الحدود، أثار قلق نواكشوط التي “تضع حماية سيادتها وأمن حدودها في صدارة أولوياتها”، وفق تصريح سابق لوزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي.
وفي هذا السياق، تبدو زيارة الرئيس التشيكي محاولة لتعزيز الشراكة الأمنية مع “الناتو”، إلى جانب فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي، وهو ما يتضح من حضور ممثلين عن شركات تشيكية كبرى مثل “تشيسكا زبروجوفكا”، و”أومنيبول”، و”إكسكاليبور إنترناشيونال”، المتخصصة في الصناعات العسكرية وأنظمة الدفاع.
وتشتهر التشيك بإنتاج المسدسات والبنادق، والمركبات المدرعة، وأنظمة المدفعية، والطائرات المسيّرة.
وتسعى موريتانيا إلى الاستفادة من هذا الانفتاح لتعزيز قدراتها الدفاعية، وهو ما أكده بيان الجيش الموريتاني عقب زيارة وزير الدفاع إلى براغ.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس التشيكي بيتر بافل، خلال لقائه نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، أن بلاده تدعم الاستقرار في منطقة الساحل، مشدداً على أهمية موريتانيا كشريك موثوق في جهود مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
ويعكس هذا التصريح إدراك براغ للدور الإقليمي الذي تلعبه نواكشوط في منطقة مضطربة، ومساعيها لبناء تحالفات جديدة تعزز الحضور الأوروبي في الساحل.
ووقعت موريتانيا مع التشيك، بحضور الرئيسين، بروتوكول اتفاق للتعاون والشراكة بين القطاع الخاص في البلدين.
ولم يكشف الطرفان عن تفاصيل إضافية بشأن الاتفاق أو طبيعة المشاريع المحتملة بموجبه.