مرّ أسبوع من الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، فكانت سمته البارزة تصاعد وتيرة التنافس على أصوات الناخبين داخل “منسقية أحزاب الأغلبية”، مع حضور خافت لأحزاب المعارضة.
إن الانتخابات التي ستنظم يوم 13 مايو الجاري، سترسم ملامح الخريطة السياسية خلال السنوات الخمس المقبلة، وبالتالي يسعى حزب الإنصاف الحاكم لتأكيد هيمنته على أغلبية البرلمان، فيما يواجه منافسة من أحزاب أخرى داخل الأغلبية.
ووصل التنافسُ أشده بين الحزب الحاكم وبقية أحزاب الأغلبية، خلال الأيام الأخيرة، خاصة حين ظهر بعضُ أعضاء الحكومة في الحملة، وهم يطلبون من الناخبين التصويت لحزب الإنصاف، ولكنهم في نفس الوقت حذروا “مناضلي الحزب” من أي توجهات لا تخدم الحزب.
الوزير الأول محمد ولد بلال، الذي يخوض الحملة الانتخابية بصفته السياسية ومن موقعه كقيادي في الحزب الحاكم، قال خلال زيارته لمدينة ألاك (جنوب – غرب) قبل يومين، إن من “ينافس الحزب الحاكم تخلى عن علاقته بالحكومة”.
وكشف الوزير الأول في تصريحاته عن وجود لجنة مكلفة بتقييد أسماء الأحزاب والشخصيات التي تعارض خيارات الحزب الحاكم.
بل إن الوزير الأول طلب من أحزاب الأغلبية التي تنافس الحزب الحاكم في بعض الدوائر الانتخابية إلى “تجميد لوائحها”، ثم واصل فيما يشبه التهديد: “وإلا فإن ما ينتظرها واضح”.
رقابة وعقوبة
على صعيد آخر، وتحديدًا في مدينة أمرج (جنوب – شرق)، قال الناني ولد اشروقه وهو الوزير الناطق باسم الحكومة، إنَّه لا مجال للتصويت لأي خيارات خارج دائرة حزب الإنصاف الحاكم.
وأضاف ولد اشروقه الذي كان يتحدث وسط حشد من أنصار الحزب الحاكم، أن الحزب سيعاقب أي منتسب له يخرجُ عن خياراته.
وأكد أن الحزب الحاكم “سيراقب مكاتب التصويت، ويحلل المعطيات”.
من جانبه قال القيادي في حزب الإنصاف محمد محمود ولد أمات، خلال اجتماع مساء أمس في نواذيبو، إن “من يساند رئيس الجمهورية عليه أن يكون داعمًا لخيارات حزب الإنصاف”.
وأضاف ولد أمات أن أي حديث عن الأغلبية هو “مخادعة سياسية”.
الشرارة الأولى
وإن كانت تصريحات قيادات حزب الإنصاف الحاكم موجهة بشكل أساسي إلى منتسبي الحزب، إلا أنها أثارت امتعاض عدة أحزاب في الأغلبية.
وبدأ هذا الامتعاض يظهر إلى العلن قبل الحملة الانتخابية، حين تُداولَ تسجيل صوتي لعضو المكتب التنفيذي للحزب الحاكم والوزير السابق المختار ولد اجاي، يفك فيه الارتباط ما بين حزب الإنصاف وبقية أحزاب الأغلبية.
وقال ولد اجاي في التسجيل إن حديث البعض عن عدم وجود أي فرق بين حزب الإنصاف وبقية أحزاب الأغلبية “مغالطة”.
بل إن ولد اجاي قال إن “أي حزب غير الحزب الحاكم، لا يريد مصلحة الرئيس”.
وأثارت هذه التصريحات المتكررة غضب أحزاب الأغلبية، خاصة تلك التي رشحت ضد الحزب الحاكم في بعض الدوائر الانتخابية، شخصيات مغاضبة للحزب إثر عدم ترشحيها.
رئيس حزب الكرامة شيخنا ولد حجبو، وهو حزب داعم لولد الغزواني، رفض تصريحات ولد اجاي وقال إنها “إساءة” لعدد كبير من الأحزاب السياسية الداعمة لولد الغزواني.
ولد حجبو طلب من ولد اجاي أن يعتذر عن تصريحاته لأنها “تسعى لتفرقة الجبهة الداعمة للرئيس”، على حد تعبيره.
أطماع سياسية
مع افتتاح الحملة الانتخابية أظهرت بعضُ أحزاب الأغلبية نفسها على أنها “بديل” لحزب الإنصاف الحاكم، بل إن بعض هذه الأحزاب كان أكثر شراسة في موقفه.
رئيس حزب الإصلاح محمد ولد طالبنا، في افتتاح حملته الانتخابية من نواكشوط، قال إن هدفهم من خوض هذه الانتخابات هو تشكيل شبكة “أمان سياسي” للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو تلميح إلى عجز حزب الإنصاف عن لعب دوره كذراع سياسية للرئيس.
ولكن ولد طالبنا لم يتوقف عند ذلك، بل زاد من حدة تصريحاته، حين قال: “لقد قررنا أن ندخل في مواجهة مفتوحة مع قوى الفساد من أجل موريتانيا”.
أما حزب حوار فقد حاولَ أن يركز على فكرة أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خارج دائرة التنافس الذي تعيشه أحزاب الأغلبية الداعمة له.
وقالت رئيسة الحزب فاله بنت ميني، خلال افتتاح الحملة، إن الرئيس “له نفس الموقف من جميع أحزاب الأغلبية الداعمة له ويتمسك بها”.
في غضون ذلك، كان الموقف الأكثر وضوحًا وقوة من حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الذي ترأسه الناها بنت مكناس، وهو الحزب الثاني من حيث الحجم الانتخابي في البلاد، حسب آخر انتخابات تشريعية.
بنت مكناس في مهرجان عقده حزبها في نواكشوط الشمالية، قالت إن “اللوائح التي رشحت هي لوائح أغلبية رئاسية”، رافضة أن يتم تقديمها على أنها معارضة فقط لأنها تنافس حزب الإنصاف.
وأضافت بنت مكناس: “نحنُ ندعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو مرشح حزبنا للانتخابات الرئاسية المقبلة (2024)”.
وأكدت بنت مكناس أنه “من الطبيعي أن يكون كل حزب في الأغلبية الرئاسية يعتقدُ أنه الأكثر استعدادا لدعم الرئيس، سواء كان ذلك حزب الإنصاف أو أي حزب آخر”.
وأضافت: “نحنُ لا نعطي الأسبقية لأي حزب في دعم الرئيس”.
موقف الرئيس
فيما يبدو التنافس داخل أحزاب الأغلبية مُستغربًا، إلا أنه أعاد الروح إلى انتخابات تحملُ أهمية كبيرة، كأولُ انتخابات تنظم منذ وصول ولد الغزواني إلى الحكم، وإطلاقه مشروع التهدئة السياسية، ما ساهم في تخفيف حدة الخطاب السياسي في البلاد.
حتى أن ولد الغزواني حاولَ أن يبتعدَ عن تأجيج الصراع السياسي، عبر تفادي أي ظهور في الحملة الانتخابية، كما كان يفعل رؤساء سابقون، واكتفى برسالة موجهة إلى الأحزاب بالتزامن مع انطلاق الحملة، طلب منهم فيها: “الاختلاف باحترام”.
وقال مصدر داخل الأغلبية معلقًا على صمت الرئيس: “إنه يتسامى على التنافس السياسي وعلى كل أن يحصر نفسه داخل خندق واحد، إنه رئيس الجميع”.
وأضاف نفس المصدر أن الرئيس “متمسك بأغلبيته، وهو في النهاية من سيربح، لأنه سيضمن أغلبية مريحة، وسينجح في تنظيم أول انتخابات توافقية وتشاركية بين جميع الطيف السياسي”.