أعلنت شركة “كونجونكتا” الألمانية، مساء أمس الأربعاء، توقيع مذكرة تفاهم مع موريتانيا حول مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالقرب من العاصمة نواكشوط، وتصل قيمة الاستثمار في المشروع إلى 34 مليار دولار أمريكي، فيما يتوقع الألمان أن يبدأ تصدير أول شحنة منه نحو ألمانيا في إطار المرحلة الأولى عام 2028.
ووقع على مذكرة التفاهم يوم الجمعة الماضي، عبر تقنية الفيديو، من طرف الحكومة الموريتانية والشركة الألمانية، بالإضافة إلى “شركة إنفينيتي باور هولدينغ”، وهي عبارة عن شراكة بين شركة “إنفينيتي” المصرية وشركة “مصدر” الإماراتية).
وبحسب ما أعلن فإن ألمانيا ستكون مساهمة كبيرة في المشروع، أولًا لكونها ستكون مصدر التكنولوجيا المستخدمة فيه، وثانيا لأنها ستكون المشتري لكل إنتاج الهيدروجين الأخضر، في إطار خطتها بعيدة المدى لتنويع مصادر الطاقة.
تفاصيل المشروع
يتكون المشروع من محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ستشيد على ثلاث مراحل، من المتوقع أن تنتج ما يصل إلى 8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر أو أنواع الوقود المتجددة الأخرى ذات الأصول غير البيولوجية.
ولكن التوقعات الحالية تشير إلى أن المرحلة الأولى من المحطة البالغة 400 ميجاوات، ستبدأ الإنتاج بحلول عام 2028.
وتشير المعلومات الرسمية المعلنة إلى أن المشروع سيمكن من تصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا وأنواع الوقود المتجددة الأخرى المنتجة من المصنع.
وبحسب ما أعلن فإن المحطة ستشيد في منطقة قريبة من العاصمة نواكشوط، تقع إلى الشمال الشرقي، غير بعيد من المحيط الأطلسي.
وفي نفس المنطقة ستشيد محطة لإنتاج الكهرباء تصل قدرتها إلى 10 جيغاوات.
ويتوقع أن يوفر المشروع الإجمالي فرص عمل لما يقارب 3 آلاف عامل أثناء البناء، وألف عامل عند التشغيل.
لماذا موريتانيا؟
يبدو أن المشروع يثير اهتمام الرأي العام في ألمانيا، التي تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة، بعد الشكوك التي أثارتها الحرب في أوكرانيا، لذا أجرت صحيفة فرانكفورت العامة (FAZ)، مقابلة مع ستيفان ليبينغ، المدير التنفيذي لشركة “Conjuncta”، وسألته في البداية عن سبب اختيار شركته لموريتانيا، دون غيرها من دول أفريقيا.
رد ليبينغ بالقول: “إذا كنتم ترغبون في إنتاج الهيدروجين الأخضر بطريقة اقتصادية، فأنتم بحاجة إلى مكان تكون شمسه قوية طيلة النهار، ورياحه كثيرة في الليل، حتى تعمل مولدات الكهرباء بالطاقة الخضراء ما أمكن، خلال 24 ساعة على 24 ساعة”.
وأضاف: “موريتانيا واحدة من هذه الأماكن، بالإضافة إلى المغرب وجنوب أفريقيا وناميبيا”.
وفي سياق الرد على سؤال حول إن كانت موريتانيا تتوفر على بنية تحتية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي التي تملكُ موارد معدنية هامة وتستعد لإنتاج الغاز الطبيعي، قال المدير التنفيذي للشركة الألمانية: “للأسف ليس هنالك أي بلد يتوفر على ظروف الشمس والرياح، وكميات كافية من المياه، وبنية تحتية مكتملة. لذلك نعملُ مع الحكومة (الموريتانية) ومستثمرين آخرين في مجال الهيدروجين، ويتوجب علينا قبل كل شيء التفكير في كيفية تشييد البنية التحتية للموانئ والشحن الضرورية”.
الصحيفة سألت المدير التنفيذي الألماني عن تاريخ تصدير أول شحنة من الهيدروجين الأخضر المنتج في موريتانيا إلى ألمانيا، فرد قائلًا: “نحن نتوقع حاليا أن المرحلة الأولى من المشروع، والتي تصل قدرتها إلى 400 ميغاوات، يمكنُ أن تنطلق عام 2028”.
ولكنه عاد ليؤكد أن “المشروع في شكله النهائي سيكون أكبر من ذلك خمسة وعشرين مرة”.
القلق الأمني
الصحيفة الألمانية خلال المقابلة طرحت الملف الأمني في منطقة الساحل الأفريقي، حيث “تنشطُ جماعات إرهابية ومجموعات مسلحة”، وقالت إن موريتانيا جزء من هذه المنطقة، وجارتها مالي التي تتعاون مع روسيا، وسألت: “هل يقلقكم ذلك؟”.
في سياق ردها على السؤال، قال ستيفان ليبينغ إن “عدم الاستقرار في منطقة الساحل يقلق جميع المستثمرين، ولكن الخبر الجيد هو أن موريتانيا ظلت حتى الآن نقطة ارتكاز للاستقرار في المنطقة، والتعاون القائم مع الحكومة ومستشاريها يجعلني إيجابيًا ومتفائلًا”.
وأضاف في السياق ذاته: “للأسف ليس هنالك بلد كامل، ويمتلك الظروف المثالية للإنتاج، لذا فإن الحل هو تنويع المصادر حتى نحصل في النهاية على ما يكفي من الموردين، حين تصبح الأوضاع صعبة في أحد البلدان”.
ولكن ستيفان ليبينغ دافع عن الإمكانيات التي تمتلك موريتانيا، وقال إن “لديها مئات الكيلومترات على المحيط الأطلسي، إذا هنالك إمكانية الوصول لمياه البحر، التي يجب إخضاعها للتحلية، ومن بعد تشييد محطة إنتاج الهيدروجين الأخضر بالقرب من الميناء، وهذه المحطة تعمل بالكهرباء النظيفة التي تنتجها مزارع توربينات الرياح والطاقة الشمسية المنتشرة في البلد”.
وشدد على أن “ألمانيا بحاجة إلى كمية كبيرة من الطاقة الخضراء المستوردة”، مشيرًا إلى أن “موريتانيا أو ناميبيا يمكنهما المساهمة في ذلك، تماما مثل تشيلي والمملكة العربية السعودية”.
وأوضح أن الاستراتيجية الألمانية هي تنويع مصادر الهيدروجين الأخضر، ليصل إلى 15 دولة، حتى “إذا قررت دولة الانسحاب من إمدادنا بالطاقة، لأسباب سياسية أو فنية، فإننا نملك الكثير من الخيارات الأخرى. لذا فإن تنويع مصادر الإمداد هو أفضل ضمان. وهذا بالضبط ما نقوم به عبر مشروعنا في موريتانيا”.
الجانب الموريتاني
أمَّا موريتانيا فهي تراهن على المشروع، من أجل دخول سوق عالمية ما تزال قيد التشكل، ذلك ما أوضحه وزير البترول والمعادن والطاقة، عبد السلام ولد محمد صالح في أكثر من مناسبة.
وخلال توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة، قال ولد محمد صالح إن “موريتانيا مصممة على لعب مكانة رائدة على الخريطة العالمية لاقتصاد الهيدروجين الأخضر في العقود المقبلة”.
وأضاف الوزير أن “تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر في موريتانيا، سيحقق فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية لموريتانيا وللعالم”.
وفي سياق حديثه عن الشركاء في المشروع، قال الوزير إن “تجمع الشركات (Infinity & Conjuncta GmbH) يتمتع بقدرات تقنية ومالية قوية للغاية، وشراكات واسعة تسمح له بدخول سوق الهيدروجين الأخضر الأوروبي، ولا سيما ألمانيا”، على حد تعبيره.