محمد فال ابه – روصو
تباينت ردود فعل المزارعين في ولاية اترارزة حول نتائج زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومته للولاية، ففي حين اعتبر عدد منهم أنها أسفرت عن قرارات مهمة لصالح قطاع الزراعة، ذهب آخرون إلى أن الزيارة اختطفها رجال أعمال نافذين في الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين.
وفي سياق رصد ردود الفعل، تحدث مراسل “صحراء ميديا” مع عدد من الفاعلين في قطاع الزراعة، منهم سيد أحمد ولد امحمد، وهو مندوب حملة الشهادات المزارعين في مزرعة امبوريَّ، الذي قال إن زيارة الرئيس وانعقاد مجلس الوزراء في روصو “حدث مهم، خصوصا حين كانت الزراعة عنوانه الأبرز”.
وأضاف ولد امحمد أن الزيارة توجت باتخاذ “قرارات مهمة، وتصب في دعم الزراعة والنهوض بها، لأن ذلك يشكلُ ركيزة أساسية من برنامج الرئيس”.
وأوضح مندوب حملة الشهادات المشتغلين في الزراعة، أن من نماذج القرارات المهمة المتخذة “اكتتاب خبرات ومهندسين للإرشاد الزراعي، يكونون في الميدان، وإعفاءات جمركية لصالح الآليات الزراعية”.
وأكد أن “نقص الحاصدات كان عائقًا كبيرا أمام تطور الزراعة، وهذا القرار قرار مهم لأنه يسهّلُ بشكل كبير دخولها السوق”.
وأشاد ولد امحمد بقرار مكننة الزراعة المطرية، وقال: “في العقود الأخيرة، تدهورت الزراعة المطرية بشكل كبير، لأنها كانت تعتمد على اليد العاملة، وذلك أصبح غير متاح لأن الشباب هاجر، ولم تعد هنالك يد عاملة، وشكل ذلك ضربة كبيرة لهذه الزراعة المطرية”.
وشدد على أن التوجه نحو المكننة سينقذ الزراعة المطرية، وقال: “أتوقع أنه حين تنجح خطة مكننة الزراعة المطرية، ستشهد نجاحا كبيرا في غضون سنوات قليلة، وستلعب دورا هاما في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء”، وفق تعبيره.
وخلص ولد امحمد إلى التأكيد على أن “القرارات في مجملها كانت مهمة جدًا، ولكن الزراعة مطالبها لا تنتهي، لأن مشاكلها أيضًا كثيرة ولا تنتهي، ونعتبر أن هذه مجرد البداية”.
وقال في ختام حديثه: “نحن حملة الشهادات جزء من عملية انتاج مادة الأرز، وكنا حاضرين خلال الزيارة، حين اجتمع بنا القطاع المعني، واستمع لمشاكلنا، ونتمنى أن تؤخذ مطالبنا بعين الاعتبار”.
اختطاف الزيارة
أما الحسن ولد الطالب، وهو نائب رئيس اتحادية المزارعين على مستوى ولاية اترارزه، فقد عبر في حديث مع “صحراء ميديا” عن خيبة أمله من مستوى تمثيل المزارعين خلال فعاليات الزيارة، ومع ذلك قال: “نتمنى أن تجسد القرارات التي اتخذت في الزيارة على أرض الواقع”.
وأوضح ولد الطالب أن أهم ملاحظة يمكن تقديمها على الزيارة هي “تغييب المزارعين، في حين كان يتوقع حضورهم بشكل أكبر أمام رئيس الجمهورية، خاصة أن الزيارة كانت زيارة زراعية”.
ورغم أن ولد الطالب أكد أن تعامل الإدارة الإقليمية كان متميزًا، إلا أنه انتقد الحضور القوي لمن قال إنهم “رجال الأعمال الذين يقودون أرباب العمل، ولديهم أراضٍ على الورق، ولديهم آلاف الهكتارات دون أن يزرعوها، ومنهم قياديون بارزون في اتحاد أرباب العمل”.
وأضاف: “هؤلاء يتحدثون عن الزراعة وتمويلاتها وأرقامها، ويحاضرون عن الاكتفاء الذاتي، وهم لا علاقة لهم بالقطاع الزراعي ولا يمثلونه، وفي الحقيقة كان حضورهم في الزيارة أكبر من حضور المزارع الموجود في الميدان، وأكبر من رجل الأعمال المستثمر في الزراعة، الذي يمول المزارعين، وموجود بشكل فعلي على أرض الميدان”، وفق تعبيره.
نائب رئيس اتحادية المزارعين على مستوى ولاية اترارزه، انتقد بشدة ما سماه “اختطاف الزيارة من طرف رجال الأعمال، أصحاب البنوك والمليارات، هم في واد ونحن في واد، ومشاكلنا ليست واحدة، وبالتالي ليست لهم القدرة على طرح مشاكلنا والتعبير عنها، ولن نقبل أن يختطفوا دوما الزيارات”.
وخلص إلى القول إن “هذه الزيارة اختطفها رجال أعمال لا علاقة لهم بالزراعة، لقد هيمنوا على جانب كبير من الزيارة، ونود الانتباه لذلك في المستقبل”.
القرض الزراعي
من جانبه قال بلعمش ولد معلوم، وهو نقابي ناشط في قطاع الزراعة، إن هنالك مطالب جوهرية بقيت عالقة دون أن يتم التطرق لها خلال زيارة الرئيس لولاية اترارزة.
وأضاف ولد معلوم في تصريح لـ “صحاء ميديا” أنه استبشر خيرًا حين أعلن عن زيارة الرئيس، وقال: “كنا نريد لهذه الزيارة أن تلمس بشكل حقيقي مشاكل المزارعين، وهي كثيرة جدًا”.
وشدد على أن المزارعين يعانون من مشاكل كثيرة ومتشعبة، ولكن أكبر مشكلة يعانون منها هي تراكم الديون، وأضاف: “لا يمكن أن تكون هنالك زراعة من دون قرض زراعي حقيقي، على شكل صندوق يمنح قروضا للمزارعين على المدى القصير والطويل”.
وتحدث ولد معلوم بإسهاب عن معضلة التمويل، وقال إن “المزارعين يمولون أنشطتهم الزراعية بصعوبة كبيرة”، داعيًا الدولة إلى أن “تفرض على رجال الأعمال، وخاصة أصحاب البنوك، تخصيص 10 في المائة من رؤوس أموالهم لتمويل الزراعة، على شكل قروض تمنح للمزارعين، وعلى شكل مصانع ومنشئات”.
وخلص إلى القول: “يمكنني القول إن الزيارة ونتائجها كانت دون المستوى”.
قرارات الزيارة
وكان مجلسُ الوزراء الذي انعقد في روصو، قد أسفر عن اتخاذ قرارات بإعفاء جميع المدخلات الزراعية من التعريفات الجمركية، وكذلك إعفاء الآلات الزراعية الخاصة.
كما أصدر الرئيس الموريتاني قرارًا بإطلاق برنامج لمكننة الزراعة المطرية، حيث ستقتني وزارة الزراعة خلال العام الجاري ما بين 150 إلى 200 محراث.
أما القرار الثالث الذي اتخذه ولد الغزواني خلال اجتماع الحكومة بروصو، فتمثل في إطلاق برنامج للسدود بغلاف مالي يصل إلى 40 مليار أوقية من خارج الميزانيات المرصودة لهذا المجال، سيتركز في ولاية الحوض الشرقي ومقاطعة باركيول، وسيشيد فيه 40 سدا كبيرا و37 من السدود الرملية، بالإضافة إلى تمويل 122 تعاونية.
كما ناقش مجلس الوزراء مديونية التعاونيات الزراعية، التي تتسبب في تعطيل من 10 إلى 13 ألف هكتار، فأصدر الرئيس توجيهات لوزير المالية ووزير الزراعة باستحداث آلية تمكن من رفع التعطيل عن هذه المساحة من أجل استغلالها، بالتشاور مع التعاونيات.
نحو السيادة
خلال لقاء مع أطر ووجهاء ولاية اترارزه، أطلق ولد الغزواني نداء لجميع الموريتانيين بالعمل على تحقيق “السيادة الغذائية”، قبل أن يشير إلى أن دولة لا تملك سيادتها الغذائية لا يمكن وصفها بأنها مستقلة.
وقال ولد الغزواني إنه اختار أن يستهل دورات مجلس الوزراء في الولايات الداخلية من اترارزه “نتيجة لمحورية دورها في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد، وتأكيد السيادة الغذائية عموما”.
وأضاف: “لا شك أنكم تعرفون أن تحقيق السيادة الغذائية يشكل هدفًا رئيسيًا اليوم، أكثر من وقت مضى، في استراتيجيتنا التنموية”.
وأوضح ولد الغزواني أنه حين يحدث أي اضطراب في سلاسل التموين، تتأثر السوق المحلية والحركة التجارية، ضاربًا المثال بما وقع خلال جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، وقال: “كل ذلك يفرض علينا العمل على تحقيق سيادتنا الغذائية”.
وأكد ولد الغزواني أن “أي دولة لم تحقق قدرا معتبرا من الاكتفاء الذاتي الغذائي، لا يمكن وصفها بأنها دولة مستقلة”.
وقال ولد الغزواني مخاطبًا الحاضرين: “أطلب منكم جميعا تكثيف الجهود، من أجل الوصول إلى اكتفاءنا الغذائي، ونعتبر أن هذه الولاية من أكثر مناطق الوطن التي تملك مقدرات تمكننا من تحقيق طموحنا نحو السيادة الغذائية”.
وشدد ولد الغزواني على أن “الوضعية الحالية لم تعد مقبولة، ولا بد من تغييرها”، قبل أن يضيف: “أنا لا أقول ذلك من فراغ، فالمقومات موجودة؛ الأرض الصالحة للزراعة موجودة، ويمكن أن تصلها مياه النهر، وأصحاب الشهادات كثير منهم عاطلون عن العمل، ويجب أن يكونوا مستعدين للعمل، والدولة يجب أن توفر الموارد”.