في حي “الزعتر” الفقير بالعاصمة نواكشوط، تحولت أعرشة وبيوت من الصفيح، إلى لوحات فنية زاهية، اعطت للحي رونقا خاصا، إنها مبادرة يقودها الرسام البريطاني الفرنسي سيب توسان.
اختار هذا الفنان أن تكون موريتانيا إحدى محطاته، ضمن مبادرة أطلقها عام 2013، تهدف إلى رسم جداريات على المساكن في المناطق النائية التي يعيش سكانها فقرا مدقعا.
يقول إنه اختار موريتانيا لأنه أراد اكتشاف بلد وشعب جديدين غير معروفين، مضيفا أنه فضل المجيء هنا في شهر يناير لأن الطقس فيه يكون معتدلا وملائما لرسم الجداريات، عكس الشهور التي تتساقط فيها الأمطار.
التكيف مع الأهالي
اختار الرسام حي الزعتر بالصدفة، لم يقترحه عليه أحد، فقد اعتاد عند زيارة أي دولة التجول في الأحياء الشعبية، باحثا عن الحي الأكثر هشاشة وفقرا، حتى يستفيد سكانه من مبادرته.
نجح في أن يقنع سكان الحي الفقير بإعادة طلاء بيوتهم، فقد تحول بالنسبة لهم إلى بطل، يحيونه في أي شارع يمر منه، الجميع يعرفه ويدعونه لشرب الشاي والاستمتاع معهم بركوب عربات تجرها الحمير.
ينهمك سيب ومساعديه في الرسم على واجهة منزل صغير، يقدم نصائحه لرفيقيه، فيما يتجمع أطفال الحي من حولهم، فلم يتعودوا على أجانب يأتونهم، كان غريبا عندهم مشهد رسم الجداريات على بيوتهم.
استطاع التكيف مع حياتهم، يرى أنه جزء من سكان هذا الحي، يقول إنه اكتشف أن الموريتانيين مسالمون يكرمون الضيوف، مؤكدا أنه صار فردا من سكان الحي.
الشغف بالحياة
بدأ سيب ومساعديه بداية هذا الشهر بتنفيذ مشروعهم في الحي، فقد رسموا جداريات على 20 بيتا، اختار أصحابها الكلمات التي تعبر عن الجداريات المرسومة على واجهة بيوتهم.
كانت هذه الكلمات المختارة تعكس مدى تعلق سكان الحي بالحياة والشغف بها، إنها طافحة بالسعادة والمرح، فالحياة بالنسبة لهم ركن تأوى إليه الروح لتعيش بسلام.
وتضمنت هذه الكلمات التي كتبت بالعربية “مرح وسعادة، وشباب ونور، وجمل، وماما” .
يقول سيب في حديثه ل”صحراء ميديا”، لغة الأم لسكان الحي العربية، وإن كنا لا نفهمها، فإننا نجحنا في استيعاب الكلمات التي اختاروها.
ويضيف: “من الرائع أن تساعد الفقراء تزرع البسمة على وجوههم بأي شيء تملكه، وأنا لدي موهبة الرسم وهبتها لهم، أزين واجهة بيوتهم كما أفعل الآن هنا في حي الزعتر”.
إشادة بالأبطال
تمر سيدة عليهم، تحي سيب ورفيقيه، تطلب منهم زيارة بيتها والرسم على واجهته، كلماتها يترجمها بوب الذي يعد حلقة تواصل ما بين سيب والسكان.
هذه السيدة تشيد بمبادرة سيب، تقول إن الأهالي ممتنون له على تكبد مشقة السفر حتى يزين هذه البيوت.
تضيف: “ما رأينا منهم إلا الخير، إنهم يستحقون الاحترام على ما بذلوه في هذا الحي، إنهم على لسان الأهالي، يرونهم ابطالا”.
تتحدث مع سيب تدردش معه تشرح له معنى كلمة “مرح”، وأن تحمل دلالة عند الأهالي هنا، يحبون الحياة المرحة الصاخبة رغم أنهم يعانون الفقر.
بقي أقل من أسبوع على نهاية مبادرة استفادت منها عشرات البيوت في حي الزعتر، استطاع بهذه الجداريات أن يترك سيب ومساعداه الأثر هنا، ستبقى شاهدة على أن مبادرتهم مرت من هنا كما مرت في فنزويلا وكولومبيا ودول عدة.