حولت الأمطار الأخيرة مناطق واسعة من مقاطعتي “دار النعيم” و”تيارت” إلى مستنقعٍ كبير، فغمرت المياه المنازل والمساجد وقطعت الشوارع، وهجرت عشرات الأسر بيوتها فيما حاولت أسرٌ عديدة أخرى التعايش مع برك مياه راكدة في فصل تكثر فيه الأمراض.
“الحسن” تاجر في سوق “تيارت” يقول إنه عاجز عن فتح محله بسبب مياه الأمطار التي حاصرت السوق قبل ثلاثة أيام، ويضيف التاجر أن الأمطار قطعت مصدر رزقه الوحيد.
ويقول الحسن في تصريح لـ”صحراء ميديا” إن السلطات كان عليها أن تتأهب لهطول الأمطار، بنشر صهاريج لشفط المياه في المناطق المعرضة للخطر.
“الحسن” ليس المتضرر الوحيد، وإنما هنالك أسر عديدة قررت مغادرة “تيارت”، على غرار “فاطمة” وهي سيدة خمسينية قالت لـ “صحراء ميديا” إنها تفاجأت من مستوى الأمطار، وتضيف: “تسربت المياه داخل البيت، حاولتُ في البداية شفطها بوسائل بدائية، لكن زيادتها بعد الأمطار الأخيرة جعلتني أغادر المنزل، لأنه لم يعد بإمكاني الصمود”.
وتضيف “فاطمة” أن أسرتها اختارت تأجير بيت مؤقت في ضواحي العاصمة، لم تتأثر بالأمطار مقارنة بـ”تيارات”.
غياب السلطات
في مقاطعة “دار النعيم” لا يبدو الوضع مختلفا عن “تيارت”، حيث تنتشر البرك في كل مكان، وتبدو المنازل من أعلى كأحواض سباحة، والمنازل كمجاري مائية، ولا أثر لأي تدخل من أجل تخفيف حجم الكارثة.
في وقت اختارت أسر النزوح من بيوتها، آثرت أسر أخرى التكيف مع هذه البرك، وأنشأت ممرات بدائية، باستخدام الحجارة تارة، وبراميل الزيت الصفراء تارة أخرى.
تصريف مياه الأمطار بطرق بدائية حل لجأ إليه “محمد ولد سعيد”، بعد أن حاصرت المياه بيته من كل جانب، وتسربت داخله؛ يقول “ولد سعيد” إنه بذلَ جهدا كبيرا لإنشاء ممرات عبر المستنقعات، بعد أن حاصرت المياه بيت إحدى الأسر.
انتقد “ولد سعيد” في حديثه مع “صحراء ميديا”، استراتيجية السلطات لشفط مياه الأمطار عن العاصمة، واعتبر أن المكتب الوطني للصرف الصحي “يمارس تمييزا بين المقاطعات”.
وقال: “منذ أيام ونحن عالقون في هذه البرك، المياه تحاصر منازلنا وكبدت بعض السكان خسائر مادية كبيرة، وسط تجاهل تام من السلطات”.
لا تقاعس ولا تمييز
نقلنا حديث المواطن إلى المدير العام للمكتب الوطني للصرف الصحي محمد الأمين ولد خطري، فنفى أن يكون المكتبُ يتجاهلُ معاناة المواطنين، أو أن يكون قد مارس أي نوعٍ من التمييز.
في حديث مع “صحراء ميديا” قال ولد خطري: “نحن نعملُ دون تمييز بين الأحياء المستهدفة”.
وأضاف أنهم قدموا قبل موسم الأمطار أربعة صهاريج لولاية نواكشوط الشمالية، حيث تقعُ مقاطعتي “دار النعيم” و”تيارت”، وأكد أن الولاية لم تطلب من المكتب التدخل قبل الأمطار الأخيرة.
من جهة أخرى، أكد ولد خطري أن فرق المكتب لم تتقاعس عن التدخل في “دار النعيم” و”تيارت”، وقال: “هذا لا أساس له من الصحة، نحنُ عملُ الآن على شفط مياه الأمطار عن الأحياء التي تضررت من الأمطار في المقاطعتين”.
وأشار في السياق ذاته إلى أن فرق المكتب عملت أمس على شفط المياه من شوارع “ولد ابادو” و”سمعت ولد اخطيره”، مؤكدا أن مكتب الصرف الصحي فك العزلة عن بعض المنازل التي حاصرتها الأمطار.
ورغم تأكيد مدير المكتب الوطني للصرف الصحي أنه لن يقع أي تمييز بين الأحياء، ولا أي تقاعس عن المساعدة، يبقى الوضعُ أكثر تعقيدًا وصعبة في ظل تواضع الإمكانيات وغياب نظام للصرف الصحي، وتوقعات باستمرار الأمطار لأسابيع مقبلة.