في خطوة بدت مستحيلة بقدر ما تحمله من أمل، أقدمت عائشة على زراعة «القوقعة» لطفلها الصغير، في تونس، فجاءت النتيجة مفاجئة وسارة للأم التي عندها أطفالا صما، «تصور أن يكون لك طفل من مواليد 2005 وقد جاء الدنيا وهو أصم، ثم فجأة ينطق باسمك لأول مرة»، تقول عائشة
تضيف عائشة حماد واصفة حالها بعد سماع ابنها وقدرته على الكلام إثر زراعة «القوقعة»: «إنه شعور لا يوصف ولا يمكن التعبير عنه بأي لغة!».
كان القرار صعبا لكنه يحمل الكثير من الأمل والتفاؤل، فالسيدة التي أولت اهتماما كبيرا للصم، وتعلمت لغة الإشارة، لدمج أطفالها في المجتمع، توصلت أخيرا لحل من أفضل ما توصل إليه العلم الحديث.
زرعت عائشة لطفلها «القوقعة» وتتحدث ل«صحراء ميديا» عن بدايات تفاعل ابنها مع ولوجه عالم السمع وكونه «لا يفهم ما يدور حوله ولايدرك طبيعة الأصوات».
تقول عائشة بعد أن أصبح يسمع ويتكلم، فإن «فرحتنا لا توصف؛ فأنا أم كانت لديها أبناء لا يسمعون ولا يتكلمون، فكيف وقد أصبحوا يتفاعلون معنا ويعبرون كأي شخص».
وتتابع: «من أهم المراحل بعد تفعيل القوقعة هي مرحلة الترويض والتدريب على الكلام، والذي يستغرق خمسة أيام على الأقل بمعدل حصة كل يوم، ثم بعد ذلك مرحلة أخرى لمدة شهرين، حينها يبدأ ينتبه ويلاحظ الأصوات ويتفاعل معها».
ودعت عائشة التي ترأس جمعية للصم، إلى الإقبال على هذا العلاج المهم جدا والذي حقق آمالا كبيرة للأسر التي لديها أبناء صم، مطالبة «بضرورة صيانة الجهاز والمحافظة عليه».
قبل فترة أجريت في المستشفى العسكري بنواكشوط، عملية تفعيل جهاز القوقعة، لأول مرة في موريتانيا، لبعض الأطفال الصم وآخرين مصابين بنقص حاد في السمع.
الجيش الوطني الموريتاني نشر على صفحته على فيسبوك، حينها، أن تفعيل جهاز القوقعة «نجح كما تم برمجته لدى جميع الأطفال الذين استفادوا من زراعة القوقعة».
وأضاف الجيش أن العملية شملت أيضا ترويض الأطفال زارعي القوقعة على النطق «ليتمكن المريض من سماع الأصوات لأول مرة، عن طريق تحفيز العصب السّمعي بشكل مباشر».
وقال إن هذه العملية تعتبر «النواة الأولى لزراعة القوقعة وتفعيلها في بلادنا، وبإشراف طاقم وطني، وهو ما سيشكل إضافة نوعية للمستشفى العسكري» وفق تعبيره.
الدكتور الشيخ محمد فاضل عبدي اكوهي، يرى أن «معدل انتشار مشاكل السمع التي تحتاج لزارعة القوقعة مرتفع جدا وخصوصا معدل الأطفال منهم».
اكوهي وهو طبيب اختصاصي في الطب النفسي، يؤكد في تصريح ل«صحراء ميديا» أن عملية زراعة القوقعة علميا تكون فعالة قبل عمر أربع سنوات لأن نسبة استعادة السمع قد تصل لـ 85 في المائة، لذلك كلما أسرعنا بزرع القوقعة كلما حصلنا على نتائج إيجابية أكثر».
ويوضح الدكتور طبيعة جهاز القوقعة، وكونه يزرع في الداخل، بصفته قطبا كهربائيا لديه نفس وظيفة الخلايا الحسية العصبية الموجودة داخل قوقعة الأذن، والتي تعمل على تحويل الموجات الصوتية إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر العصب السمعي والذي سينقلها إلى منطقة السمع بالدماغ وبعدها تحصل على كلية السمع .
وبخصوص ردود الأفعال عند الأطفال بعد زراعة القوقعة والدخول إلى مرحلة السمع، فقد أوضح أنها «تختلف لأن فئات الأطفال الذين يحتاجون لزراعة القوقعة هم فئتان».
الفئة الأولى، وفق الدكتور، وهي الكثيرة ولدت بفقدان السمع «يعني أنهم ولدوا وعندهم مشكل فقدان السمع وهذه الفئة من أصعب الفئات تأهيلًا لعدة أسباب، من أهمها أنها فئة لم تتشكل عندها ذاكرة سمعية أو لغوية وبالتالي ليست لديها ذاكرة في الدماغ يمكن تحفيزها لاسترجاع تلك المهارات السمعية واللغوية».
والفئة الثانية هي التي ولدت وكانت «تسمع وتتحدث وبعدها فقدت السمع، هذه الفئة تأهيلها سهل لأن الدماغ أصلا لديه ذاكرة سمعية ولغوية، وبالتالي فعملية التأهيل ستكون بسيطة وسهلة، وتهدف أساسا لاسترجاع تلك الذاكرة وتعزيز مهاراتها عند الطفل».
وبخصوص الجانب النفسي عند الطفل يضيف الدكتور «سوف تخف علامات القلق عند الطفل والشعور بالنقص والدونية، كما سيستعيد مهاراته الاجتماعية التي فقدها، أو التي لم تتشكل أصلا عنده وهذا سوف يزيد من ثقته بنفسه وبالمحيط».
وطالب الدكتور بالاهتمام بمشاكل السمع عند الأطفال وأخذها بجدية في البداية حتى «تكون عملية الزرع ناجحة وبالتالي تخلف ما يسر ويستمر».