بينما ترتفع أسعار الوقود في دول الجوار، مازلت موريتانيا صامدة أمام ارتفاع أسعار النفط عالميا، بعد أن وصلت أعلى مستوياتها منذ عام 2012، ولكن الأكاديمي والخبير الاقتصادي محمد فيلالي توقع أن تصل فاتورة المحروقات هذه السنة لأول مرة في تاريخ موريتانيا إلى قرابة مليار دولار.
مع ذلك، لم يسجل عداد محطات الوقود في موريتانيا أي تعديل لسعر الوقود منذ عام 2012، لا زيادة ولا نقصان، فظل السعر ثابتا لا يخضع لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية على الرغم من الهبوط الحاد الذي شهده في السنوات الماضية.
تشهد اليوم أسعار النفط ارتفاعا كبيرا، فقد وصل سعر البرميل إلى 120 دولارا في الأسابيع الماضية، وهو الأعلى منذ عقد، متأثرا بالحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على موسكو.
هذا الارتفاع لم تصمد أمامه معظم الدول، خاصة دول الجوار كالسنغال والمغرب الذي لا يدعم سعر المحروقات، فقد وصل سعر ليتر المازوت إلى ما يقارب ألف أوقية قديمة.
إبقاء أسعار المحروقات على ما هي عليه كما كانت في موريتانيا قبل الحرب الروسية الأوكرانية، يثير سؤالا هل الحكومة قادرة على الصمود في وجه ارتفاع أسعار النفط عالميا؟
خلل هيكلي
يكلف ثبات أسعار المحروقات على ما هي عليه الحكومة 73 مليار أوقية قديمة، وفق ما قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في خطاب سابق له.
بعد أن كانت توفر أسعار المحروقات أكثر من نصف ميزانية الدولة في الأعوام الماضية، فإن الدولة بدأت منذ فبراير الماضي تتحمل أكثر من 200 أوقية قديمة من سعر كل لتر من المازوت يشتريه المواطن الموريتاني.
فبحسب الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد ماء العينين ولد أييه، فإن الحكومة تتحمل جزءا كبيرا من زيادة المحروقات، وهو جهد بحسبه يساعد على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.
وتشمل المنتجات البترولية التي تستوردها موريتانيا، الديزل والبنزين والكيروسين وزيت الوقود، فهي لا تستورد “المنتجات النفطية”، ما يجعلها في وضعية “صعبة”، بحسب الخبراء الاقتصاديين.
الأكاديمي والخبير الاقتصادي الموريتاني محمد فيلالي، يرى أن عدم وجود محطات تكرير النفط في موريتانيا يجعلها “ضحية الخلل الهيكلي الذي تمر به الصناعة التكريرية، نتيجة سياسات المناخ والأزمة الأوكرانية وعوامل اقتصادية أخرى”.
ويتوقع الخبير الاقتصادي في حديثه لـ”صحراء ميديا” أن تصل فاتورة المحروقات هذه السنة لأول مرة في تاريخ موريتانيا إلى قرابة مليار دولار.
ويعزي ولد فيلالي ذلك إلى زيادة أسعار المحروقات في الأسواق العالمية الناتج عن ارتفاع أسعار النقل، لأن كثير من شركات النقل دخلت في عقود طولية الأمد مع بعض زبائنها.
ولد فيلالي يعتقد أن التكلفة التي ستدفعها موريتانيا جراء دعم المحروقات، مرتبطة بأسعار النقل والتأمين، إضافة إلى الليبور (سعر الفائدة بين بنوك لندن، وهو قياس مرجعي).
ضعف السوق
تستورد موريتانيا سنويا نحو مليون طن من المنتجات النفطية السائلة، ما يضعها في خانة الدول “ضعيفة” استهلاك المحروقات، وبالتالي لا ينظر إليها على أنها سوق مربحة بالنسبة لشركات تسويق المحروقات.
وفي هذا السياق يقول ولد فيلالي: “الاقتصاد الموريتاني اقتصاد ضعيف، فاستهلاكه لا يزيد عن عشرين ألف برميل، بالتالي يصعب على الدولة إبرام عقود مع الشركات الكبيرة”.
وترتبط موريتانيا بعقد مع شركة آداكس، بموجبه تتولى تزويد البلاد بالمحروقات منذ عام 2016، جددته الحكومة مرات عدة، على الرغم من الخلافات التي وقعت بينهما في السنوات الثلاث الأخيرة.
تلجأ الحكومة الموريتانية إلى عقود قصيرة الأجل، لا تتجاوز مدتها سنة واحدة، وهذا ما اتبعته في الاتفاق الأخير الموقع مع شركة آداكس في شهر ابريل الماضي.
فبحسب وزير البترول والطاقة والمعادن عبد السلام ولد محمد صالح، فإن الحكومة صدقت ابريل الماضي على مراجعة قانون المحروقات حتى “يتماشى مع ما يعيشه قطاع المحروقات اليوم من تغييرات وما تفرضه من ضرورة الملاءمة معها في الجانب التشريعي”.
لكن بحسب المراقبين، فإن المشكلة ليست في القوانين المنظمة للمحروقات، وإنما في “ضعف” السوق المحلي الذي لا يغري الشركات العالمية للنفط، وهو ما أدى إلى عجز الحكومة عن وجود بديل عن شركة آداكس لتضطر إلى تجديد العقد معها على الرغم من إخلالها ببنود العقد مرات عدة.
وفي هذا السياق يرى ولد فيلالي أن الحكومة غالبا ما تلجأ إلى “عقود مجحفة بوساطة غير مباشرة من البنك الدولي، كما حدث مع شركة آداكس، فقد حصلت على 35 مليون دولار كجزء من تسهيل ائتماني بقيمة 200 مليون دولار، وذلك لتمكين الشركة من تموين موريتانيا بالمحروقات”.
رغم الصعوبات التي تواجه موريتانيا في سبيل تأمين وارداتها من المحروقات في عام يصنف على أنه “الأصعب” نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فإن الحكومة تستبعد رفع أسعار المحروقات أو رفع الدعم عنها.
ويعتقد ولد فيلالي أنه في حال قررت الحكومة زيادة أسعار الوقود، فإنها ستبحث عن السعر الذي يحقق التوازن بين أسعار المحروقات عالميا، ومستوى التضخم، ونبض الشارع.
ويؤكد ولد فيلالي أن موريتانيا قادرة على الصمود في وجه ارتفاع أسعار المحروقات، على الرغم أنها من أكثر الدول المغاربية تضررا من ارتفاع أسعاره.