تصدحُ الموسيقى من قاعة المحاضرات في كلية القانون والاقتصاد بجامعة نواكشوط العصرية، وترتفع معها أهازيج الطلاب، إنها أجواء تنافس انتخابي لم تعرفه الجامعة منذ تسع سنوات، ظلت خلالها الساحة الطلابية تعيش ما يشبه السباتَ، رغم محطات النضال الخاطفة والسريعة.
رفعت في جنبات الجامعة أعلام وشعارات النقابات الطلابية التي تتنافس للفوز بمقاعد تمثيل الطلاب في مجالس إدارات الجامعة، هنالك سبعُ لوائح تسعى للفوز بمقاعد في مجلس إدارة كلية العلوم والتقنيات، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، المعهد الجامعي المهني، وكلية الطب، ومجلس إدارة جامعة نواكشوط العصرية، والمجلس التربوي والعلمي.
أعادت الانتخابات قليلا من الحياة إلى النقابات الطلابية، التي عادت إلى الواجهة من جديد، رغم أن نسبة كبيرة من الطلاب ما تزال عازفة عن الانتساب لهذه النقابات أو الاهتمام بأنشطتها، بل إن العديد منهم لا يلقي أي بالٍ لهذه الانتخابات، ويبررون ذلك بفقدان الثقة.
كان تمثيل الطلاب في مجالس إدارات الجامعة من أبرز مطالب النقابات الطلابية خلال السنوات الأخيرة، فآخر تمثيل يعود إلى عام 2015، قبل أن تلغى الانتخابات بشكل تام بتدخل مباشر من وزارة التعليم العالي آنذاك، حسب ما تقول النقابات الطلابية.
ينص القانون الداخلي المنظم لجامعة نواكشوط العصرية على حق الطلاب في انتخاب ممثلين لهم في مجالس إدارات الجامعة؛ مقعدين في كل مجلس على مستوى الكليات، وأربعة مقاعد في مجلس إدارة الجامعة، ومقعدين في مجلس التربوي والعملي، والمعهد الجامعي المهني.
أجواء الحملة
انطلقت حملة الانتخابات الطلابية يوم الأربعاء الماضي، فحشد كل اتحاد طلابي جماهيره في ساحات الكليات، يتعاقب المرشحون على المنابر يعرضون برامجهم ويطلقون الوعود التي سيسعون إلى تحقيقها في حال انتخابهم.
تتنافس الاتحادات الطلابية على كتلة الطلاب المترددين، فبالإضافة إلى استخدام وسائل الإقناع والنقاش، لجأ بعض المترشحين إلى جلب فنانين مشهورين من أجل الدعاية لترشحهم، وإقناع أكبر قدر ممكن من الطلاب بالتصويت للائحتهم الانتخابية.
في هذا السياق يقول محمد الأمين ولد حبيب، وهو طالب في كلية العلوم القانونية والاقتصادية، إن هذه الحملة “نسخة مصغرة من الحملات الانتخابية السياسية، إنهم يستخدمون نفس أساليب الدعاية، ويستخدمون الفن أيضًا”.
عزوف الطلاب
هنالك شبه إجماع على أن الاهتمام بالبرامج الانتخابية كان “ضئيلا” في أوساط الطلاب، فأغلب من يحضرون للأنشطة الدعائية إنما يبحثون عن الترفيه وتزجية الوقت.
يقول الشيخ باي السيد يوسف، وهو مرشح في تحالف الوطنيين لمجلس إدارة جامعة نواكشوط العصرية، إن “الاهتمام بهذه الانتخابات ضعيفًا، معظم الطلاب غير مهتمين بالبرامج الانتخابية، وغير مستعدين حتى لقراءتها”.
يتوقع المرشحُ عزوف الطلاب عن التصويت “لأنهم لا يهتمون بالعمل النقابي الذي تراجع في السنوات الأخيرة”، وذلك ما يجمعُ عليه متتبعو الساحة الطلابية الذين يعتقدون أن العمل النقابي والنضال “لم يعد يستقطب الطلاب كما كان في العقود السابقة”.
يبرر ولد يوسف هذا الوضع بأن “الطالب فقد الثقة في الاتحادات التي تخلت عن أدوارها النقابية”، قبل أن يضيف: “النقابات تراجع تأُثيرها في السنوات الأخيرة، لأسباب منها تخليها عن أدوارها، وأصبحت تركز على أمور بعيدة عن العمل الذي أنشئت من أجله”.
ويوضحُ أن النقابات “لم تعد توجه الطلاب وترشدهم من أجل انتزاع حقوقهم، بل أصبح دورها يقتصر على قطع تذاكر النقل للطلاب”.
لكن مرشح الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا على مستوى مجلس كلية العلوم القانونية والاقتصادية أحمد سالم ولد لمرابط، يرى أن اتحادهم راكم خبرات كبيرة في مجال العمل النقابي.
ويضيف في خطاب خلال الحملة، أن بالنسبة لهم كانوا في الصفوف الأولى للنضال والعمل من أجل “انتزاع” حقوق الطلاب طيلة العقود الماضية، خاصة في السنوات الأخيرة.
عودة الحياة
ربما تعيد هذه الانتخابات العمل النقابي إلى الواجهة من جديد في الجامعة، ذلك ما يتمناه العديد من الطلاب النشطين، فمنذ أيامٍ لا نقاش يعلو في الجامعة على الانتخابات.
بل إن التنافس وصل إلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وفتح الطلاب نقاشات حول المرشحين، وأصبحت تتداول صور وأسماء اللوائح الطلابية المتنافسة.
صباح غد السبت يبدأ الطلاب التصويت، من أجل تحديد أسماء ممثليهم في مجالس إدارات الجامعة، ولكن في الوقت نفسه ستكون هذه الانتخابات استفتاء لمعرفة مدى اهتمام الطلاب بالعمل النقابي، بعد تسع سنوات من توقف الانتخابات.
حتى أن الأجواء كانت غريبة وغير مألوفة في الجامعة، بعد مرور جيلين على الأقل من الطلاب لم يعرفوا أي انتخابات، ولكن أيامًا قليلة كانت كفيلة بإعادة الروح ولو قليلا للجامعة، التي كانت قبل عقود مهد النضال، ومنها يتخرج السياسيون والناشطون الحقوقيون.
حين كنا نتحدث مع الطلاب عن هذه الانتخابات، كان أحد حراس كلية العلوم والتقنيات يزيل شعارات الاتحادات الطلابية من واجهة الجامعة، معلنا بذلك انتهاء الحملة الانتخابية والدخول في الصمت الانتخابي تمنع فيه الدعاية وممارستها.