بدأت نتائج الانتخابات البلدية والمحلية التي جرت أمس الأحد في السنغال، تنشرُ تباعًا لتظهر فوز المعارضة بعدد من البلديات المهمة، ورغم احتفاء المعارضة بهذه النتائج إلا أن المحللين لا يرون فيها انعكاسا لقوة شعبية هذه المعارضة، بقدر ما تعكس أزمة ترشيحات داخل معسكر الأغلبية.
عثمان سونكو الذي يقود تحالف “تحرير الشعب” المعارض، حقق النصر في العاصمة دكار، وفي مدينتي زيغنشور وتييس، وهو الذي خاض حملته الانتخابية مقدمًا ما يجري على أنه “استفتاء” على شعبية الرئيس ماكي صال.
ولكن الصحفي ماديمبي ديين، وهو كاتب عمود في صحيفة (لوكوتيدين) اليومية السنغالية، يرى خلاف ذلك، حين يشير في عموده الصادر اليوم الاثنين، إلى أن “فوز التحالف المعارض في بعض المدن والبلديات، لا يعني بالضرورة كسب ثقة عامة السنغاليين”.
ويصف الكاتب الصحفي هذا الاعتقاد بأنه “فخ” يجب على المعارضة ألا تقع فيه، مؤكدًا أن مرشحي المعارضة استفادوا من “تعدد اللوائح المحسوبة على الأغلبية الحاكمة، ما تسبب في تشتيت أصوات ناخبي هذه الأغلبية”.
ويشير الكاتب الصحفي في تحليله للوضع، إلى أن مرشحين آخرين من خارج تحالف (بينو بوك ياكار) الرئاسي، ولكنهم من داعمي الرئيس ماكي صال، استفادوا من خطأ تحالف الأغلبية، ونجحوا في “سرقة الأضواء” رغم أن أكثر التوقعات تفاؤلا لم تكن تتوقع لهم النصر.
يقول الكاتب السنغالي إن المدافعين عن فكرة تعدد الترشحات داخل تحالف الأغلبية الرئاسية، كانوا يعتقدون أن ذلك سيدفع المعارضة إلى “تشتيت جهودها”، ولكنهم لم يتوقعوا أن ينقلب السحر على الساحر، وأن يقدموا خدمة كبيرة للمعارضة.
رهان الرئاسيات
تعتبر المعارضة أن هذه الانتخابات مجرد استفتاء على شعبية الرئيس ماكي صال، وهو الوتر الذي لعبت المعارضة عليه، حين قدمت للناخبين السنغاليين خطابا مفاده أن فوز الأغلبية الرئاسية يعني ترشح ماكي صال لولاية رئاسية ثالثة في 2024.
عثمان سونكو نفسه، كرر مرارا في خرجاته أن “هذه الانتخابات البلدية والمحلية، عبارة عن استفتاء على شعبية الرئيس صال”.
ولكن الصحفي ماديمبي ديين يقول إن خطاب المعارضة خلال الحملة الانتخابية دليل على “عدم قدرتها على تقديم مشروع سياسي حقيقي، غير الرهان على إسقاط حكم ماكي صال”.
ويضيف أن المعارضة “ترتكب خطأ فادحا حين تعتبر أن هذه الانتخابات مجرد استفتاء على شعبية صال، إذ أنه لا مجال للمقارنة بين الانتخابات المحلية والانتخابات الرئاسية”، وفق تعبيره.
من جهة أخرى، يؤكد الكاتب أن النتائج الأولية في مجملها تظهر أن تحالف الأغلبية الرئاسية لم يخسر الانتخابات، بالفعل قد يكون خسر بلديات مهمة، ولكنه في المجمل حافظ على أغلب بلديات السنغال، واكتسح الريف بشكل تام.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب السنغالي إن المعارضة “فشلت” في المنافسة داخل الريف، بسبب عدم تمكنها من تقديم مشروع سياسي واجتماعي مقنع للناخبين هناك، وقادر على الصمود أمام ما سماه الكاتب “الإنجازات الكبيرة للحكومة في المناطق الريفية، حيث الجسور والطرق والبنى التحتية والمنشآت الصحية”.
عودة التكنوقراط
لم تكشف انتخابات 23 من يناير كامل أسرارها بعد، إلا أن فوز رجل أعمال بمنصب عمدة كولخ، يؤكد أن لبعض السنغاليين رأيا آخر في رجال السياسة ومرشحي تحالفاتها، وأن معادلة جديدة بدأت تُرسم في السنغال.
سيرين امبوب رجل أعمال يرأس غرفة التجارة في مدينة كولخ، رفض تحالف الأغلبية الرئاسية ترشيحه لمنصب العمدة في مدينة كولخ، وهي مدينة وازنة شعبيًا في السنغال، فقرر الترشح من خارج التحالف الرئاسي، رغم دعمه للرئيس ماكي صال.
وفي النهاية حقق الفوز على تحالف الأغلبية، مستفيدا من أخطاء الأخير في الترشيحات.
كما أن فوز هذا رجل الأعمال، يعيد إلى الواجهة في السنغال فئة السياسيين التكنوقراط، وهو ما يقول الصحفي السنغالي ماديمبي ديين إنه “درس آخر، مفاده أن على التحالفات والأحزاب السياسة ضخ دماء جديدة”.