منذ ظهور الأخبار عن اغتيال مواطنين موريتانيين في الجارة مالي، وما رافقه من شيطنة، اتسم موقف السلطات الوطنية بالهدوء المتجاوب مع الأحداث.
الهدوء المتمهل الذي يتخذ خطوات مدروسة وقوية تجسدت فيما يلي:
- التأكد من الخبر قبل التصرف من خلال الاتصالات والاستعلامات وإيفاد لجان محلية للمعاينة.
هذا التروي الذي حاول البعض ركوبه بتصويره على أنه تخاذل، وهو في الحقيقة تصرف دبلوماسي يحسب للنظام الموريتاني.
فالمشهد في المنطقة على درجة من الاحتقان والغليان تجعل أي تسرع أو رعونة من طرف بلادنا قد يؤدي إلى الزج بها في مستنقع الأزمة الحالية.
وهو ما تطمح إليه أطراف عديدة.
لأن بلادنا تمتلك حاليا موقفا قويا على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية يحسدها عليه كثيرون.
وحتما يسعى هؤلاء، من ضمن كثيرين، إلى جرها معهم إلى مستنقع الأزمة بجميع الطرق وشتى الوسائل، لأن بلادنا تعتبر حاليا أهم بوابة رئيسية لتموين السوق المالي، بعد غلق دول غرب أفريقيا حدودها معها.
وقد بدأت حكومتنا العمل على الاستفادة من هذا المتغير من خلال استثمار اتصالات مكثفة أجراها معها زعماء مالي الجدد.
استفادة موريتانيا من هذا الظرف ستنعش الاقتصاد الوطني، وتجعل موريتانيا إضافة لذلك تكسب الرأي العام المالي، وتزيد بالتالي من تحسن الوضعية القائمة خدمة للأمن المشترك والسكينة العامة.
- التفاعل الإيجابي مع الأحداث من خلال تبني موقف قوي يخاطب الشعب في بيان رئاسي سريع يضع ثوابت التعامل مع الأزمة.
وهو بيان يتناغم مع نبض الشارع، ويقطع الطريق على الراغبين في ركوب الموجة، وزرع فتيل الاحتقان في المناطق المحاذية لمكان الحادث.
ذلك الاحتقان الذي يمكن أن يتسبب في أزمة نحن في غنى عنها، خصوصا في الوقت الحالي الذي لاحت فيه فرصة ثمينة لاستثمار موقعنا الاستراتيجي بالنسبة لدولة مالي الصديقة.
إن صب الزيت على النار، وتبني المواقف العاطفية، ليس فقط مضر بمصالحنا، بل يمكن أن يحقق أهداف الجهات التي تقف خلف هذا الاعتداء الدنيء.
- الموقف الموريتاني المسؤول تجاه الجارة المنكوبة، والذي ذهب إلى أبعد درجات التأني، ليظهر للعالم عمق ونضج الدبلوماسية الموريتانية، الذي تعزز واتضح جليا حين قرر الرئيس الموريتاني بدل الاقتصار على المراسلات، ابتعاث وفد وزاري رفيع ذو طابع دبلوماسي وأمني، يقوده وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، وذلك للتباحث مع حكام باماكو الجدد عن قرب.
هذا الوفد مهمته الوقوف على مدى تجاوب السلطات هناك مع هذا الاعتداء الفظيع، ووضعها في صورة المطالب الموريتانية المتمثلة في كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة.
إن إيفاد هذا الوفد جاء من أجل غلق الطريق على أي جهة قد تستثمر هذا الحادث، لإيجاد شرخ بين البلدين في ظرف شهد تقاربا اقتصاديا لا يسعد الكثير من الدول في شبه المنطقة.
وذلك لأن مالي في أمس الحاجة حاليا إلى البوابة الموريتانية، بعد العقوبات التي فرضت عليها، وبالتالي لا مصلحة لها في افتعال أزمة مع موريتانيا.
بالمقابل موريتانيا بحاجة للسوق المالي، ولا مصلحة لها في خنق هذا البلد الهش، أكثر مما هو مخنوق بمشاكله الداخلية المزمنة.
لذلك أي عقوبات متخذة ضد هذا البلد، ستنعكس علينا سلبيا لا محالة، وعلى المنطقة بأكملها.
وانطلاقا من كل ذلك، من المهم العمل على حل سريع وهادئ لهذه الأزمة، وقطع الطريق على الأجندات المبيتة لضرب التقارب بين البلدين، والتكامل المرغوب بين دول المنطقة، وهو ما جعل بلادنا تتعامل مع هذه الأزمة بهذا الشكل الأكثر ميولا لروح الحكمة والتهدئة والسعي لتوطيد التقارب.
حفظ الله موريتانيا قيادة وشعبا ووقاها شر المتربصين بها.