بدلة رياضية بسيطة وقبعة سوداء، وملامح هادئة فيها وقار، هكذا بدا اللاعب الموريتاني السابق غيثي ولد عبد الحي، وهو يدخل ملعب شيخه ولد بيديه، مستعيدا ذكريات النجومية مع المنتخب الوطني لكرة القدم سبعينيات القرن الماضي.
يداعب الكرة ويستعرضُ بعض فنيات التحكم فيها، وإن كانت لياقته البدنية لم تعد تسمحُ له بالكثير من المرونة، وهو الذي تجاوز الستين من العمر، ولكنه ما يزال يحتفظ لهذه الرياضة بالكثير من الحب.
العودة للواجهة
منذ أن اعتزل لعب كرة القدم في تسعينيات القرن الماضي، بعد سنوات من النجومية سجل خلالها 43 هدفًا، انزوى “غيثي” إلى الظل وبقي بعيدا عن الأضواء، حتى تذكره الموريتانيون قبل أيام، حين أقصي منتخبهم من بطولة كأس أفريقيا للأمم المقامة في الكاميرون.
انتشرت صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واختلطت مشاعر الجيل الذي عاصره، فيما كان أغلب الموريتانيين الشباب لا يعلمون عنه الكثير، بل إن بعضهم لم يسمع أبدًا بهذا الاسم، فطرح السؤال: من هو غيثي هذا؟
غيثي ولد عبد الحي، لاعب كرة قدم ونجم المنتخب الموريتاني في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، واستمر في العطاء الكروي أربعة عشر عامًا، قبل أن يعتزل مطلع التسعينيات.
يذكر “غيثي” ماضيه الكروي بكثير من الفخر والاعتزاز، فهو هداف المرابطون التاريخي «رغم الظروف الصعبة والوسائل المحدودة» على حد قوله في حديث مع «صحراء ميديا»، قبل أن يقول معلقًا على تدفق ذكرياته: «إنه تاريخ بعيد.. بعيد جدا، يعود إلى سنة 1976».
يقول غيثي إن المنتخب الوطني لكرة القدم في تلك الحقبة «كان يتبع لحزب الشعب؛ الحزب الحاكم، وكانت تشكيلته تقوم على فريقين يختار لهما أقوى اللاعبين، فريق يشارك في كأس أمم أفريقيا والفريق الآخر يشارك في كأس أفريقيا للأبطال».
يقول إن الفريق كان يحقق نتائج لا بأس بها في هذه البطولات «رغم الظروف الصعبة»، مشيرا إلى أن الميزانية التي كانت تخصصها الحكومة للاتحادية لا تتجاوز مبلغ 300 ألف أوقية.
يستعيد غيثي تفاصيل المباريات، حين كانوا يلعب الفريق بقمصان مختلفة الألوان، وأحذية مرقعة بالجلود، يصنعونها لدى خياطي العاصمة، كما كانوا يسافرون على متن باصات نحو الدول الأفريقية بتشجيع مالي لا يتجاوز خمسة آلاف أوقية.
يعلق على هذه الظروف قائلًا: «كنا نلعب بالعزيمة فقط».
مواهب منسية
اليوم يتابع “غيثي” تطور كرة القدم الموريتانية، خاصة حين حققت التأهل مرتين متتاليتين لكأس أفريقيا للأمم، وهو ما علق عليه غيني قائلًا: «هذا إنجاز غير مسبوق»، ليستدرك مؤكدا أن هنالك «نواقص كبيرة على مستوى اللاعبين».
ويشرح وجهة نظره بالقول إن المدرب الحالي اعتمد بشكل مبالغ فيه على المحترفين في الأندية الدولية «وإقصاء المواهب المحلية المبدعة».
تابع غيثي مباريات المرابطون في البطولة المقامة في الكاميرون، وقال: «لست سعيدا بالهزيمة أبدا، لكني سعيد بوصولنا لهذه المرحلة».
ويحملُ غيثي مسؤولية الخسارة للمدرب، قائلًا إن «من المشاكل الدائمة التي يعاني منها الفريق، عدم وجود مدرب قادر على قراءة المباراة بصفة دقيقة، واستخلاص النتائج والخبرة من الماضي لتفادي الأخطاء لاحقا».
النجم الممنوع!
عن حياته اليوم يبدي غيثي الكثير من الرضا، يشوبه بعض العتب على المسؤولين في قطاع الرياضة الموريتانية.
يعيد سبب ابتعاده عن عالم كرة القدم إلى حفل رياضي في التسعينيات من القرن الماضي حين جاء للمشاركة، ثم منع من الدخول «عدت من ساعتي وذاك آخر عهدي بالرياضة».
يمتلك غيثي العديد من الشهادات الرياضية والميداليات والأوسمة الوطنية والدولية، ويحلمُ برئاسة الاتحادية الموريتانية لكرة القدم «لكن قانون الترشح في النظام الداخلي للاتحادية يمنع ذلك، ولا يسمح إلا لرؤساء الأندية بالترشح».
يعلق قائلًا: «عليهم مراجعة هذا الأمر».
نجومية خافتة
يتمتع غيثي بسمعة جيدة، ويحظى باحترام كبير في الوسط الكروي، كان ذلك واضحًا حين رافقناه نحو ملعب شيخا ولد بيديه وسط العاصمة، كان الجميع يبش في وجه قادم من تاريخ كروي سحيق.
«إنه لاعب كبير».. عبارة تكررت كثيرا على مسامع الرجل الهادئ.
يقطن غيثي في بيت متواضع في مقاطعة لكصر، يمارس حياة طبيعية بعيدا عن الأضواء، محتفظا بأرشيف من الصور تخلد تاريخه الكروي، وخواطر مبعثرة في تلافيف ذاكرة تأبى النسيان.