الدول العربية والإسلامية كانت ولا تزال أكبر مانح للسنغال
الفنان يوسف اندور لن يكون إلا في صف الرئيس عبد الله واد
في لقاء صريح وشامل مع (صحراء ميديا) أكد الوزير المستشار ممادو بمبا انجاي، الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السنغالية أن “موضوع إجلاء القوات الفرنسية من السنغال كان بقرار سيادي من السنغال، وليس حدثا عابرا، أو قرارا من ساركوزي” مضيفا إن “التوجه السيادي للسنغال هو أن لا يقبل بقواعد أجنبية على أرضه” كما تحدث معالي الوزير – بمناسبة احتفال بلاده بالذكرى الخمسين للاستقلال- عن دعم الحكومات والشعوب العربية للسنغال مادياً ومعنويا “من دون من أو أذى ” قائلا “إنه وبفضلهم تمكنا من ترسيخ الاستقلال عن القوى التي كانت مهيمنة في السابق” ونفى الوزير مزاعم المعارضة بانسداد سياسي في بلده، معتبرا أن الوضع في إقليم (كازامانص) في طريقه لتسوية سلمية ونهائية ..وهذا نص اللقاء:
صحراء ميديا: معالي الوزير، تحضرون للاحتفال بنصف قرن من إعلان الاستقلال عن فرنسا ..هل السنغال اليوم بلد مستقل بمعنى الكلمة؟
ممادو بمبا انجاي: بداية لا يسعني إلا أن أهنأ الشعب السنغالي العظيم باسم رئيس الجمهورية ومن هذا المنبر العربي، بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال الذي يُجدد في نفوسنا تاريخا ونصرا صنعه رجالات السنغال الشُرفاء . رجال كانوا وراء استقلال بلادنا من الاستعمار، وللرد على سؤالكم المثير، أقول إن مفهومنا للاستقلال، لا يعني بالضرورة خلو السنغال من المستعمر الذي حدث قبل نصف قرن، نحن لا نخلد هذا اليوم فحسب، بل نخلده، ونخلد قُدرة أبناء الشعب السنغالي المُستقل، على صنع قراراتهم على أرض الواقع، بمجتمع تتطور وتتحقق فيه أسس القانون و العدالة والمساواة، نخلد أيضا مسيرة طويلة وشاقة من الحرب ضد التخلف للحاق بركب العالم ، حتى نستطيع القول إن السنغال دولة مستقلة وذات سيادة، وبلادنا اليوم تتصف بجميع المعايير التي يجب أن تتوافر بكل دولة مستقلة..المواطن نفسه يحس هذا الاستقلال، ويحس بانتمائه للوطن، والمواطنة كما تعلم مشروطة بالحرية، فحيثما كان الإنسان حُرا، يصبح مواطنا ، وحيثما يصبح مُستعبدا مُقيدا ، بأي أنواع القيود ، سياسية ، قانونية ، اجتماعية ، او اقتصادية ، يصبح بِكُل بساطة ، غير مُستقِل ..وإذا كنتم تعنون بالسؤال (هل السنغال بلد مستقل) مدى الاستقلال الاقتصادي فإن الأمثلة شاهدة على ما حققناه من نمو ومن مدنية، ومن اكتفاء ذاتي في مجال الحبوب بفضل الطفرة الاقتصادية والحملة الزراعية التي شهدتها السنغال في السنوات الأخيرة..ورغم طغيان العولمة وارتباط المصالح الاقتصادية للدول والمجموعات، إلا أنني أأكد لكم – والواقع شاهد – على أن السنغال بلد مستقل، ومتمدن، وفاعل في المنظومة الدولية، ومستقبله واعد.
صحراء ميديا: السيد الوزير، فرنسا – المستعمر السابق للسنغال- تستعد لإغلاق قاعدتها العسكرية في السنغال، وهي إحدى أهم القواعد الثلاث الدائمة لفرنسا في إفريقيا، هل هذه الرغبة مشتركة بين الجانبين، أم قرار فرنسي بحت، ولأسباب معينة؟
ممادو بمبا انجاي: سيدي هذه مغالطات، نحن من ألح على الفرنسيين ليسحبوا قاعدتهم، والرئيس عبد الله واد شخصيا طلب هذا الأمر مرارا وتكرارا، وعليه فإن موضوع إجلاء القوات الفرنسية من السنغال كان بقرار سيادي من السنغال، وليس حدثا عابرا، أو قرارا من ساركوزي، والتوجه السيادي للسنغال هو أن لا يقبل بقواعد أجنبية على أرضنا، ولا يعني هذا أي خلاف مع الحكومة الفرنسية، لأن القرار الوطني جاء ضمن مفاوضات صريحة إقناعنا فيها الطرف الآخر بصحة مواقفنا، نحن لسنا في حاجة – ونحن نخلد نصف قرن من عمر دولتنا – إلى قاعدة عسكرية أجنبية على أرضنا، ولكن لا زلنا في حاجة إلى التعاون مع فرنسا في مجالات عسكرية أخرى من قبيل التكوين والاستشارة، وفي حالات الكوارث والطوارئ، وقرارنا لا يفسد للود قضية بين بلدينا، لكنه – وأكررها – قرار سيادي تمليه المرحلة التي حققتها بلادنا على درب الاستقلال.
صحراء ميديا:هل يمكن القول إن عهد ما كان البعض يصفه بـ”التبعية العمياء” لفرنسا قد ولى، وأن فلك سياسة السنغال أخذ منعطفا آخر صوب العرب والمسلمين؟
ممادو بمبا انجاي: هو كذالك بالفعل، على الأقل منذ وصول الرئيس عبد الله واد للسلطة قبل عشر سنوات، كنا فعلا مرتهنين لفرنسا، وكانت متحكمة في مفاصل الاقتصاد، إن لم أقل مفاصل الدولة، ومع مجيء الأستاذ عبد الله واد عادت البلاد إلى حظيرتها وعمقها الإسلامي وعلاقاتها الحميمة مع الأخوة العرب، وكانت النتيجة جد مشجعة، فمن ناحية حققنا انسجاما مع الذات، ووصلنا ما كان قد قطع من عرى الود والصداقة مع إخواننا، ومن ناحية ثانية لم يخيب هؤلاء الإخوان ظننا بهم.
صحراء ميديا: ماذا تعنون بكون هؤلاء الإخوان لم يخيبوا ظنكم بهم؟
ممادو بمبا انجاي: اعني أن الدول العربية والإسلامية كانت ولا تزال أكبر مانح للمساعدات للسنغال، والسنغال ممتن للدعم المالي الكبير لهؤلاء الأشقاء الذين أعطوا دفعا للتلاحم الإسلامي، وأزاح اللثام عن الوجه الناصع للإخاء بين الأفارقة والعرب عن طريق بوابة السنغال، ولا ننسى دعمهم لنا في إقامة مؤتمرين للقمة الإسلامية في دكار، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها بلد إفريقي على هذا التشريف الكبير، وبفضل أياديهم البيضاء لم يقتصر الدعم على البنية التحتية (طرق، موانئ، مدارس، زراعة) بل تجاوز ذالك إلى العون الإنساني والإغاثة الدائمة..نشكرهم جميعا، من سعوديين وإماراتيين، وكويتيين، ومغاربة، ونقدر عاليا مواقف قياداتهم وحكوماتهم وشعوبهم الداعمة للسنغال مادياً ومعنويا – من دون من أو أذى – وبفضلهم تمكنا من ترسيخ الاستقلال عن القوى التي كانت مهيمنة في السابق.
صحراء ميديا: يتزامن الاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال مع واقع سياسي تصفه المعارضة بحالة انسداد، مطالبة بالحوار، في الوقت الذي تتجدد فيه أعمال العنف في إقليم كازاماس..هل تتناسب هذه المعطيات مع روح الذكرى الخمسين للاستقلال الوطني، ومرور عقد من الزمن على حكم الرئيس عبد الله واد؟
ممادو بمبا انجاي: الواقع يفند مزاعم المعارضة، فلا يعيش السنغال انسدادا سياسيا، لأن الرئيس واد ببساطة وصل إلى السلطة قادما من معارضة طويلة، وقال بالحرف الواحد إنه لا يمكن أن يحكم البلاد وحده ولا يرغب في ذالك، وتتذكر أن كل قوى المعارضة كانت مشركة في أول حكومة بعد وصوله الي سدة الحكم، صحيح أن تطورات وتحالفات جديدة، أخرجت المعارضة من السلطة، وهذا وضعها طبيعي والديمقراطي، بل المقياس الحقيقي للديمقراطية هو أن تكون هناك أغلبية تحكم ومعارضة تنتقد ما لا يروق لها من سياسة حكومة الأغلبية، ومن العادي عدم إشراك معارضة – خسرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة – في حكومة هي من حق أغلبية الرئيس الفائز بالاقتراع العام، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالحوار قائم ولم ينقطع عبر الآليات العادية الديمقراطية كالبرلمان بغرفتيه، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجالس المحلية وحتى في وسائل الإعلام الحرة في البلد ، أضف إلى ذالك أن الرئيس واد ظل دائما يقيم هذا الحوار مع زعامات معارضة، وهو في طريقه إلي التوسيع، وفق دعوة خليفة التيجانية في تيواوون بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، والرئيس يتبنى الحوار، لكن أن نطلق الأوصاف بالانسداد وبالاختناق تارة على مسارنا الديمقراطي، لأن شخصا او حزبا سياسيا لم يشرك في القرار فهذا غير منصف، ولا يكمن أن نبني عليه تقييما موضوعيا للوضع السياسي في البلاد.
وعن الوضع في كازامانس والذي تعود جذوره إلى 1982، فتعرفون جميعا أنه تركة ثقيلة ورثناها عن الأنظمة الاشتراكية، وكنا سباقين في إخماد نيرانها بحكمة، عن طريق اتفاق ملزم وقعه الرئيس واد مع الزعيم الأب جمانكون سينغور عام 2004 والمشكلة الآن هي خلافات الحركة نفسها، ومع أن الموضوع حساس، وسيادي إلا أني اطمئن السنغاليين من خلال صفحاتكم على أن السلام سيعم الإقليم قريبا، وبطريقة سلمية، تعتمد الحوار والمفاوضات، على طريقة الرئيس واد التي أثبتت نجاعتها محليا وخارجيا.
صحراء ميديا: السيد الوزير، قبل نهاية هذا اللقاء، نود منكم تعليقا على مساعي الفنان السنغالي الكبير يوسف اندور لدخول المعترك السياسي، هل يخيفكم دعمه للمعارضة باعتبار أن له مشاكل مع نجل الرئيس عبد الله واد؟.
ممادو بمبا انجاي(يضحك) أولا من حق أي مواطن سيغالي دخول المعترك السياسي، وثانيا يوسف اندور فنان له حضور متميز في مجال الموسيقى العالمية، وليس لديه أي خلاف مع رئيس الجمهورية، لأنه لا مجال للخلاف بين الرئيس وأحد مواطنيه، أحرى إن كان هذا المواطن فنانا مرموقا مثل يوسف اندور، وثانيا وللتدليل على ما أقول فقد حضرت استقبال الرئيس له قبل حوالي عشرة أيام، في القصر الرئاسي، وكان لقاء أب حنون مع ابن بار، وثالثا – ولكي لا أطيل عليكم – فالفنان هو بالدرجة الأولى فنان، وليس رجل سياسة، ثم إنه لن يكون أخطر سياسيا من كبار ساسة المعارضة السنغالية في (بنوو) مثلا، والذين هزمهم تحالف الرئيس واد في الانتخابات الرئاسية الماضية، وأخيرا أجزم لكم أن أي مسعى سياسيا للفنان الكبير يوسف اندور لن يكون إلا في إطار دعم الرئيس واد في رئاسيات 2012 أقولها من منظور الخبير بالفنان وبعلاقته بالسيد الرئيس.