اعتقلت الشرطة الموريتانية، يوم الاثنين الماضي، تاجرًا بحوزته 357 كيلوغرامًا من الحشيش، في مخزن يقع وسط العاصمة نواكشوط، وقاد التحقيق معه إلى مخزن آخر به 750 كيلوغرامًا من الحشيش، فما قصة هذا الرجل الغامض الذي يعده الأمن أكبر تاجر حشيش في البلاد.
قال مصدر أمني لـ «صحراء ميديا» إن الرجل يدعى (م. م. م. ا.)، من مواليد 1988 في مقاطعة بوتلميت، وصفه المصدر بأنه «مهرب وتاجر مخدرات، ومسؤول عن تخزين أكثر من 1100 كيلوغرام من الحشيش عثر عليها حتى الآن».
المصدر الذي فضَّل حجب هويته، قال إن المتهم «ينشط في عصابة أغلبها أجانب يحملون جنسية دولة مالي، أغلبهم في مالي واثنان داخل السجون الموريتانية، بينما يتعقب الأمن الموريتاني بعض أفراد العصابة في نواكشوط والحوض الغربي».
الاختباء في الضوء
في شارع ضيق بحي «مدينة R»، وسط العاصمة نواكشوط، غير بعيد من العيادة المجمعة (Polyclinique)، يوجد مخزنٌ صغير له بابان مغلقان بأقفال تابعة لشرطة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، لقد أصبح المخزن مسرحًا لجريمة وجزء من تحقيق في قضية مخدرات، وهو الذي لم يلفت انتباه سكان واحد من أقدم أحياء العاصمة.
«صحراء ميديا» زارت المحل الواقع على ناصية شارع صغير، يحاذيه مطعم شعبي متواضع، ومحل حلاقة لا يحمل أي اسم، وفي الركن مطعم شعبي آخر يحمل اسم «الهدى والتوفيق»، كل هذه المحلات غائبة وسط الضوضاء، يحجبها الضوء والوضوح، والناس هنا في عجلة من أمرهم.
إنه حيُّ صاخب، أفضل مكان للضياع، ففي نفس الشارع، وعلى بعد عشرات الأمتار، يجلس مشعوذون ودجالون، يستقبلون زبناء يبحثون عن أمانيهم تحت أكوام القمامة المنصوبة على شكل خيام، تقيهم الشمسَ وتسترهم عن العيون، وهم يبيعون الأوهام وخيوط الدخان.
من نفس الحي تخرجُ أغلب المواد الغذائية نحو الأسواق الداخلية، وفيه توجد محلات كبار التجار والباعة المتوسطين، وفيه يموج آلاف الهواة يبحثون عن موطئ قدم في سوق مزدحم، ومن شوارعه القذرة تقسم أرزاق الناس وأرباحهم، والكثير من الخسارات والخيبات.
بائع البهارات
في نفس الحي ظل تاجر مغمور يبيع الحشيش، تحت جنح الظلام، دون أن يلفت انتباه أحد، يقول أحد سكان الحي: «صاحب المحل عرفناه طيلة السنوات الماضية يبيع البهارات، وبعض حبوب الذرة والمكسرات، ولم نتوقع يومًا أنه يمارس أنشطة مشبوهة».
تضيف سيدة من أهل الحي: «كان أول من يصل فيفتح محله في وقت باكر جدًا، قبل أن يصل عاملان يساعدانه في البيع ونقل البضائع، ويبقى في محله بعد صلاة المغرب»، نافية أن تكون قد لاحظت أي شيء مشبوه في سلوكه.
لا يحب السكان الحديث عن المتهم، لا عن هويته أو شكله أو طبيعة علاقتهم به، يقول أحدهم بعد أن علم بتوقيفه من طرف الشرطة: «أتذكر أنني ذات ليلة عدت إلى الحي لقضاء غرض طارئ، فوجدته في محله وحركة غير طبيعية في المكان».
هذا النشاط الليلي كان يصاحبه ركود في النهار، فيقول الجيران إنه كان في بعض الأيام يستقبل شاحنات، ولكنها حين تتوقف أمام محله تحجب ما يجري في الداخل، ولو أن إفراغ الشاحنات في الحي أمر عادي جدا.
اختراق العصابة
يوم الاثنين الماضي أعلنت الشرطة أن «المكتب المركزي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية» نجح في اعتقال التاجر وبحوزته 357 كيلوغراما من الحشيش مخزنة في محله، واصفًا العملية بأنها ثمرة «متابعة أمنية دقيقة».
ولكن وكيل الجمهورية بنواكشوط الغربية القاضي أحمد عبد الله المصطفى، وصف توقيف التاجر بأنه «ثمرة عملية اختراق نوعية، مكنت من اختراق العصابة التي كانت تقف وراء العملية، والإحاطة بجميع جوانبها قبل السيطرة على الكمية المذكورة وتحييدها».
وأضاف الوكيل في نقطة صحفية عقدها اليوم الجمعة، بمقر المكتب المركزي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، أن «عملية الاختراق بدأت منذ رمضان الماضي، حيث تم توقيف عنصر من العصابة المنظمة تنظيما جيدا، بعد الحصول على معلومات عن إدخال شحنة من المخدرات إلى البلاد».
وكشف الوكيل أن العصابة أدخلت 1100 كيلوغرام من الحشيش على شكل شحنتين من الذرة الصفاء، مشيرًا إلى أن الأمن استمر في تتبع الشحنة «لمعرفة الطريق التي سلكتها (..) وبعد تحريات طويلة، ومعقدة في بعض الأحيان، واختراق مركز، تم توقيف الشخص المسؤول عن التخزين في هذه العصابة».
وأكد وكيل الجمهورية أن 1100 كيلوغرام من الحشيش التي ضبطت بحوزة التاجر، هي نفسها الشحنة التي يتم تعقبها منذ رمضان الماضي، مشيرًا إلى أن «العصابة الإجرامية التي كانت تدير هذه العملية، لما لاحظت يقظة أجهزة الأمن الوطنية، جمدت عملية التوزيع، في انتظار وجود الفرصة، حتى تمت السيطرة عليها مؤخرا».
من جانبه قال المفتش الرئيس الحسن مصطفى صمبه، المفوض المكلف برئاسة المكتب المركزي لمكافحة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي، إن تفكيك العصابة كان «نتيجة عمل أمني جبار ودقيق ومحكم، مكن في نهاية المطاف، ولله الحمد، من الإحاطة بجميع جوانب العملية».
وأضاف أن «الشرطة الوطنية قامت وبطريقة مهنية باختراق هذه العصابة».
وخلص إلى أن العملية جرت بمتابعة من المدير العام للأمن الوطني الفريق مسغارو ولد سيدي، مؤكدا أن «الشرطة الوطنية ستظل في خدمة الوطن والمواطن، وتقف في وجه كل ما من شأنه يؤثر في حياته»، وفق تعبيره.