إن مفهوم تقويم نصف المسار من المنظور الاقتصادي يعني إحكام التخطيط الجيد وإحداث التغيرات المطلوبة من تنمية وتطوير المشاريع التنموية وزيادة فاعليتها.
وكما هو معلوم، فإن التخطيط لمتابعة أنشطة المشاريع له أهميته من حيث ضمان سير الأنشطة في الإطار المحدد لها دون انحراف من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
إن إتمام إجراء عملية المتابعة يتطلب وجود نظام جيد لجمع المعلومات والبيانات الصحيحة عن أنشطة المشاريع ووصولها في التوقيت المناسب من أجل اتخاذ القرارات الصائبة من مختلف المستويات الإدارية للمنظومة المسؤولة عن التنفيذ للمساعدة في حل المشكلات التي تعترض مسار تنفيذ أنشطة تلك المشاريع بالسرعة والمعدلات المطلوبة.
اليوم بعد انقضاء ما يقارب نصف مسار العهدة الانتخابية لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني التي تفصلنا عنها أشهر قليلة، فإنه من واجبنا كداعمين للرئيس ومشروعه المجتمعي، أن نشيد بما تم تحقيقه من إنجازات ومن تصحيح للاختلالات خلال هذه المرحلة الأولي من المسار وفي نفس الوقت إبداء رأينا حول القضايا الحساسة التي ينبغي التركيز عليها خلال المرحلة الثانية من هذا المسار.
– فعلي صعيد الإنجازات: فقد قطعت خطوات كبيرة وبذلت جهود معتبرة طالت جميع مناحي الحياة بدءً بإرساء مناخ التهدئة السياسية عبر التشاور البناء مع كل الطيف السياسي حول مختلف القضايا التي تعيق تنمية البلاد بغية إيجاد الحلول المناسبة لها. مرورًا بالتركيز على ترسيخ اللحمة الاجتماعية من خلال إعطاء مزيد من العناية للفئات الهشة في الوسطين الحضري والريفي وإدراج ذلك ضمن أولويات تعهدات الرئيس في المجال التنموي والحرص على إضفاء الشفافية في الحياة العمومية وتمثيل كل الفئات الاجتماعية في دوائر صنع القرار السياسي وهو ما تم العمل به واكتمل بصفة شمولية.
وفي مجال الحكامة الجيدة، فقد أصبح من الواضح بالنسبة لجل الموريتانيين أن فصل السلطات خيار استيراتيجي لا رجعة فيه بالنسبة للرئيس، وأولوية يقتضيها قيام دولة العدل والإنصاف والقانون التي أرسى سيادته دعائمها منذ توليه دفة الحكم في البلاد.
وعلى الرغم من تفشي جائحة كورونا خلال السنة الأولى من المأمورية والتي ألقت بظلالها على المشهد عمومًا، وأعاقت إلى حد كبير تنفيذ العديد من البرامج الحكومية، فقد تم إحراز نجاحات مهمة في إطار مراجعة المنظومة التربوية الوطنية ووضع الآليات المؤسسية لمباشرة إصلاح نظامنا التعليمي، وجعله يستجيب لتطلعات شعبنا.
كما تم تحقيق نتائج مهمة في مجال التعليم العالي على مستوى الحكامة وتعزيز قدرات القطاع وترقية البحث العلمي وضمان الجودة.
كما تم التركيز كذلك في إطار الإنفاق الحكومي على تخصيص الإمكانات الكفيلة بترقية القطاع الزراعي وإعادة الاعتبار لتثمين الثروة الحيوانية عبر إستصلاح آلاف الهكتارات من المزارع الجديدة وتشييد عشرات السدود ودعم المزارعين وتشجيع إقامة مصانع خاصة بالمنتجات الحيوانية في إطار سياسة جديدة تهدف إلى تحسين الظروف الحياتية للمواطنين ومحاربة الفقر وزيادة الناتج الداخلي الخام..
كما منحت الأولوية في البرنامج الحكومي لدعم قدرات وجاهزية القطاع الصحي والرفع من نوعية خدماته.. ولتحقيق هذا الهدف فقد أنشأت الحكومة صندوقا خاصًا بالتصدي لجائحة كورونا والتخفيف من أثارها السلبية رصدت له عشرات المليارات من الأوقية.
ويأتي برنامج التكفل بتأمين العلاج لفائدة مائة ألف عائلة موريتانية من ذوي الدخل المحدود الذي أعطى فخامة رئيس الجمهورية إشارة إنطلاقه مؤخرا، وهو الأول من نوعه لدعم الجهود المبذولة لترقية هذا القطاع الحيوي.
كما شمل الاهتمام مجالات أخرى لا تقل أهمية مثل إطلاق برنامج لتشغيل الشباب وتقريب الخدمة العمومية من المواطنين وتفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية، وتحسين صورة البلاد الخارجية خصوصًا في محيطها العربي والإفريقي والدولي، وتعزيز مشاركتها في المنظمات الإقليمية والدولية بصفة فاعلة.
وفي نفس السياق، فقد تم تثمين منظومتنا القيمية والتأكيد على بعدها الحضاري والإسلامي كعامل وحدوي لجميع مكونات شعبنا وترقية تراثنا الثقافي الغني والمتنوع.
وقد حظي قطاع الوظيفة العمومية بنصيب وافر من الاهتمام وذلك من خلال مراجعة السن الوظيفي وعصرنة الإدارة العمومية لتستجيب لمتطلبات المرحلة وزيادة معتبرة لأول مرة في الراتب بالنسبة للمتقاعدين.
وفي مجال البنية التحتية، فإن جائحة كوفيد-١٩ وتأثيراتها السلبية لم تمنع الحكومة من مواصلة الجهود في تشييد الطرق والمنشآت العمومية وفك العزلة عن مناطق عديدة داخل البلاد.
وفي هذا الإطار، فإن إشراف رئيس الجمهورية شخصيًا، يوم الخميس الماضي الموافق 03 يونيو 2021 م، على وضع الحجر الأساس لبناء جسرين كبيرين لتخفيف حركة السير وانسيابيتها داخل العاصمة يؤكد مرة أخرى إصرار القيادة الوطنية على المضي قدمًا لتحقيق نتائج ملموسة ومعتبرة في هذا القطاع الحيوي والاستيراتيجي.
وبالرغم من أهمية هذه الإنجازات بالنظر إلى سياق الظرفية الزمنية التي تمت فيها، فإنه لا تزال هناك تحديات جسيمة ينبغي التركيز عليها في قادم الأيام نجملها فيما يلي:
– توفير أكبر قدر ممكن من وظائف الشغل على غرار مشروع التكفل بالضمان الصحي للأسر محدودية الدخل المشار إليه سلفا، وذلك من أجل الحد من البطالة في أوساط الشباب وخاصة حملة الشهادات منهم.
– الإسراع بتشييد المراكز والمعاهد الفنية والمهنية التي تمكن من الولوج إلى سوق العمل وضمان الاستفادة القصوى من عائدات الثروة النفطية والغازية المرتقبة.
– تشييد مزيد من المنشآت والنقاط الصحية لكي تشمل التغطية الصحية كامل التراب الوطني وفرض نظام رقابة صارمة على استيراد الأدوية والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه
التلاعب بالصحة العمومية.
– إنجاز خريطة استعجالية هيدرولوجية وتكثيف البحوث في هذا المجال، من أجل حل مشاكل العطش الذي يعاني منه سكان بعض عواصم الولايات والأرياف، والذي يشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية المحلية.
– زيادة القدرة الاستيعابية للتعليم العالي بواسطة إنشاء جامعات ومعاهد ومدارس مهنية جديدة تمكن من استيعاب الزيادة الكبيرة في أعداد الحاصلين على شهادة الباكالوريا.
– تخصيص مزيد من الدعم للزراعات المروية وزراعة الأرز والخضروات على وجه الخصوص وتفعيل شعبة البذور لتقوم بدورها المطلوب وزيادة المساحات المستصلحة بشكل معقلن وتسوية مشكلة الماكينات الزراعية بإستيراد العدد الكافي، بالتعاون مع القطاع الخاص، لتلبية حاجات المزارعين، وإقامة ورشات للصيانة والتصليح تمكن من خدمة ما بعد اقتناء هذه المعدات. وهي كلها أمور جوهرية لتمكين البلاد من ضمان أمنها الغذائي، الذي هو شرط لا غني عنه لتحقيق استقلالها الاقتصادي وحرية قرارها السياسي.
ولتسريع وتيرة إنجاز هذه المشاريع التي تدخل في المجمل ضمن برنامج «تعهداتي» فإنه يتعين على الحكومة انتقاء الكفاءات الفنية العالية التي تتمتع بالخبرة في مجالات تصور وإعداد وتنفيذ ومتابعة المشاريع التنموية لكي يتمكن برنامج الإقلاع الاقتصادي الذي أطلقه رئيس الجمهورية منذ السنة الماضية من تحقيق أهدافه.
والخلاصة أنه من أجل المضي قدمًا في طريق الإصلاح والبناء فإنه من الواجب أن تتضافر كل الجهود الخيرة من أبناء هذا الشعب ونخبه الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية وأصحاب الرأي فيه للوقوف وقفة رجل واحد خلف رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل وضع قطيعة نهائية مع الفساد والاستبداد والغبن والتهميش والإقصاء والزبونية وعدم احترام القانون وحقوق الإنسان.
فهل من مدكر ؟ حتي لا تضيع علينا هذه الفرصة الأخيرة، كما ضاعت فرص عديدة من عمر دولتنا الفتية.