لم يكن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز هو أول رئيس يخضع للإقامة الجبرية، فالتاريخ السياسي الحديث للبلد مليء بالانقلابات العسكرية التي أودت بالرؤساء إما إلى السجن أو الإقامة الجبرية.
ولد عبد العزيز الذي وضع اليوم الثلاثاء رهن الإقامة الجبرية في بيته بنواكشوط، في إطار التحقيق حول تهم فساد وغسيل أموال وجهتها له النيابة العامة مارس الماضي، ويبحث فيها قطب التحقيق المعني بمكافحة الفساد في محكمة نواكشوط الغربية.
ولد عبد العزيز يعد ثاني رئيس يخضع للإقامة الجبرية، بعد الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي حكم البلاد من 2007 وحتى 2008 حين أطاح به انقلاب عسكري.. قاده ولد عبد العزيز !
بعد الانقلاب الذي وقع في شهر أغسطس من 2008، خضع ولد الشيخ عبد الله للإقامة الجبرية في شقة سكنية بقصر المؤتمرات، بقي فيها حتى منتصف شهر نوفمبر، حين قبل قادة الانقلاب نقله إلى مسقط رأسه في قرية «لمدن»، حيث خضع للإقامة الجبرية لأربعين يومًا، كان يتمتع فيها بحرية استقبال من يريد، ولكنه ممنوع من التحرك.
خرج ولد الشيخ عبد الله من الإقامة الجبرية نهاية دجمبر 2008، نتيجة ضغط المعارضة ممثلة في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، في إطار تهيئة المناخ «للقاءات تشاورية» اقترحها الجنرال محمد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى للدولة آنذاك.
وإن كان الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله هو أول رئيس مدني منتخب للبلاد، إلا أنه أيضًا كان أول رئيس يخضع للإقامة الجبرية، رغم أن الانقلابات العسكرية قادت العديد من الرؤساء إلى السجن والمنفى، في تاريخ سياسي متقلب ومضطرب.
الراحل المختار ولد داداه، أبُ الأمة ومؤسس الدولة الوطنية الحديثة في موريتانيا عام 1960، أطيح به في انقلاب عسكري عام 1978، واقتاده الانقلابيون في البداية إلى «الهندسة العسكرية»، قبل أن ينقلوه إلى مدينة «ولاته» في أقصى الشرق الموريتاني.
خضع ولد داداه للسجن 14 شهرًا في سجن «قلعة ولاته» المشهور، والذي سيتحول فيما بعد إلى محطة للعديد من السياسيين والمناضلين والمثقفين، الذين سجنوا بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، خلال حكم الرئيسين محمد خونه ولد هيدالة (1981 – 1984) ومعاوية ولد سيد أحمد الطايع (1984 – 2005).
خرج المختار ولد داداه من سجن ولاته في الثالث من شهر أكتوبر 1979، ونقل إلى فرنسا لتلقي العلاج، قبل أن يوافيه الأجل المحتوم سنة 2003، ودفن في مدينة بوتلميت، جنوب غربي موريتانيا.
لم تكن الإقامة الجبرية والسجن حكرًا على المدنيين الوحيدين الذين حكما البلاد، وإنما خضع لها أيضًا الحكام العسكريون، وكان الراحل المصطفى ولد محمد السالك، الذي قاد الانقلاب على ولد داداه عام 1978، وأول رئيس عسكري يحكم موريتانيا، على موعد مع السجن سنة 1981.
رغم أنه استقال من رئاسة البلاد بعد أشهر معدودة، إلا أن ذلك لم يمنع سجن ولد محمد السالك لثلاث سنوات (1981 – 1984)، وهي سنوات حكم محمد خونه ولد هيداله الذي امتاز بقبضته الحديدية ونظامه الأمني والبوليسي.
ولكن ولد هيداله لم يكن هو الآخر بمنأى عن السجن، بعد الإطاحة به يوم 12 دجمبر 1984 على يد قائد أركان الجيوش معاوية ولد سيد أحمد الطايع.
ولد هيداله الذي أبلغ بالانقلاب وهو في العاصمة البوروندية بوجمبورا لحضور القمة الأفريقية، لم يقيم الموقف بشكل سليم، فتوجه إلى نواكشوط ليخضع للاعتقال ونقل إلى سجن «كيهيدي» في الجنوب، فبقي فيه لأربع سنوات، أي حتى 28 نفمبر 1988.
أما ولد الطايع فكان قادرًا على تقييم الموقف بشكل سليم، حين أبلغ بانقلاب ضباطه ضده وهو في الطريق عائدًا من المشاركة في تشييع جثمان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، سنة 2005، فاختار المنفى في دولة قطر.
الفرق بين ما يتعرض له ولد عبد العزيز، وما تعرض له أسلافه من الرؤساء، هو أنهم سجنوا أو قيدت حرياتهم بعد انقلابات عسكرية عطلت العمل بالدستور والقوانين، وفي أوضاع كانت استثنائية.
أما ولد عبد العزيز فلم تتم الإطاحة به في انقلاب عسكري، وإنما يواجه تهم فساد وغسيل أموال، وقرار وضعه رهن الإقامة الجبرية صدر من «قصر العدل».