راسين ديا، شاب موريتاني أسمر، نحيف الجسم، له جديلة جمعها إلى الوراء، نشط الحركة ومفعم بالحماس.. جمع في بيت وسط العاصمة نواكشوط أطفالًا أنقذهم من الشارع، حلمه أن يوفر لهم حياة كريمة بعد أن تخلى عنهم ذووهم، ويرى في كل واحد منهم قصة شبيهة بقصته، حين التقطته أسرة من الشارع ورعته حتى بلغ أشده.
«رموني وأنا رضيع، ولحسن حظي، ساقت لي الأقدار أسرة طيبة آوتني وربتني كما لم تربِّ أبناءها الحقيقين، لأنني لم أشعر يوما بفقد الأبوين»، هكذا تحدث معنا راسين، وهو يحمل على كتفه الأيسر رضيعة عثر عليها في كيس قمامة، رميت فيه تحت ظلمة الفجر قبل سنتين.
يضيف راسين أنه لا يخشى على مستقبل هؤلاء الأطفال، فخيرون كثر أبدوا استعدادهم لكفالة ضحايا ظاهرة «التخلي عن الأطفال»، وبدأت جمعيته توفر لهم جميع ما يحتاجونه.
أسس راسين جمعية «مكافحة التخلي عن الأطفال»، ضم فيها مجموعة أطفال عُثر عليهم مرميين في القمامة أو قرب الأسواق، ويستفيد من مساعدة مربيات في حضانة الأطفال، كما يتلقى المساندة والدعم من الأفراد باستمرار.
ورغم الدعم الكبير الذي يحظى به نشاط راسين، إلا أن مستقبل هؤلاء الأطفال، يشكل هاجسًا كبيرًا لدى راسين والعديد من العاملين في مجال رعاية الأطفال المتخلى عنهم، فالقوانين الموريتانية ما تزال ناقصة تجاه هذه الظاهرة، والمجهول ينتظرهم حين يكبرون.
الباحث الاجتماعي عبد الله ولد الزين، يعتقد أن ظاهرة التخلي عن الأطفال تكتسي في موريتانيا «طابعا معقدا ومتشابكا، اجتمعت فيه القضايا الاجتماعية بالإشكاليات القانونية».
ويضيف ولد الزين أن «هولاء الأطفال يعانون من ازدواجية التخلي، ففي بعض الدول المجاورة، تتمسك الأم العازبة بالطفل وتدافع عنه حتى يحصل على أوراقه، وفي موريتانيا فالأطفال متخلى عنهم من الطرفين».
يقترح الباحث الاجتماعي أن «تسن ترسانة قانونية، تجرم التخلي منذ البداية، وتحفظ لهولاء الأطفال حقوقهم بعد حصول الجرم، وعلى الدولة تحمل مسؤوليتها تجاه هذه الظاهرة».
حين زرنا وزارة الشؤون الاجتماعية أكدت لنا أن الدولة مهمتها «الحفظ والرعاية»، وأوضحت لاله بنت اعلي رئيسة مصلحة الأطفال فاقدي السند العائلي أنه حين يعثر على طفل متخلى عنه، تقوم الجهة التي وقفت عليه بتسليمه إلى الشرطة والتي بدورها تسلمه لـ «مركز الدمج» التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية.
وتضيف بنت اعلي أن الدولة أحصت منذ 2003 حتى الآن ما يزيد على 500 طفل متخلى عنهم، وعدد كبير منهم عثر على أسر كفيلة لهم.
وقالت بنت اعلي إن «الحكومة لا تمنح الأوراق الثبوتية إلا للطفل الذي قبلت أسرة أن تكون كفيلة له»، وأوضحت أن الطفل حين يعثر عليه لا يمكن إصدار شهادة ميلاد له.
وهكذا يبقى الإشكال الأبرز في ظاهرة التخلي عن الأطفال قانونيا، في ظل منع التبنيوعدم وجود أثر قانوني له، وعدم وجود آلية لإحصاء واستصدار وثائق مدنية لضحايا هذه الظاهرة، على حد تعبير أستاذ القانون أحمد ولد جدو.
ولد جدو قال في حديثه معنا إن «الثغرة القانونية الأبرز في قضية الأطفال المتخلى عنهم، تتعلق بمنح أسماء لهولاء، ففي بعض القوانين الدولية تمنح أسماء عشوائية تختارها الحكومة أو جمعية»، إلا أن أحمد يرى أن هذه الحالة «تشعر الأطفال بالدونية وأنهم ينتمون لأسر وهمية».
ويقترح ولد جدو أن يجتمع خبراء القانون وفقهاء الشريعة الإسلامية، ليناقشوا وضعية هولاء الأطفال المتخلى عنهم، للاتفاق على صيغة قانونية تكفل لهذه الفئة حقوقها وتضمن لها الحصول على وضعية اجتماعية لا يشعرون معها بالدونية أو أنهم مواطنون من درجة ثانية.
في انتظار ذلك يواصل راسين، من بيته الصغير في حي «سوكوجيم بي أس»، رعاية الأطفال المتخلى عنهم، مستغلًا وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الدعم، ولتحويل قضيته وقضيتهم إلى قضية رأي عام وطني.