في خضم انتشار العولمة والتكنولوجيا مع بداية الألفية الثالثة، شهدت موريتانيا انتشارا كبيرا لمدارس ومعاهد “المعلوماتية” كما تسمى محلياً، فأصبحت قِبلة يؤمها الموريتانيون من مختلف الفئات والأعمار، لاكتساب مهارات مهنية جديدة تساعد في الولوج إلى سوق العمل، وتعزز من فرص الخريجين في زمن طغت فيه التكنولوجيا على مناحي الحياة، وأصبح الإلمام بعالم “القرية الكونية الواحدة” مطلبا ملحا بالنسبة للجميع.
لا تستغرب وأنت تدخل أحد هذه المعاهد المنتشرة كالفطر على جنبات شوارع نواكشوط، أن تلتقي بربة البيت وهي تحتضن لوحة المفاتيح، والرجل الخمسيني وقد خط الشيب عارضيه يحاول إصلاح أحد الأجهزة ضمن دورة في صيانة الكومبيوتر، هذا عدا مئات الشبان والشابات يتلقون دورات في الوورد والأكسيل.
مرتادون كُـثُرٌ
تتركز الدورات التي تقدمها مدارس ومراكز تعليم المعلوماتية في نواكشوط في مجالات المعلوماتية والمحاسبة واللغات، وتقدم دروسا مختصرة تساعد الطلاب على الدخول مباشرة إلى ميدان العمل، بعيدا عن المواد العلمية المصاحبة للتخصص، التي غالبا ما تتطلب دراسته سنوات عدة، حسب تصريح القطب ولد سيداتي المدير العام للمعهد التجاري.
وتتم الدراسة في هذه المعاهد على شكل دورات تدريبية تمتد لفترة زمنية قصيرة، يتلقى الطالب خلالها دروسا تطبيقية في أحد البرامج المعلوماتية التي يتم تدريسها في مجاليْ العمل “المكتبي” و”المحاسباتي”، ويُتوج ذلك بالحصول على شهادة موقعة من طرف المعهد، ومعترف بها من قبل الجهات الحكومية.
ويرى الطالب في دورة البرامج المكتبية، محمد جلال ولد المجتبى، أن أكثر من 60% من المقبلين على دورات المعلوماتية هم في الغالب خريجو الآداب والعلوم الإنسانية، ويطمحون لتعزيز مكانتهم في سوق العمل، إلى جانب أصحاب الشعب العلمية والمهنية، التي غالبا ما يُتاح لهم العمل بشكل أفضل.
مؤشرات هامة
أكثر من 60 خريجا خلال آخر دورة ينظمها مركز “لازو للمعلوماتية” كانت نسبة 73% منهم من خريجي التعليم الأهلي، ولا يمتلكون أي شهادات، وإنما يحاولون من خلال التسجيل في دورات المركز الحصول على شهادات تفتح لهم فرصة يٌدلفون من خلالها لأول عمل قد يلوح في الأفق، ذاك ما يؤكده عمر ولد فيلالي أحد المشرفين على المركز.
ويرى محمد محمود ولد عبد الله، الخريج السابق من مركز “لازو للمعلوماتية”، أنه لا يوجد بين خريجي المركز حتى الآن من يعمل بإحدى الشركات الكبرى، ولا من استطاع الحصول على عمل بشهادة المعلوماتية وحدها، وإنما يعتبرها تُعزز الشهادات الجامعية بالنسبة للحاصلين عليها.
بيد أنه يؤكد أن هذه المعاهد والمراكز استطاعت أن تستوعب عشرات من الشباب الموريتانيين الحاصلين على شهادات في المعلوماتية، بوصفهم مكونيين ومشرفين، وذلك ما ساهم في امتصاص البطالة عن كثير من الشباب وخلق فرص عمل لكثيرين.
ملاذ الهاربين
تستقطب معاهد ومدارس المعلوماتية أصنافا شتى من الوافدين، بينَهم من أجبرته ظروف الحياة على ترك الدراسة، وآخرون لم يسعفهم الحظ بالجلوس على مقاعد الدرس يوما، ويرغبون في التكفير عن ذلك بالحصول على شهادة بسيطة تمكنهم من خوض مُعترك التوظيف الذي أصبح حكرا على حاملي الشهادات.
وقد ازدادت وتيرة الوافدين على هذه المعاهد في الآونة الأخيرة، تزامنا مع إعلان الحكومة الموريتانية إعطاء أولوية خاصة لخريجي المدارس والمعاهد المهنية، نظرا للدور الذي يتطلعون به في بناء جيل متعلم يُسهم في الدفع بعجلة التنمية والبناء أشواطا إلى الأمام.
غير أن كثيرا من خريجي هذه المعاهد والمدارس لا يخفون امتعاضهم من عدم وجود آلية تمكنهم من الولوج إلى سوق العمل، ويعتبرون أن الدعوات التي أطلقتها الحكومة في العناية بأصحاب التعليم المهني لا تصدقها القرائن على أرض الواقع.