برك المستنقعات تزكم الأنوف، في زقاق أحياء في العاصمة، التي ما زالت تعاني رغم مضي أشهر على انتهاء موسم الأمطار الخريفية في موريتانيا. وتحول الشتاء في المدينة المطلة على المحيط الأطلسي إلى امتداد لفصلي الصيف والخريف، فلم تحل برودة الموسم، دون اكتواء السكان بمخلفات الفصلين الماضيين.
ما تزال البرك المائية واقعا تراه العين في وضح النهار، وعتمة الليل، في العديد من أحياء العاصمة نواكشوط، لا فرق بين الراقية منها و الشعبية.
ترتفع المياه الآنسة لأمتار، فتطوق البيوت وتفصلها عن بعضها، وتبتعد لتلتف حول حي بأكمله وتعزله، وربما تهجّر سكانه، وتحول جدران بعض البيوت إلى بنايات مهترئة، لا تقوى على مواجهات المزيد من موجات المياه في المواسم القادمة.
عزلة البيوت وهجرة سكانها، لا يعود السبب فيهما إلى صعوبة الوصول إليها أو الخروج منها، بل لرائحة البرك الكريهة ولكونها ملاذا للبعوض والحشرات، وضع يصفه بعض المتضررين منه ب “الكارثي”.
لم يعد للباعوض فصل سنوي يتكاثر فيه وينتشر، بل أصبحت السنة كلها، موسما يتكاثر فيه، ويهاجر من حي إلى آخر، مخلفا الطفح الجلدي والحساسية والملاريا، في ظل وجود البرك والمستنقعات الضحلة. وحتى الضواحي التي كانت ملاذا آمنا، لم تسلم، فقد وصلها الباعوض واستوطنها.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأغلب المتضررين لا يسمح لهم بالتعرف على مخلفات لدغ البعوض، ولا طرق الوقاية منها، التي منها “استخدام الأقراص الضوئية الكهربائية أو الشباكات البلاستيكية أو المعدنية أو من خلال طلاء خاص للجدران، بالإضافة إلى المبيدات الحشرية، ولكن هذه الأخيرة؛ “لها مخاطر على صحة الإنسان” وفق رأي أحد الأطباء.
تحاصر البيوت والأحياء ويهجر أهلها ويصابون، ولا تحرك السلطات المحلية ولا المركزية ساكنا، سوى شفط الجزء اليسير من هذه المستنقعات، ورش بعضها بمبيدات أيام فترة الأمطار، وهو ما دفع الحشرات التي تستوطنها إلى دخول المنازل المجاورة، وفق بعض السكان.
يتغير الوزير المعني والمسؤولون في القطاعات الوزارية المعنية، والمنتخبون في البلديات، وفي المجموعة الحضرية، ويبقى حال البرك والمستنقعات المائية كما هو، في العديد من مناطق نواكشوط، ولا يبدو أن وضعها سيتغير، طالما أن السلطات العليا في البلد، تعلن صراحة صعوبة إنشاء مجارٍ للصرف الصحي.
أزمة يتحول معها موسم الخريق كل عام، إلى هاجس يحمل الكثير من الخوف والمفاجئات غير السارة لسكان عاصمة وليدة، يتطلعون في غالبهم، إلى أن تعيش حالاً أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، حال يسمح لـ”سيدي” وغيره من آلاف السكان، بأن يناموا بهناء، ويصحبوا على عاصمة لا تحتل شوارعَها برك ومستقنعات آسنة.. تجذب الباعوض والمرض، وتطرد الإنسان والحياة.