ستعود حتما أيها الأخ، والزميل، والصديق…ستعود باسما، باسلا، مقبلا غير مدبر، تقودك أريحيتك المعهودة، ويمشى بين يديك نورك، وتواضعك، وتغمر كل خطواتك أخلاقك الرائعة والاستثنائية..
ستعود، كما تشرق الشمس بعد يوم عاصف ماطر…كما يخرج القمر من عباءة الغيوم السود..
ستعود لأننا نحتاجك، صبرا وجلادا ومهنية وإيثارا وأريحية..
ستعود، لأن الذين حاولوا إسكات صوتك، وتأخير إطلالتك سيكتشفون أنه لا قضبان لديهم لتغييب حقيقة تمشى على قدميها، ولا زنزانة فى العالم كله يمكنها تغييب كل تلك الكفاءة والجرأة، وكل ذلك الطموح الجارف الذى مثلته، وأنت تسير بصبر وشجاعة وثبات، نحو آفاق الشهرة والعالمية.
إسحاق هم لا يعرفونك..فأنت أبدا لم تسجد لغير الله، وأنت أبدا لم تنحز لغير المظلومين والبسطاء..
ليتهم سألوني عنك، وأنا العارف بك من أيام “المستشفى” و”المنارة” و”جامع النور”..عرفتك بنفس الابتسامة، وبنفس الحياء، وبنفس التواضع، والألفة والأخلاق والتفاني فى خدمة الآخرين، دون انتظار جزاء أو شكور منهم..
أنت ستعود، لأنه لا مكان لك خارج المكرمات التي كنتها، وخارج الوطن الذى عشقته حتى وهو يقسو عليك..لا مكان لك إلا بين أهلك وذويك ومحبيك وزملائك..
أنت أكبر من كل الذين يحاولون إبعادك، أو وضع صوتك على “الصامت”
أنت صحفي حقيقي آمنت بمهنتك..لم ترتزق …لم تتسول…لم تنبطح
وذات استقالة أبنت عن معدنك النفيس، ونفسك الحرة وخصال الصدق والأمانة التي عرفك بها كل الموريتانيين..
لم تحترف الصحافة بغاء، ولا مداهنة، ولا استجداء..
حملت الأخلاق للصحافة، وحملت الصحافة للأخلاق..
خرجت من التلفزيون الوطني نقيا شامخ الرأس، وبيدك ورقة استقالة، لأنك لاحظت أن الخط المستقيم الذى رسمته وسرت عليه، جاء من أعلى الهرم من يريدونه منحنيا متعرجا ومتعدد الأوجه والمسارات..
ولأنه لا مكان للنخل خارج منابته، فقد فضلت الخروج بتاريخ ناصع ووجه مرفوع..
كان بمقدورك القفز فى المستنقع…فعشرات أدعياء المهنة كانوا يخوضونه عرايا، بحثا عن الفتات، والعشرات منهم استمرءوا الخطيئة والتراشق بأوراق “الشجرة الحرام”..والعشرات بنوا القصور، وملكوا الإقطاعيات، لمجرد أنهم باعوا قطع غيار الأقلام ،والكرامة ،والمواقف والمبادئ..
يومها كنت كما تريد أن تكون وكما يجب أن تظل إسحاق ولد المختار …إسحاق الإنسان، الذى لم يغتر بمال ولاجاه ولا مرتبة، وفضل السير فى طريقه التي يريد، لا فى الطرق التي يريد له آخرون، ليفكروا بدلا منه، ويتكلموا بدلا منه، و”يتصحفوا” نيابة عنه..!!
إسحاق الذى لم يبع قلما ولا ضميرا ولا رسالة..إسحاق الذى يسير مستقيما، فإذا حاول الطريق أن يدور به نحو أزقة فرعية مظلمة، توقف فى استراحة محارب، حتى يعود إليه الطريق الأبلج بلون المحجة البيضاء، ليواصل السير عليه..
إسحاق بالنسبة لي أخ وزميل وصديق، منذ أن عرفته قبل حوالي 15 سنة عاملا متواضعا فى إحدى الصيدليات قبالة المستشفى المركزي بنواكشوط، وأنا يومها طالب بمدرسة الصحة..أزوره بإلحاح منه، لأجد الأريحية والتواضع والصدق والمودة الحقة، وبريق طموح لا حدود له.. وشغفا غير مسبوق بالصحافة الصادقة الحقة..
دار بنا الزمن وتغير كل شيء إلا تواضع إسحاق، وأخلاق إسحاق، وطموح إسحاق الصحفي..
أنا اعرف أنه سيعود، وأن ( ابتسام الربيع يولد مهما تعب الكون من دموع الشتاء )
أحسه بيننا وكعادته ضاحكا مستبشرا..أحسه يهاتف الأهل بهدوء للاطمئنان على أخ فى “الرباط” الموريتاني، أو حبيب فى “الرباط” المغربي..
أحسه يسأل عن أهل “برينه” و”المقام” و”النباغية” ويطمئن على أحوالهم
أحسه فى رحاب جامع النور ليلة عيد المولد يعانق الصحافة واحدا واحدا، ويستقبل الضيوف ببشاشة فطرية وتواضع لا يعلى عليه
إسحاق سيعود، أخا للصديق، وأبا للصغير، وابنا للكبير.
هل تسمعون طرقا على الباب..؟!!
ألم أقل لكم إن إسحاق سيعود..؟!!
ابق يا إسحاق آمنا مطمئنا خلوقا مبدعا رابط الجأش فستعود..اليوم أو غدا
حتما ستعود وفى انتظارك كل الأحضان الدافئة..