ويبدو واضحا للعيان أن الأمر لا يعدو كونه مناورة سياسية ترمي إلى صرف الأنظار عن الأزمة المتعددة الأوجه التي يغوص فيها البلد نتيجة للتصرفات الطائشة المرتكبة من طرف محمد لد عبد العزيز ومسلسل الفضائح والتهم الخطيرة المنسوبة إليه.
وفي هذه الظروف لا يسع منسقية المعارضة الديمقراطية إلا أن تؤكد أمام الشعب الموريتاني وأمام الرأي العام الدولي ما يلي :
- تشبثها بمطلب رحيل محمد ولد عبد العزيز من السلطة كمقدمة لتسوية الأزمة السياسية، ذالك أنها تعتبره جزء من المشكلة القائمة لا طرفا في حلها.
- التزامها بمواصلة النضالات الشعبية عبر الوسائل الديمقراطية والسلمية من أجل تحقيق ذلك المطلب البالغ الإلحاح نظرا لخطورة الأوضاع في داخل البلد والمحيطة به.
- دعوتها لعقد تشاور وطني واسع بغية إيجاد مخرج من الأزمة عبر صيغة توافقية من شأنها أن تجنب البلد مغبة الغرق في الفوضى والوقوع في منزلق قد يصعب انتشاله منه، كما تجدد استعدادها التام للمشاركة الفعالة في ذلك التشاور.
إن المنسقية، إذ تذكر بأنها لا تعتبر نفسها معنية بشيء في قرار صادر عن لجنة انتخابية تم وضع نظمها و تعيين أعضائها بصورة غير توافقية، لتؤكد – طبقا لميثاق شرفها – رفضها لاقتراع لا تتوفر فيه ضوابط الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة ولا يضمن تكافؤ الفرص للفرقاء السياسيين.
ثم إن المنسقية، إبداء منها لحسن نيتها وإسهاما منها في المزيد من توضيح حيثيات الجدل السياسي الجاري في البلد، تتقدم للرأي العام الوطني والدولي بتحديد ما تعتبر أنه التجسيد الحقيقي والذي لا غنى عنه لعملية انتخابية جديرة بهذه التسمية؛ وتتلخص تلك الضوابط في أربعة متطلبات أساسية وهي:
- إشراف سياسي ذو مصداقية حقيقية،
- مؤسسات انتخابية يوثق بها،
- لزوم الدولة للحياد، وعدم استخدام وسائلها ونفوذ سلطانها لصالح أي من الأطراف،
- تحضير مادي وفني مرضٍ،
وللمزيد من توضيح الأمور، فإن المنسقية تتقدم فيما يلي بتصورها لهذه الضوابط وللإجراءات المجسدة لمضمونها، راجية أن تكون هذه الآراء محل إجماع وطني شامل لجميع الفرقاء.
أولا : الإشراف السياسي
يتضح من التجربة السياسية الحاصلة طيلة السنوات الأخيرة أن رئيس الدولة والوزير الأول الحاليين ليسا مؤهلين للإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، حيث أنهما لا يعبآن بالشرعية سواء تعلق الأمر بالمواثيق الدولية أو بالدستور الوطني أو بالقوانين الأخرى المعتمدة في البلد؛ وقد تجلى ذلك في كل المناسبات وخاصة انتخابات سنة 2009 التي طبعها تلاعب شمل مختلف جوانبها وكل مراحلها.
واعتبارا لكل ذلك، ونظرا لعمق وخطورة الأزمة السياسية الحاصلة في البلد، فإن المنسقية ترى أن حكومة توافقية يقودها رئيس وزراء يكون متمتعا بكل الصلاحيات الضرورية، هي وحدها القادرة على تنظيم انتخابات تفضي إلى الخروج من الأزمة الحالية، لا إلى استمرارها وتعميقها.
ثانيا : المؤسسات الانتخابية
تعتبر المنسقية أنه من أجل ضمان مصداقية المؤسسات الانتخابية، يجب أن يتم تشكيلها وتعيين أعضائها بصفة توافقية؛ و يتعلق الأمر بالمؤسسات والمسؤوليات التالية:
- رئيس وأعضاء المجلس الدستوري
- المدير العام للحالة المدنية
- مدير السجل الانتخابي
- رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للانتخابات
ثالثا: حياد وسائل الدولة وسلطان نفوذها
من السهل الاطلاع على أن عدم حياد الدولة ونفوذ سلطانها في اللعبة السياسية بصورة عامة وفي المنافسة السياسية الانتخابية بصورة خاصة، تشكل إحدى الممارسات التي تفسد بصفة جوهرية هذه العمليات وتفرغها من محتواها.
فمن ذلك أن السيارات التابعة للمرافق العامة والطائرات والموظفين المدنيين والعسكريين والمال العام، تسخر كلها لخدمة المرشح الرسمي على مرأى ومسمع من الجميع.
ومن ذلك أيضا أن آلية التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية والإعفاءات الجبائية الكلية أو الجزئية ومنح الصفقات العامة والحصول على العملات الصعبة وتسهيلات الإيراد ومنح الرخص المختلفة، تنطلق بقوة ويتواصل تشغيلها من أجل شراء الذمم وتجنيد الناخبين على طريقة الأنظمة الأحادية السيئة الذكر.
ومن ذلك أيضا أن آلية الإعفاء من المناصب والتقويم الجبائي (Redressement fiscal) والحصار الاقتصادي تنطلق بقوة هي الأخرى لاستباق كل ميل إلى حرية الاختيار ومن أجل إكراه المعارضين على الاستسلام ومن أجل إلحاق عقوبات انتقامية بالمعارضين الصامدين، ليكونوا عبرة للمعتبرين.
إن هذه الممارسات تنتج بصورة طبيعية جوا من الرعب العام وخشية دائمة من نزول الانتقام، فالجميع يعلمون عن تجربة أن غضب النظام يمكن أن يحل بهم في أي وقت، بل وأن يحل بعائلاتهم وعشائرهم وقراهم، في إطار سياسة العقوبات الجماعية المستوحاة من الأنظمة الأحادية البائدة.
ونتيجة كل ذلك هو أن المواطنين أصبحوا كلهم رهائن، لا حول لهم ولا قوة في اختيار من يسوسون شؤونهم، وأن الناخب يجد نفسه منعدم الإرادة مسلوبا من حرية الاختيار.
وتؤول هذه الممارسات في الأخير إلى كون الموظفين لا يجدون بدا من الانضمام إلى السلطة ومن التسابق إلى إثبات ولائهم لها، وكون رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين يجدون أنفسهم – هم الآخرون – مرغمين على تسخير أموالهم بسخاء لمرشح السلطة، متبارين في ذلك طمعا في الحصول على مودة النظام، وكون الوجهاء التقليديين يسارعون إلى تجديد بيعتهم للمرشح-الحاكم، وكون المجموعات القروية والحواضر وآدوابه يعلمون علم اليقين، بمقتضى تجربتهم، أن النظام لن يتردد في معاقبتهم، إن هم لم يحسنوا الخيار، وأنه لن يترفع عن حرمانهم من الخدمات العامة الأساسية كالماء الشروب والمستوصفات والمدارس، ولذا يكونون مرغمين كالآخرين أو أكثر، على بذل قصارى جهدهم لتعبئة أنفسهم والتظاهر إلى جانب السلطة، عساهم يقون أنفسهم بذلك من غطرسة النظام وشرّه.
بناء على ما تقدم وأمام هذه الوضعية التي تشهدها البلاد اليوم، فإن ضرورة حياد الإدارة في العملية الانتخابية تفرض اعتماد الإجراءات الملموسة التالية:
- إعداد قانون جديد يتناول حياد الدولة في اللعبة السياسية و المنافسة الانتخابية
- النأي بالإدارة عن تعاطي السياسة، وتعيين المسؤوليين في الوظائف الإدارية على أساس معايير الكفاءة دونما تمييز في الانتماء السياسي، ووضع حد نهائي لما هو معهود من احتكار الجهاز الإداري وتسخيره لخدمة طرف سياسي واحد؛ و يشترط أن يتحقق هذا المطلب وأن يتجسد على مستوى الحقل الإداري قبل أية انتخابات مقبلة.
- فصل الصفقات العمومية والتراخيص المختلفة والخدمات العامة عن السياسة وعدم اشتراط الولاء السياسي في منحها للمستحقين؛ ويجب أن يتحقق هذا الفصل ويتجسد في أمثلة ملموسة ومقنعة قبل أية انتخابات مقبلة.
- تحديد سقف مالي لميزانيات المترشحين .
- تحديد سقف مالي لمشاركة الشخص الواحد في ميزانية المترشح الواحد أو اللائحة الواحدة.
- تحديد سقف لعدد مراكز الحملة الانتخابية لكل مترشح أو لائحة على مستوى المقاطعة أو الدائرة الانتخابية.
- إدلاء كل قائد من قواد أركان الجيش والدرك والحرس والشرطة وقوات الأمن الأخرى بتصريح علني يلتزم فيه بأن يبقى على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين .
- توحيد هيئات الجيش الوطني ودمج كتيبة الحرس الرئاسي في المؤسسة العسكرية بحيث يكون الجيش تابعا لقيادة موحدة، كي يتبدد الرعب الذي يشعر به المدنيون والعسكريون على حد سواء إزاء هذه الكتيبة.
- العودة إلى تطبيع التصويت العسكري في الانتخابات.
- فتح وسائل الإعلام العمومية على أساس قواعد توافقية ودائمة.
رابعا : التحضير المادي و التقني
من أجل تحضير تقني جيد للانتخابات، يجب اتخاذ الإجراءات التالية:
- مراجعة النصوص الانتخابية بطرق توافقية
- القيام بتدقيق في السجل الانتخابي
- الكف عن دعوة هيئة الناخبين إلى الاقتراع قبل وصول عملية الإحصاء إلى نسبة %90 من السكان ووصول عملية سحب بطاقات التعريف إلى نسبة % 80 من الناخبين.
- إشراك جميع الفرقاء في إعداد اللائحة الانتخابية .
- نشر اللائحة الانتخابية قبل إيداع الترشحات، ونشر اللائحة الانتخابية النهائية (أي المكملة بالإضافات المقررة بموجب الأوامر القضائية) قبل تاريخ الاقتراع بـ 15 يوما.
- تحديد تاريخ الاقتراع بصفة توافقية