عز الدين أحمد
يبدو أن شهر العسل بين المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين في مصر والذي متد حولا كاملا وزيادة قد وصل إلي نهايته، وبدأت نذر المواجهة تلوح في الأفق كلما اقترب سباق الرئاسيات، التي يبدو أن كل واحد منهما يسعي للفوز بها ، رغم أن الإخوان كانوا قد أقسموا بالأيمان المغلظة أنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة وبأنهم سيكتفون بدعم المرشح الذي يحظي بموافقة الجميع ، في حين أن العسكر كانوا قد أعلنوا بدورهم أنهم ما جاؤوا إلا لتحقيق أهداف الثورة ، والتي تتمثل أكثر ما تتمثل في تسليم السلطة للمدنيين وإنهاء فترة حكم عسكري دامت أكثر من نصف قرن من الزمان .
لم يعد أحد يصدق تعفف الإخوان عن السلطة، أو يأخذ زهدهم فيها مأخذ الجد ، أو يكترث بوعودهم التي ما فتئوا ينكثون بها ، بعد أن تفتحت شهيتهم إلي الحكم إثر النجاح الكبير الذي حققوه في الإنتخابات التشريعية المصرية ، نجاح كرسوه بعد ذلك في الإستيلاء علي رئاسة جميع اللجان الفرعية للمجلس ، مع الإستيلاء بطبيعة الحال علي رئاسة المجلس ذاته.
وبما أن الشهية إلي السلطة تأتي مع المزيد من ممارستها ، بدأت أنظار الإخوان تتجه إلي حكومة الجنزوري التي شكلها العسكر ليمارسوا عليها وصايتهم ويبسطوا هيمنتهم ، بالإستجواب تارة ، أو بالتهديد بسحب الثقة منها، الأمر الذي أزعج العسكر واعتبروه تجاوزا للخط الأحمر ، وتعديا علي حصتهم من تركة الرئيس مبارك، وخرقا للإتفاق الضمني بتقاسم السلطة مع الإخوان .
الآن يتواجه الإخوان والعسكر وجها لوجه في سباق ربع الساعة الأخير من الصراع علي السلطة ، بعد أن استطاعوا معا التخلص من جميع خصومهم من الأحزاب السياسية وقوي المجتمع المدني، وخصوصا شباب الثورة، الذين كانوا أكثر راديكالية ضد العسكر، وأكثر توجسا من الإخوان ، والذين كانوا يطالبون بتشكيل سلطة ثورية بديلا للعسكر، تقوم بالإشراف علي تسيير شؤون البلد ، وإعداد العدة لإختيار مجلس تأسيسي يقوم بصياغة دستور، قبل إجراء أي انتخابات تشريعية أو رئاسية .
شراهة الإخوان المسلمين في مصر للسلطة تجاوزت كل حدود العيش السياسي المشترك ، فهم يريدون كل شيئ : رئاسة البرلمان ولجانه الفرعية ، غالبية أعضاء لجنة صياغة الدستور مع رئاستها ، رئاسة الحكومة ، وأخيرا رئاسة الجمهورية التي رشحوا لها ” خيرت الشاطر” الرجل الثاني في الجماعة ، خلافا لما كانوا قد تعهدوا به من قبل .
لكن هذه الشراهة قد تتحول إلي جشع قاتل يعمي الإخوان ويصمهم، ويدخل مصر في متاهة من الإحتراب السياسي تحرف الثورة عن مسارها وتشعل أتون ” حرب أهلية ” جديدة بين التيار الإسلامي والتيارات السياسية الأخري من ليبراليين ويساريين وقوميين، كما تجلي ذلك مؤخرا في الخلاف المتفاقم حول لجنة صياغة الدستور المصري ، الأمر الذي سيمثل نكسة للربيع العربي الذي كان من أهم إنجازاته – فضلا عن إسقاط الأنظمة المستبدة – توحيد ” الجماعة الوطنية ” ، وإشاعة ” السلم الأهلي ” بين أجنحتها المختلفة .
من الصعب التنبؤ بمسار الخلافات بين الإخوان والعسكر، المشرعة في كل الإتجاهات و المفتوحة علي كل الإحتمالات، ولكن من المفيد إستحضار عبر التاريخ والتحذير من مخاطر العواصف التي تهب عادة علي الثورات بعد اندلاعها بوقت قصير، والتذكير – علي الخصوص – بالصدام الدامي الذي حدث في وقت مبكر من عمر الثورة المصرية التي أطاحت بالنظام الملكي سنة 1952 والتي تحولت إبتداء من سنة 1954 إلي سلطة عسكرية خالصة لا شية فيها ، عندما تخلص” الضباط ” من ” الإخوان ” ورموا بهم في المعتقلات والسجون.