ودع الموريتانيون عام 2019 ولكن الكثير من أحداثه ستبقى عالقة في ذاكرتهم، لعل من أبرزها أول تناوب سلمي للسلطة بين رئيسين منتخبين، ونهاية أحجية المأمورية الثالثة وتوتر العلاقة بين رجلين حكما البلاد لأكثر من 15 عاماً، ولكن أحداثاً أخرى حظيت بمساحة واسعة من الاهتمام خلال العام كاكتشافات الغاز والمشاركة الموريتانية غير المسبوقة في كأس الأمم الأفريقية.
من جهة أخرى تخللت العام المنصرم أحداث حزينة لن ينساها الموريتانيون بسهولة، آخرها الحادث الأليم الذي وقع بالقرب من مدينة نواذيبو، ثاني أهم مدينة في البلاد، والسيول التي قتل فيها ثلاثة أشخاص وشردت العشرات من الأسر في مدينة سيلبابي، أكبر مدن الجنوب وأهمها.
سنة السياسة !
مع بداية العام وفي شهر يناير بدا واضحاً أن السنة ستكون سياسية بامتياز، حين شرع النواب في حراك «المأمورية الثالثة» وأطلقوا حملة لجمع توقيعات تطالب بتعديل الدستور من أجل بقاء ولد عبد العزيز في الحكم، ولكن هذا الحراك الذي كان مرتجلاً وغير منظم سرعان ما انتهى ببيان «مفاجئ» صدر عن رئاسة الجمهورية يوم 15 يناير، أثار من الأسئلة أكثر مما قدم من أجوبة، وهو الموقع باسم ولد عبد العزيز الموجود خارج البلاد !
وفيما كان الموريتانيون يحتفون بانتهاء الجدل حول «المأمورية الثالثة»، حلت فاجعة هزت الرأي العام المحلي، حين أعلنت أسر في الجنوب الموريتاني يوم 16 يناير أن أكثر من خمسين من أبنائها غرقوا أثناء محاولتهم العبور على متن زورق من الشواطئ المغربية نحو اسبانيا، وبعد أيام من التعاطي الرسمي المتردد مع الحادثة، تحركت السلطات وعزت الأسر التي أقامت صلاة الغائب على أبنائها في أحد مساجد نواكشوط.
مع نهاية يناير، وتحديداً يوم 27، أعلنت السلطات تغيير اسم «شارع جمال عبد الناصر»، أحد أشهر وأقدم وأكبر الشوارع في العاصمة نواكشوط، ليصبح اسمه «شارع الوحدة الوطنية»، وذلك بعد أيام من «مسيرة الكراهية» التي قادها ولد عبد العزيز عبر الشارع، وانتهت بمهرجان خطابي شهد سقوط إحدى رافعات المنصة الرسمية مما أدى إلى إصابة وزير.
ولد عبد العزيز في الأيام الأخيرة من يناير أعلن في مجلس الوزراء أن محمد ولد الشيخ الغزواني هو مرشحه للانتخابات الرئاسية التي ستنظم نهاية يونيو، ليخرج الناطق باسم الحكومة آنذاك سيدي محمد ولد محم في المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة ليؤكد الأمر، ويعلن أن ولد الغزواني هو مرشح النظام.
كان شهر فبراير أكثر هدوء من يناير، ولكنه رغم ذلك لم يخل من بعض الأحداث التي هزت الرأي العام المحلي، من أبرزها قرار السلطات إغلاق جمعية الخير للتنمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهما جمعيتان يحسبان على التيار الإسلامي في موريتانيا، ويأتي إغلاقهما في نفس السياق الذي أغلق فيه مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله ابن ياسين، التابعين للشيخ محمد الحسن ولد الددو.
سباق نحو الانتخابات !
مع مطلع مارس، وفي أول أيامه، أعلن ولد الغزواني ترشحه للانتخابات الرئاسية، وألقى خطاباً أمام عشرات الآلاف من أنصاره وسط العاصمة نواكشوط، ومع منتصف شهر مارس أجرى ولد عبد العزيز تعديلاً جزئياً على الحكومة، خرج بموجبه ولد الغزواني، بعد ستة أشهر قضاها في الحكومة منذ تقاعده أكتوبر 2018.
أحزاب المعارضة أعلنت بداية مارس أن جهودها للبحث عن «مرشح موحد» باءت بالفشل، تاركة الخيارات مفتوحة أمام أحزابها، فالتحق عادل بالمعسكر الداعم لولد الغزواني، بينما أعلن بيرام ولد الداه اعبيد ترشحه مجعوماً من حزب الصواب، وترشح أيضاً محمد ولد مولود مدعوماً من ائتلاف ضم حزبه اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية والتناوب الديمقراطي (إيناد).
مع نهاية شهر مارس أعلن سيدي محمد ولد ببكر، الوزير الأول الأسبق والضيف الجديد على المعارضة، ترشحه للانتخابات مدعوماً من عدة أحزاب يتقدمها «تواصل» الإسلامي وحاتم الذي التحق نهاية العام بالموالاة الداعمة لولد الغزواني.
في الثالث من شهر أبريل أغلقت الشرطة الموريتانية جمعية «يداً بيد للثقافة والعمل الاجتماعي»، من دون أن يتم الكشف عن أسباب ذلك، ولكن من الواضح أنه يدخل في إطار ما قيل إنه “مضايقة الإسلاميين”، بعد إغلاق جمعيات خيرية ومعاهد يقال إنها مرتبطة بالتيار الإسلامي في موريتانيا.
مر شهر مايو ثقيلاً طغت عليه النقاشات التحضيرية للانتخابات الرئاسية، واحتجاجات المعارضة على ظروف تنظيمها، واصبحت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات هي مركز الأحداث، لتبدأ الحملة الانتخابية في السادس من شهر يونيو، وهي حملة كانت قوية وأظهرت ندية كبيرة بين ولد الغزواني ومرشحي المعارضة، ولكن ولد الغزواني تمكن من حسم الأمور من الشوط الأول بنسبة 52 في المائة، وهي نتائج طعنت فيها المعارضة ووصفتها بالمزورة.
طوارئ غير معلنة !
تسارعت الأحداث بعد احتجاجات رافضة لنتائج الانتخابات، واندلعت أعمال عنف في بعض أحياء العاصمة ومدن الضفة، أسفرت عن سقوط جرحى في صفوف المحتجين وعناصر الأمن، واعتقل مئات المحتجين وخرج الجيش إلى بعض الشوارع، وقطعت الانترنت عن البلاد لأكثر من أسبوع، وأعلنت الحكومة أنها أفشلت «مخططاً لزعزعة الأمن وراءه أيادي أجنبية».
مع نهاية يونيو الذي كان أكثر أشهر السنة أحداثاً ساخنة، وفي خطوة مفاجئة استدعت شرطة الجرائم الاقتصادية يوم 28 يونيو قرابة 30 مسؤولاً مشمولين في شبهات فساد كانت مغلقة منذ عدة سنوات، كانت من ضمنهم المديرة السابقة للتلفزيون الحكومي خيرة بنت الشيخان، وذلك ما أسفر عن استقالة سيدي محمد ولد محم من الحكومة.
وصف استدعاء المسؤولين بأنه محاولة من ولد عبد العزيز لإغلاق بعض الملفات الساخنة قبل تسليم الحكم لخليفته، خاصة بعد أن اجتمع يوم الثامن من يوليو بمجموعة من الأئمة والعلماء لإنهاء ملف المسيء للرسول صلى الله علي وسلم، محمد الشيخ ولد أمخيطير، الذي أفرج عنه بعد عدة أيام وتم ترحيله خارج البلاد.
يوم 01 أغسطس تسلم ولد الغزواني مهامه كرئيس للبلاد، وسافر ولد عبد العزيز إلى الخارج، لقد جرت الأمور بسلاسة أثارت استغراب الموريتانيين، وكأنها ليست المرة الأولى التي يحكم فيها رجل البلاد لولايتين رئاسيتين ثم يسلم السلطة وينصرف إلى شأنه الخاص، لقد بدا الموريتانيون وكأنهم غير مصدقين !
كانت السمة البارزة في بداية حكم ولد الغزواني هي «الكتمان»، فخلال عدة أيام عاشها الموريتانيون وهم يتساءلون عن هوية الوزير الأول وأعضاء الحكومة لم تكن هنالك أي معلومات حول الموضوع، إلى أن تم تكليف إسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا بتشكيل الحكومة، وبعد أسبوع عينت الحكومة التي أحيطت هي الأخرى بمستوى كبير من السرية.
أمطار وغاز وجواز !
ولكن شهر أغسطس انتهى بأمطار قوية كانت مصدر فرح بعد موسم طويل من الجفاف، ولكن ذلك الفرح لم يدم طويلاً إذ تسببت الأمطار في فيضانات قوية بمدينة سيلبابي، هدمت الكثير من البيوت وشردت عشرات الأسر، وحولت سيلبابي إلى منطقة منكوبة، بعد مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل.
وفي شهر أكتوبر كان الموريتانيون على موعد مع خبر سعيد قادم من أعماق المحيط الأطلسي، حين أعلنت شركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية يوم 28 أكتوبر عن اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي في منطقة «بئر الله»، وهي منطقة تقع في المياه الإقليمية الموريتانية، وتزيد من احتياطات موريتانيا الهائلة من الغاز الطبيعي.
لم تتوقف الأخبار السعيدة، فمع بداية شهر نوفمبر، وتحديداً في اليوم الرابع من هذا الشهر، كانت نهاية محنة السجين السابق في غوانتانامو محمدو ولد الصلاحي، حين منحته السلطات الموريتانية جواز سفره المصادر منذ أكثر من 17 عاماً، لقد سافر ولد الصلاحي بعد ذلك إلى السنغال ثم ألمانيا، وبدأ التحضير لتصوير فيلم جديد يحكي قصة سجنه.
المعركة الأخيرة !
يوم 16 نوفمبر حطت طائرة في مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي)، كان على متنها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وهو الغائب عن البلد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أي منذ أن سلم السلطة لصديقه وخليفته، ولكن الرجل الذي عاد من أجل ممارسة السياسة وقيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، لم يكن يدرك أن الأوضاع قد تغيرت بعده، فصديقه نجح فيما فشل هو فيه طيلة عشر سنوات، تهدئة جبهة المعارضة، وذلك من خلال لقاءات «تشاور» أجراها مع قادتها في القصر، وأصبح بحاجة إلى «ذراع سياسية» لتسيير البلاد.
اندلعت شرارة الأزمة بين الرجلين عندما عقد ولد عبد العزيز اجتماعاً بلجنة تسيير الحزب الحاكم، أظهر خلاله أنه يسعى ليكون الرئيس الفعلي للحزب، وهو ما تحرك أنصار ولد الغزواني لمنعه، فوجد ولد عبد العزيز نفسه معزولاً داخل الحزب الذي أسسه قبل عشر سنوات.
تطورت الأمور حين أقال ولد الغزواني عشية عيد الاستقلال قائد كتيبة الأمن الرئاسي، وأجريت تعديلات على برنامج احتفالات الاستقلال والعضر العسكري الذي نظم في مدينة أكجوجت، فيما تخلف ولد عبد العزيز عن حفل عيد الاستقلال رغم تلقيه دعوة رسمية.
في النهاية وجد ولد عبد العزيز نفسه معزولاً ليس معه سوى سيدنا عالي ولد محمد خونه وبيجل ولد هميد، ويجد صعوبة في عقد مؤتمر صحفي حين رفضت فنادق احتضانه، واعتذرت قنوات خاصة عن بثه، فاضطر لأن يعقده يوم 19 دجمبر في بيته وسط احتجاجات دائني الشيخ الرضا.
أحكم أنصار ولد الغزواني السيطرة على الحزب الحاكم حين نظموا مؤتمره الوطني يوم 28 دجمبر، وانتخبوا قياداته الجديدة، وأجروا تعديلات على هيكلته ونصوصه، لتنتهي جولة من المعركة «السياسية» التي خاضها ولد عبد العزيز وخرج منها من دون أسلحة.
وسط الصراع السياسي المحتدم، كان الموريتانيون على موعد يوم 25 دجمبر مع حادث بشع خلف حالة من الصدمة والحزن في عموم البلاد، حين اصطدم باص نقل قادم من مدينة نواذيبو بشاحنة، مخلفاً 9 قتلى وعدة جرحى، وهو الحادث الذي أعاد إلى الواجهة الحديث عن حوادث السير.
وكانت نهاية العام مع قرار صادر عن المحكمة العليا، أمس الثلاثاء، يلغي قرار وزارة الداخلية عام 2014 بإغلاق جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، المحسوبة على التيار الإسلامي في موريتانيا، وقد أثار قرار المحكمة العليا ارتياحاً واسعاً في أوساط الموريتانيين، كما أكد أن توجهاً جديداً قد بدأ داخل أروقة السلطة.