الشيخ ولد محمد حرمه – أبيدجان
ترتفعُ درجات الحرارة في مدينة أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لدولة كوت ديفوار، ولكن في أروقة فندق العاج (سوفيتل) على ضفاف خليج كوكودي، وصلت المكيفات إلى ذروة قدرتها لتبريد أجواء ساخنة يهيمنُ عليها التوتر مع اقتراب موعد التصويت لاختيار رئيس جديد للبنك الأفريقي للتنمية.
الفندق الذي ظل لعقود محطة مهمة في أحداث سياسية مرت بهذا البلد المتقلب، استقبل الوفود المشاركة في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية لعام 2025، التي انطلقت اليوم الثلاثاء، وينتظر أن تنتهي يوم الخميس باختيار رئيس جديد للبنك.
وصل عدد المشاركين في نسخة هذا العام إلى أكثر من 5 آلاف شخصية يمثلون 91 دولة، بينها 81 دولة أعضاء في البنك الأفريقي للتنمية، من بينها 54 دولة أفريقية.
رأس المال
كان للاجتماعات السنوية للبنك الأفريقي للتنمية أن تمر مرور الكرام، على غرار كثير من الأحداث والمؤتمرات والأنشطة الاقتصادية في أفريقيا، ولكن السياق الاقتصادي المتقلب الذي يمر به العالم حولها إلى “حدث مفصلي” في تاريخ القارة سيكون له ما بعده، حسب أغلب المحللين والخبراء.
الاجتماعات تنعقدُ تحت عنوان على شكل سؤال مُبطن، حول استفادة أفريقيا من رأس مالها، من أجل تعزيز التنمية، وهو سؤال سيكون محل نقاش رؤساء دول وحكومات، ومحافظي بنوك، وقادة في القطاع الخاص، وممثلي مؤسسات مالية دولية وإقليمية، وخبراء تنمية.
وأعلن البنك الأفريقي للتنمية، أن الهدف من هذه النقاشات هو التعاون مع الدول الأعضاء لتحديد الفرص وتطبيق سياسات محددة تجعل من رأسمال القارة (البشري والطبيعي والمالي والتجاري) المحرك الأساسي للتحول الهيكلي نحو اقتصادات أكثر شمولا واخضرارا ومرونة خلال العقود القادمة.
ولا يخفي البنك نزعته الجديدة نحو الاعتماد على الموارد الذاتية للقارة الأفريقية، ولكن في الوقت ذاته “الاستفادة من تدفقات رأس المال الخارجي لتلبية احتياجات التمويل التنموي”، مع هواجس واضحة من تراجع مستويات التمويل الدولي بسبب السياسات الأمريكية والأوروبية الجديدة، والصراعات التي يشهدها العالم بين المعسكرين الغربي والشرقي.
كانت أولى الجلسات عبارة عن حوار رئاسي حول “تعبئة رأس المال الأفريقي لتعزيز التنمية”، بحضور الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، ورئيس جزر القمر غزالي عثماني، رئيس زمبابوي إيميرسون منانغاغوا، ورئيس غانا جون ماهاما.
حضور موريتانيا
في هذه اللحظة التاريخية وما يمكن وصفه بأنه “منعرج اقتصادي” تستعد له القارة، كانت موريتانيا في قلب الحدث، حيث شاركت في اجتماعات البنك الأفريقي للتنمية بوفد وصفته وزارة الاقتصاد بأنه “رفيع المستوى”، يرأسه وزير الاقتصاد والمالية سيد أحمد ولد ابوه.
وأضافت الوزارة أن حضور موريتانيا في اجتماعات البنك الأفريقي للتنمية “تكتسب أهمية بالغة في ظل سعيها لتعزيز شراكاتها التنموية وتعبئة الموارد اللازمة لدعم خططها الاقتصادية الطموحة”، موضحة أن المساعي الموريتانية “تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وأجندة أفريقيا 2063”.
ولكن المشاركة الموريتانية هدفها الأول هو الحصول على رئاسة البنك، وهو أكبر منصب قاري ودولي تنافسُ عليه موريتانيا منذ الاستقلال، حيث رشحت سيدي ولد التاه للمنصب، ونظمت واحدة من أكبر حملات العلاقات العامة والعمل الدبلوماسي، لنيل أرفع منصب تسعى وراءه.
الحملة الموريتانية التي بدأت منذ عام كامل، وصلت هذه الأيام إلى محطتها الأخيرة، وذلك على بعد يومين من تصويت أعضاء مجموعة البنك الأفريقي لاختيار رئيس جديد من بين خمسة مترشحين، من موريتانيا وجنوب أفريقيا وزامبيا والسنغال وتشاد.
وتراهن موريتانيا على التزامات واسعة بالتصويت لصالح مرشحها؛ سيدي ولد التاه القادم من رئاسة المصرف العربي للتنمية في أفريقيا، والذي سبق أن شغل مناصب حكومية وتقلد مهام عديدة ذات طابع اقتصادي ومالي في موريتانيا.
يتسند المرشح الموريتاني إلى حصيلة “إيجابية” حققها خلال رئاسته للمصرف العربي للتنمية في أفريقيا، حيث رفع رأس مال المصرف بنسبة 376 في المائة، ورفع التمويلات السنوية التي منحها المصرف بنسبة 75 في المائة بالمقارنة مع إجمالي التمويلات خلال كل تاريخ المصرف.
ثقة وتفاؤل
السفير الموريتاني في كوت ديفوار، استضاف ليل الاثنين/الثلاثاء اللجنة المشرفة على حملة المرشح سيدي ولد التاه، في حفل عشاء قالت وزارة الاقتصاد إنه جرى “في أجواء تعكس الثقة والتفاؤل”، واعتبرت أن الفوز برئاسة البنك الأفريقي للتنمية “هدف وطني كبير”.
وقال رئيس اللجنة ومنسق حملة المرشح وزير الاقتصاد والمالية سيدي أحمد ولد ابُوه، إن “الترشح لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية يمثل حدثا تاريخيا مهما لموريتانيا، كونه أكبر منصب تترشح له البلاد في تاريخها”، وفق تعبيره.
وأكد الوزير “ثقته الكبيرة في الجهود الجبارة التي قامت بها المنسقية في الكواليس”، مشيرًا إلى أن جهودها “شملت تحركات دبلوماسية واسعة وتواصلا مكثفا”.
وشدد على أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لعب “دورًا محوريًا” في دعم ترشح موريتانيا للمنصب، وكرس “جزءا كبيرا من وقته خلال مشاركاته الدولية لحشد التأييد اللازم”، وفق تعبير الوزير.
أما ولد التاه فقد شدد على أن “الفوز سيكون انتصارا لموريتانيا ولكل الموريتانيين”، وأضاف أن “الجهود المتكاملة، بقيادة حكيمة ودعم رئاسي قوي، ترسم ملامح نجاح مرتقب لموريتانيا في هذا الاستحقاق الهام”.
أهمية البنك
تعد رئاسة البنك الأفريقي للتنمية واحدًا من أهم المناصب في القارة الأفريقية، إن لم يكن هو أهمها على الإطلاق، حيث يتحكم البنك في رأس مال يتجاوز 180 مليار دولار، وتشير التوقعات إلى إمكانية أن يصل هذا العام إلى أكثر من 300 مليار دولار.
وتأسس البنك الأفريقي للتنمية عام 1964، ويوجد مقره المركزي في مدينة أبيدجان، ويهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول الأفريقية.
ويضم البنك في عضويته 81 دولة، من بينها 54 دولة أفريقية، و27 دولة من خارج القارة.
ويقدم البنك الأفريقي للتنمية قروضًا ومنحًا ومساعدات فنية لتمويل مشاريع البنية التحتية، الطاقة، الزراعة، التعليم، والصحة، وذلك من خلال أذرع تمويلية تتمثل في ثلاث مؤسسات هي: البنك الأفريقي للتنمية وصندوق التنمية الأفريقي وصندوق نيجيريا الخاص.
وهكذا تصبح الدولة التي ينحدر منها رئيس البنك، في مركز صناعة القرار الاقتصادي الأفريقي، ولها تأثير كبير في توجيه التمويلات والقروض، وتحديد الاستراتيجيات الاقتصادية العامة للقارة.