منذ زيارة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي لموريتانيا العام الماضي وتوقيع الإعلان المشترك لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتنسيق التعاون بين الطرفين لمواجهة هذه الظاهرة، لم يتوقف الجدل، وتستمر الشائعات في الانتشار، تغذيها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تزعم أن “البلاد ستصبح موطنًا للمهاجرين المرحلين من أوروبا” وأنها ستكون “شرطي الحدود لأوروبا”.
ورغم العشرات من التصريحات الصادرة عن مسؤولين حكوميين موريتانيين التي تنفي وتفند هذه الأخبار بكل السبل، فإن ذلك لم يبدد الشكوك أو يقطع الجدل في نفوس الموريتانيين.
وتصاعدت هذه الشائعات في الأسابيع الأخيرة بالتزامن مع بدء السلطات حملتها لترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، حيث يتركز أغلبهم في دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، التي تعاني من أوضاع أمنية واقتصادية متدهورة.
من جانبه، يرى الصحفي الحسن لبات أن عمليات ترحيل المهاجرين التي بدأت السلطات الموريتانية تنفيذها منذ أسابيع، قد رافقتها حملة تضخيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أسهم في التأثير سلبًا على صورة موريتانيا.
ردود الفعل
وأدانت الحكومة المالية ما وصفته بـ “التعامل غير الإنساني” مع المواطنين الماليين الذين تم توقيفهم مؤخرًا في موريتانيا في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية.
وقد أثارت هذه الحملة ضد المهاجرين غير النظاميين قلق دول الجوار، وخاصة السنغال ومالي، اللتين أرسلتا مسؤولين حكوميين لإجراء مباحثات مع الحكومة الموريتانية بشأن قضايا الهجرة.
ومنذ يومين، سلم وزير الخارجية المالي، عبدولاي جوب، رسالة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، حملها من رئيس المجلس الانتقالي المالي، عاصيمي غويتا. وتضمنت الرسالة قلق السلطات المالية إزاء ترحيل مواطنيها من موريتانيا، حيث أشار الوزير إلى أن رئيس المجلس الانتقالي في مالي قد نبه السلطات الموريتانية إلى “حقيقة وطبيعة ما وصف بالترحيل القسري لمواطنينا”.
رغم التطمينات الحكومية لدول الجوار بأن الإجراءات التي تم اتخاذها لمكافحة الهجرة وترحيل المهاجرين غير النظاميين تتماشى مع القوانين المحلية والدولية، فإن المخاوف لدى الرأي العام الموريتاني تتعلق أيضًا باحتمالية أن تكون نواكشوط قد وقعت اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تشمل “توطين المهاجرين أو ترحيلهم إلى دولهم”.
أوروبا تتكلم
وبعد شهور من الجدل، خرج الاتحاد الأوروبي عن صمته، حيث أصدر بيانًا عبر بعثته في نواكشوط يفند ما وصفها بـ “الإشاعات” المتعلقة باتفاقية الهجرة مع موريتانيا.
وأوضح البيان أن اتفاقية الشراكة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة لا تتضمن بأي حال من الأحوال إرسال مهاجرين من دول ثالثة في وضع غير نظامي إلى موريتانيا من أوروبا.
كما أضاف البيان أن الاتفاقية لا تتطرق إلى سياسة موريتانيا في مجال الهجرة تجاه رعايا الدول الأخرى، باستثناء الالتزامات الدولية التي تعهدت موريتانيا بها لحماية الأشخاص المستضعفين مثل اللاجئين والقاصرين وضحايا الاتجار بالبشر.
وأوضحت أن هذا الاتفاق هو إعلان سياسي يؤكد رغبة موريتانيا والاتحاد الأوروبي في تعزيز التعاون المشترك في مجال الهجرة، مع الالتزام التام بمبدأ السيادة وحقوق الإنسان والالتزامات القانونية الدولية.
كما يتضمن التعاون حوارًا سياسيًا منتظمًا بشأن قضايا الهجرة.
ولفتت البعثة إلى أن هذه الشراكة تركز على خمسة مجالات رئيسية:
- تعزيز التدريب الفني والمهني للشباب الموريتانيين لتكييف مهاراتهم مع احتياجات سوق العمل وزيادة فرص التوظيف.
- دعم اللاجئين، خاصة الماليين في منطقة الحوض الشرقي، والمجتمعات المحلية التي تستضيفهم.
- تعزيز قنوات الهجرة القانونية، من خلال دعم تنقل الطلاب ورجال الأعمال، واستكشاف إمكانيات الهجرة الدائرية، وتسهيل وصول الموريتانيين في أوروبا إلى سوق العمل.
- مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، من خلال حماية الضحايا وضمان إعادة قبول المواطنين الموريتانيين الذين هم في وضع غير نظامي في الاتحاد الأوروبي مع احترام حقوقهم.
- بناء قدرات السلطات الموريتانية في مجال البحث عن الأشخاص الذين يواجهون خطرًا في البحر وإنقاذهم، إضافة إلى تعزيز إدارة الحدود.
توقيت متأخر
ويرى الصحفي الحسن لبات أن بيان الاتحاد الأوروبي الأخير موجه في المقام الأول إلى الرأي العام الموريتاني، مشيرًا إلى أن توقيته كان متأخرًا.
وقال لبات في مقابلة في النشرة الرئيسية على قناة صحراء 24: “لو كان البيان قد صدر قبل أشهر، لكان قد ساهم في توضيح الموقف بشكل مبكر، ولكن جاء في وقتٍ تأزمت فيه الشائعات داخل موريتانيا”.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي ربما كان يظن أن هذه الشائعات ستختفي من تلقاء نفسها، لكن مع تفاقمها، أصبح من الضروري توضيح الموقف.
وأوضح لبات أن هناك أطرافًا لا ترغب في تنفيذ الاتفاقية بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية تحقق مصلحة مشتركة للطرفين.
وأكد الصحفي أن ترحيل مهاجرين من دول مثل مالي قد ينعكس سلبًا على صورة الجالية الموريتانية في تلك الدول، ولكن هذا الأمر لا يتعلق مباشرة بملف الهجرة.
وأضاف أن ملف الهجرة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي هو في الأصل اتفاق قانوني بين الطرفين، إلا أن بعض الأطراف الثالثة قد حاولت تحريفه لأغراض سياسية، مشيرًا إلى مزاعم حول وجود بنود سرية في الاتفاق تقضي بترحيل مواطنين من دول أفريقية وتوطينهم في موريتانيا.
وقال لبات إن هذه الادعاءات “لا أساس لها من الصحة”، حيث قام كل من الاتحاد الأوروبي والحكومة الموريتانية بتفنيدها بشكل رسمي.