يسابق العمال الزمن في محيط مسجد ولاتة العتيق، لإزاحة أكوام من الركام التي خلفها انهيار جزء من المسجد، المصنف على قائمة التراث العالمي، في إطار عملية ترميم بدأت أشغالها بإشراف مهندسين متخصصين.
الأمطار والسيول التي شهدتها المدينة التاريخية، خلال الأسابيع الأخيرة، تسبب في انهيار جزء من ذاكرة المدينة، بعد تضرر بعض الأجزاء في المسجد، الذي بني قبل قرابة ألف سنة، وظل على مدى تاريخه، إحدى المنارات العلمية والثقافية في منطقة الصحراء الكبرى.
قلة الأدوات المساعدة لم تثني عزم عمال البناء الولاتيين، فجهود هؤلاء الرجال هي المعول عليها، لإعادة بناء الجزء المتضرر من المسجد، لكن الأمطار هي هاجس العمال والمهندسين المشرفين على عملية الترميم، فتسجيل كميات أخرى من الأمطار قد تعيق عملهم.
يقول المهندس المتخصص في البناء بالمواد المحلية، الشيخاني النحوي، الذي يتولى الإشراف على عملية الترميم،” إن دخول مياه الأمطار تحت بعض أساسلت المسجد، جعل قاعدته غير متساوية، وهو ما تسبب في انهيار أجزاء منه، في عملية تسمى الهبوط التفاضلي”.
ويضيف في حديث لـصحراء ميديا، أن علية الترميم بدأت بتكسير وإزالة كل الأجزاء الخارجية المتضررة من المسجد، بالإضافة إلى بعض الأعمدة الداخلية، ليتم تشييدها من جديد بنفس المواد التي استخدمت منذ قرون في بيناء هذه المعلمة.
الشيخاني أكد في حديثه أن “الحجارة والتربة الطينية، وحتى أخشاب الشجر، التي كانت مستخدمة في الجزء المنهار من المسجد، ستستخدمها الفرق الهندسية المشرفة على الترميم في بناء الأجزاء المتضررة”.
ويرى المهندس المشرف على الترميم، أن “النمط المعمارى المتبع في ولاتة هو عمارة بيئية لاتنتج الكربون ولا الغاز ، ويمكن إعادة تدوير موادها أيضا إذا تطلب الأمر ذلك”.
تفاديا للأضرار الناجمة عن الأمطار خلال مرحلة الترميم، عمدت الفرق المشرفة على العملية إلى اعتماد إجراءات احترازية أولية لضمان عدم تضرر هذا الجزء خلال ترميمه، من خلال حفر مجارى مائية وآبار، وتفريغ أخرى كانت قريبة من المسجد، لتكون جاهزة لاحتواء المياه الناتجة عن الأمطار وتوجيهها خارج المسجد، خلال مرحلة الترميم.
انهيارات سابقة
تعرض مسجد ولاتة العتيق للكثير من الأضرار خلال مساره، بعضها بسبب الأمطار والسيول، والبعض الآخر بسبب الهزات الأرضية، والعوامل المناخية المختلفة.
غير أن أبرز الأضرار التي تعرض لها المسجد كانت عام 1818 بفعل الأمطار وقد تمكن السكان المحليون من إعادة تأهيله، بالإضافة إلى تضرره عام 1869 نتيجة هزة أرضية تسبب في ضعف البنايات في المنطقة، كما سقطت منه عدة أجزاء خلال العام 1904 وكذلك في العام 1914.
يقول الباحث والمؤرخ عال ولد المرواني، إن المؤرخين الولاتيين يذكرون أن تضرر المسجد عام 1914، دفع السكان المحليين إلى بناء المسجد في نصف مساحته الأصلية، وهو الذي تذكر بعض الروايات التاريخية أنه تأسس خلال القرن الثاني الهجرى، خلال فتوحات القائد الإسلامي عقبة بن نافع.
ويضيف في حديت لصحراء ميديا، “أن لهذا المسجد قيمة تاريخية كبيرة جدا، ومعنى ثقافي وعلمي في موريتانيا، وفي منطقة الصحراء الكبرى بشكل عام”.
وشدد على ضرورة تأهيل المسجد، وفق نفس النمط المعماري الذي تم تشييده عليه أصلا، وأن لا تدخل أي مكونات جديدة على المواد المحلية المستخدمة في تشييده.
شروط اليونسكو
تشترط منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم”اليونيسكو”، في عملية ترميم البنايات المصنفة كتراث عالمي، عدة معايير أهمها، أن يكون الترميم بنفس المواد الأصلية، وعلى نفس النمط المعماري الذي بنيت عليه أول مرة، وإدخال أي أدوات جديدة في عملية الترميم، قد يفضي إلى شطب المنشأة من لائحة التراث العالمي.
النمط المعماري المميز يجعل ترميم الجامع أمرا يحتاج عناية خاصة ودراية مسبقة، والتصرفات هنا محسوبة، وتسير وفقا لتعليمات فنية صادرة عن مهندس معتمد لمعاينة وضعية المسجد، للمحافظة على شكله وأمانه.
تتميز ولاتة بفن عمارة خاص بها، ويبدو ذلك من طراز مواد البناء،و في أنواع الزخرفة، واستخدام الخامات المحلية من فخار وحجارة ملونة عالية الجودة تضمن قوة البناء وانسجامه مع المشهد البيئي العام.
تقول وزارة الثقافة الموريتانية، إن باحثين غربيين وموريتانيين، حاولوا، تفسير معاني لوحات الفسيفساء التي تزين جدران ومداخل البيوت الولاتية، وقد اتفقوا على عودة بعضها لفترة ما قبل الإسلام، بما يحمله من اساطير وثنية، في حين أن بعضها الآخر إسلامي مغربي أندلسي الملامح، لحد يجعل البعض يعتقد أنه جلب من فاس أو تلمسان وهو أمر يكاد يكون متعذر الاثبات أو النفي على حد سواء.