أطاح انقلاب الغابون اليوم الأربعاء، بالرئيس المنتهية ولايته علي بانغو أونديمبا؛ الذي ورث الحكم عام 2009 من أبيه عمر بونغو، وهو واحد من أشهر رؤساء القارة الأفريقية، بعد أن قاد الدولة الصغيرة الغنية بالنفط، أكثر من 41 عاما وصنع لها سمعة ونفوذًا تجاوز القارة الأفريقية، وكانت له كلمته في دوائر النفوذ الغربية.
علي بونغو (64 عاما) تولى السلطة في انتخابات نظمت عقب وفاة والده، في حين دأبت المعارضة على إدانة استمرار “العائلة” في الحكم أزيد من 55 عاما، قبل أن ينهي ضباط من الجيش والحرس، فجر اليوم الأربعاء حكم عائلة “بونغو”.
العصر الذهبي
استقلت الغابون عن فرنسا عام 1960، ومنذ ذلك الوقت حكمها ثلاثة رؤساء فقط، سيكون الحاكم العسكري الجديد هو رابعهم، ولكن سيبقى في التاريخ أن “عمر بونغو” هو الرئيس الأطول فترة حكم من بين هؤلاء، وأكثرهم صلابة وقوة، حتى أنه أسس لحكم عائلة استمر لأزيد من نصف قرن.
حكم عمر بونغو الغابون عام 1967، خلفًا للرئيس ليون مبا الذي تسلم بدوره الحكم بعد الاستقلال، وكان يوصف بأنه أسس لحكم ديكتاتوري، وكان هدفه الأول حماية المصالح الفرنسية في المستعمرة الغنية بالنفط والموارد الطبيعية، ولكنه توفي ليخلفه شاب يدعى “عمر بونغو”.
سريعًا كسب “عمر بونغو” الاحترام في الساحة الأفريقية، بسبب وساطاته الناجحة في الأزمات الأفريقية آنذاك، بينما كان يتهم من طرف خصومه ومعارضيه بأنه كان يلعب دورًا محوريًا في “إفريقيا الفرنسية”، وهو جهاز خاص في الإدارة الفرنسية، عبارة عن شبكة تحمي العلاقات السياسية والتجارية القائمة بين باريس ومستعمراتها السابقة في أفريقيا.
مع مرور الوقت تعاظمت قوة عمر بونغو، وزادت شبكة علاقاته في القارة الأفريقية، وأصبح واحدًا من صناع القرار في أروقة الهيئات الإقليمية والقارية، وساعده في ذلك الثراء الكبير الذي يتمتعُ به، رغم التهم الواسعة التي يواجه بالفساد ونهب ثروات البلد.
ووصل نفوذ عمر بونغو إلى أروقة الإدارة الفرنسية، ومكاتب السياسيين، فكان يساهم في تمويل الحملات الانتخابية، ويدعم الرؤساء خلال الانتخابات، وظل يثير الجدل بذلك، حتى أن بعض الفرنسيين كان ينتقد نفوذ بونغو، ويقول إنه هو من يختار رئيس فرنسا ونصف أعضاء حكومتها، فيما سموه “استعمارًا معاكسًا”.
وبمناسبة عيد ميلاد عمر بونغو عام 1980، دعت ابنته باسكالين، أسطورة الريغي “بوب مارلي” ليؤدي عرضا في الغابون، وكان ذلك من أوائل العروض التي أداها المغني الجامايكي في إفريقيا، وكان هنالك حديث عن علاقة تربط باسكالين مع بوب مارلي.
الخليفة الحذر
شكلت وفاة عمر بونغو نكسة لفرنسا، فظهر ثلاثة رؤساء أفارقة في تشييع جنازته، وعدد كبير من الشخصيات السياسية المرموقة في الساحة الفرنسية، وبعض رجال الاستخبارات والأمن، ووجوه معروفة في تنظيم “أفريقيا الفرنسية”.
ولكن باريس سارعت إلى دعم ترشيح ابنه علي بونغو، من أجل خلافته في منصبه، في سيناريو مشابه لما حدث في تشاد عام 2020، حين توفي الرئيس إدريس ديبي بشكل مفاجئ، وخلفه ابنه محمد ديبي.
حاول الابن أن يظهر نوعًا من النأي بنفسه عن النفوذ الفرنسي، ولكنه في نظر معارضيه ظل دومًا ذلك الابن الذي ما يزالُ يعيش على إرث والده، وهو إرث تشكل فرنسا جزء كبيرًا منه.
تلقى علي بونغو تعليمه الجامعي في السوربون بفرنسا، قبل أن يعود ليشغل مناصب سامية في حكومة والده، من أبرزها منصب وزير الشؤون الخارجية من 1989 حتى 1991، ثم وزيرا للدفاع من 1999 حتى 2009، حين تسلم رئاسة البلاد.
بداية الضعف
أعيد انتخاب علي بونغو رئيسًا للغابون عام 2016، لولاية رئاسية ثانية مدتها سبع سنوات، وبحسب دستور البلاد فإنه لن يكون قادرًا على الترشح لولاية ثالثة.
وفي أكتوبر 2018، أصيب بونغو بجلطة دماغية بقي بعدها لمدة 10 أشهر دون ظهور علني، ورغم أنه تلقى العلاج واستعاد بعضًا من عافيته، إلا أنه ما يزال يعاني من مشاكل في الحركة.
وخلال فترة العلاج نفذ بعض الضباط محاولة انقلابية كانت فاشلة، بعد مقتل عدد من منفذيها واعتقال الآخرين، ولكن ذلك دق ناقوس الخطر في البلد الهادئ والثري.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أجرى بونغو تعديلًا للدستور غير بموجبه مدة المأمورية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، وأعلن ترشحه لولاية رئاسية هي الثالثة حسب معارضيه، بينما يرى أنصاره أنها الأولى بموجب الدستور الجديد، وكان ذلك محل جدل كبير.
في غضون ذلك، كان بونغو يظهر على أنه استعاد عافيته نسبيًا، فنظم جولات داخل البلاد وزار عددًا من الدول، وشارك في قمم عديدة.
وبالفعل ترشح للانتخابات التي نافسه فيها 14 مرشحًا، ولكنه حسمها من الشوط الأول بنسبة 64 في المائة من الأصوت، حسب نتائج مؤقتة أعلنت أمس (الثلاثاء) من طرف اللجنة المشرفة على تنظيم الانتخابات.
المعارضة رفضت هذه النتائج واتهمت الحزب الحاكم بالتزوير، فيما قطعت السلطات الانترنت عن البلاد وأعلنت حظر التجول، ليتحرك عسكريون فجر اليوم الأربعاء ويحتجزون الرئيس، ويعتقلون ابنه “نور الدين” وعدداً من الشخصيات الأخرى اتهموها بالخيانة العظمى وبتزوير توقيع رئيس الجمهورية.