يفتقر مستشفى كيدال المركزي لكافة مقومات الاستشفاء، حتى كراسي قاعات انتظار المرضى التي يبدو إن أياد ما اجتثتها، وتركتهم يفترشون البلاط الذي أنهكته الحفر وتناثرت فوقه أنواع القمامة، في مشهد كاد ينسي ساكنة المدينة أن كادرا طبيا وغرف حجز وأدوية كانت ذات يوم تعمر المكان.
الطارقي المدني الزائر لأطلال المستشفى هو بنظر المرضى المنتشرين في أرجاء المكان طبيب تنهشه أياديهم وتناشده ألسنتهم لمساعدتهم في الحصول على الدواء.. حتى أن ما تبقى من الأطباء العاملين في المستشفى يشارك المرضى في شكواهم للزائرين من انعدام الدواء وأجهزة الفحص.
لا يجد الأطباء من البمباره غضاضة في التعاطي مع المرضى بلغتهم الأم، غير مكترثين بفهم المتلقي من عدمه، في حين يعبر بعض المرضى من البدو عن حسرتهم وندمهم على قطع المسافات الطويلة نحو مستشفى كيدال لغرض الاستشفاء، موضحين أنه كان عليهم الاكتفاء بأطباء تقليديين تركوهم وراء ظهورهم.
وفي إحدى غرف المستشفى شبه المهجور تتمدد فتاة على فراش أحضره ذووها في انتظار تلقي العلاج من لدغ أفعى، فقد ازدادت حالتها سوءا وواصلت السموم سريانها في عروق الفتاة، فأمها تؤكد أن حالتها ازدادت سوء بعد حقنها بمادة تشك في نجاعتها، وتقول: “إن الأطباء هنا لا يفهمون لغتنا”.
تشرف منظمة الصليب الأحمر الدولي على المستشفى المركزي في كيدال، وعلى عدة مراكز صحية في إقليم أزواد، بما فيها مراكز على الحدود مع الجزائر.
ويؤكد رئيس مكتب المنظمة في كيدال الفاروق آغ المستقيم؛ في تصريح لصحراء ميديا، أن المنظمة؛ التي تهتم بالجانب الصحي في كيدال منذ 10 سنوات، عملت على استحداث برنامج خاص بعد الاحداث الأخيرة، مشيرا إلى أنها “تكفلت بتوفير طاقم طبي ومعدات وأدوية”.
وأوضح أن منظمة الصليب الأحمر الدولي تشرف على عشرات المراكز الصحية في مختلف مناطق إقليم أزواد.
أما رئيس مركز أطباء بلا حدود فيرى أن أكثر التحديات التي تواجههم تكمن في انعدام المعدات الطبية والأطباء المتخصصين، “خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع جرحى الحرب الذين تستقبل المراكز الصحية أعدادا كبيرة منهم منذ بداية الأحداث”؛ بحسب تعبيره.
ولم يكن المستشفى المركزي في كيدال الوحيد الذي يؤمه المرضى، رغم أنه الأفضل في الإقليم من ناحية الإمكانيات، فهناك مركز صحي مصغر قررت مجموعة شبابية من أبناء كيدال فتحه لتقديم خبراتهم لاقاربهم من أبناء المنطقة في هذه الظروف الخاصة، حيث ذكر الناطق باسم الشباب المتطوعين في تشغيل المركز الصحي البشير اغ اوغتن انهم كانوا يعملون في المستشفى المركزي قبل بدء الأحداث التي أجبرت الأطباء والخبراء العاملين في المستشفى على مغادرة الإقليم إلى جنوب مالي “لأنهم ماليون.. أما نحن الأزواديين فقد بقينا في المستشفي للإشراف على علاج أقاربنا بدون اي مقابل الى ان جاءت منظمة الطبيب الدولي فاشرفت على المستشفى وعرضت علينا العمل معها فرحبوا بالفكرة”.
وقال البشير؛ في تصريح لصحراء ميديا، إن المستشفى “كان يحتوي على مخزون هائل من الأدوية خلفته الدولة المالية وسلمناه مباشرة للمنظمة التي اشرفت على المستشفى، وبناء على ذلك لم تحضر أدوية أدوية خاصة بها”؛ على حد قوله.
واتهم البشير المنظمة بمحاولة استغلال شباب الإقليم من الأطباء، مؤكدا أنها رفضت توقيع عقود عمل معهم، “ولذلك قررنا ترك المستشفى، وفي ذات الوقت عدم حرمان أبناء وطننا من خبراتنا في الإسعاف والتمريض فكان فتح هذا المركز الصحي الذي لم يجد اي دعم من اية جهة”؛ بحسب تعبيره.
وأكد أن كل ما يتوفر عليه المركز من أدوية ناتج عن تبرعات جمعوها بالتعاون مع جمعيات نسوية وشبابية، وفي بعض الحالات جزءا من غنائم الحركة الوطنية في معاركها مع الجماعات الاسلامية من ادوية؛ على حد وصفه.
وأوضح البشير أنهم يستقبلون بعض المرضى الذين يغادرون المستشفى المركزي بسبب حاجز اللغة مع الأطباء البمباره في مستشفى كيدال، والذين يتعاقد ون مع منظمة أطباء بلا حدود، مضيفا أنهم في المركز الصحي الخاص يقومون بتحويل الحالات المستعصية إلى المستشفى المركزي، أو إلى مستشفيات النيجر.