كم من الحبر أسلنا منذ الثالث عشر من أكتوبر الماضي وقبله؟ .. وكم من الأفكار المثمرة أنتج كتابنا منذ غياب الرئيس؟ دعونا نصارح أنفسنا، معشر الكتاب، ولنقل صراحة أننا أغرقنا إعلامنا “الجائع” بما لايسمن ولا يغني من جوع..حتى أن أفكار بعضنا وصلت درجة من الضحالة والضبابية، بحيث لا يصل منها إلى المتلقي إلا السراب.
وأنتم أيها القراء، ربما تنتظرون مني أن أكون نشازا، وبدعا من الكتاب، وللأسف لن أكون عند حسن ظنكم، فما أنا إلا من غزية، وأن كنت سأضرب صفحا عن ذلك كله… لأقول ما لا أريد أن أقوله هذه المرة، إذ قد يكون ما لم يُقل أهم بكثير مما قيل، ما دام كل حزب بما لديهم فرحون..
دعوني أتقعر، أو أتفلسف قليلا، جربونا في الفلسفة أيضا، فانتقالنا من صفة المليون شاعر إلى المليون كاتب يؤهلنا لكل الصفات مستقبلا.. مما لا أريد أن أقوله هو أن تفاؤل الأغلبية ضروري أحيانا، لكونه يخرجنا من دائرة واقع لا يبعث على التفاؤل…هو قطعا أفضل من تشاؤم المعرضة الذي هو في الواقع رؤية الأشياء كما هي دون تزييف كي لا أقول “فبركة” كما يود البعض.
يؤسفني كونكم فهمتم شيئا مما قلتُ، مما لا أريد أن أقول، لكنني لا أريد أن أخرج عن سياق وصف الكاتب حبيب ولد محفوظ لطبيعة الموريتناني، حين قال في أحد مقالاته الرائعة “إنه لا يعرف ما يريد، لكنه يعرف ما لا يريد” والأمثلة كثيرة، فعند ما تكون بصدد نقاش أي موضوع مهم مع أحدهم، (زفاف أبنتكم لشخص براني مثلا)..تذكر أنك سوف تقول من ضمن ما تقول: نحن لا نريدكم أن تظنوا أن ابنتنا غير مرغوبة.. مثلا… أو تقول :لا نريد أن يظن الناس أننا الحائط القصير…مثلا؟ أو تقول: لا نريد لهذا الزفاف أن يكون عندكم..لا نريد أن تفهمو أننا سذج..
مالا نريد هو ما نقوله إذن، مثل ساستنا في الأغلبية وفي المعارضة ..أما الذي نريد، وهو أسهل، فمؤجل دائما..هذه هي مصيبتنا في السياسة كما المعاملات، وما يقع بين اثنين.. لا يروق لي أبدا أن تكون فكرتي قد وصلت، لأني لم أقل إلا ما لا أريد قوله حتى الآن..
…يقولون في ميتالوجيا أسلافنا، إن هناك صخرة تدور في السماء من قديم الزمان، تنتظر أن تصادف أحدا “يحتقر نفسه” لتسقط عليه، ولم تسقط على أحد حتى الآن..(الحجره ما جبرتْ اعل امنْ اطيحْ) إذ يعتقد الكثيرون في قرار أنفسهم أنهم لا يقلون عن الآخرين في أي شئ، لذلك فالتعالي بيننا في الفهم السياسي – على الأقل – هو مربط الفرس في علاقة ما أبين من نظامنا بمعارضتنا….وهذا أيضا مما لا أريد أن أقول.
كي لا أطيل عليكم، سأبدأ في قول ما أريد أن أقول، إن وُفقت في ذلك، فالطبع أغلب، لكن يبدو لي أنكم متلهفون لمعرفة ما يريد هذا المتطاول على الكتابة، والناقد لكتابات زملائه، أن يخلص إليه..أليس كذلك؟
هاكم باختصار ما أريد قوله:
– أريد أن أقول إن ما يريده رئيس الجمهورية من الجمهورية لم يقله قبل ذهابه، وربما لايقوله بعد عودته، لكنه يريد أن يبني نظام حكم قادر ومستقر، ومنسجم على المدى الطويل، وهو ما لم يقطع فيه أي خطوة، حين أعتقد، جزافا، أنه حكم البلاد بطاقم جديد، نظيف، من خارج جيل ولد الطايع، في الوقت الذي خدمنا جميعا، ومعنا رئيس الجمهورية، في تلك الحقبة المغضوب عليها.
والواقع أننا لم نشهد من النظام لحد الساعة غير رأسه المتمثل في ولد عبد العزيز، المنتخب شرعيا، ولا يهمني استياء البعض من هذه الشهادة، لأني، لستُ مكابرا، وراقبتُ الإنتخابات.. وأكتب ما أريد أن أقول..هذا الرئيس الشرعي أخفق فيما يسعى إليه لكونه يحكم، في الغالب، بالجيل الثاني لولد الطايع، وهو جيل لا يختلف عن سابقه إلا في نقص الخبرة السياسية والإدارية، وعدم الإقناع سياسيا..فهذا الشبل من ذاك “المفسد” مع فارق التوقيت فقط..وهنا أريد أن أقول أيضا إن نظام عزيز المزعوم، يواجه معارضة من داخله، لصعوبة فطام الجيل الثاني، وعزله عن الحظيرة التي ترعرع فيها ونهل فيها من لبن الجيل الأول، وتعود على العودة إليها كل مساء..ثم إن الرئيس عزيز نفسه، لايبدو واثقا أيضا في جيل حكمه، فلا جاه لأي منهم، ولاهم شركاء في الرأي ولا في التسيير، حسب أغلب من ألتقيتُ منهم، وهذا ربما أثر سلبا على أدائهم السياسي المتواضع أصلا…وأختلط الحابل بالنابل في صف الأغلبية، لعدم قدرتها على إقناع الرئيس بها، مما فرضه على الإحتفاظ بالمؤسسة العسكرية، كفاعل رئيس في الشأن السياسي، وطرف لا غنى عنه في اقامة التوازن المطلوب.
– أريد أن أقول، في الشق الآخر، أن ما تريده المعارضة هو السلطة، تارة بطلب رحيل رئيس قبلت بشرعية انتخابه مثلي ، وتارة بالسعي لإثبات عجزه وهو ما لم تقم عليه حجة، لكن ما لم تقله هو أنها ليست لديها مشكلة مع النظام نفسه، إذا انطلقنا من فرضية كون ولد عبد العزيز لا نظام لديه، وإنما يسند ظهره سياسيا إلى شريحة من نظام ولد الطايع، منهم الصالح ومنهم الطالح ..قد ينطبق الوصف على الجميع فنحن جميعا كنا نسبح بحمد ولد الطايع بأغلبيتنا اليوم وبغالبية معارضتنا…ومن نافلة القول أن هذه المعارضة تراهن على طول النفس، فلا شيئ تخسره ، ولو بعد حين، ولا شيئ يغريها بصفقات مع نظام لم يشرك السابقين الأولين، ولا يضير المعارضة تفاقم الركود الإقتصادي الراهن، فهو – نظريا- مسؤولية الرئيس..هي على هذا النحو تمارس المعرضة، بخشونة، سياسة الضغط على حامل الكرة..وتسعى كثيرا للإحتفاظ بهذه الكرة، أملا في تسجيل هدف..حتى في الوقت بدل الضائع…بينما يكتفي أنصار النظام بالإستماتة في الدفاع توقعا لهدف في مرماهم..
(ما الحل إذن أيها الكاتب؟ لايكفي أن تكتب لنا عبارت نابية وخاوية …أنت قطعا معارض..لا.. أنت من صف النظام لأنك تعترف بشرعية الرئيس ..صف لنا الحل؟ …هل مصلحة موريتانيا في أن تسعى المعارضة إلى “تمدين” النظام مثلا؟ وفك ارتباطه بغير الساسة.. أي خلق “النظام”؟ هل هي معارضة لشخص واحد؟ ما الرأي؟..) هذا هو ما ستقولونه إخوتي القراء..
لا جدوى من القراءة لنا نحن معشر كتاب بلد المليون كل شيئ…فنحن جزء من المشكل قطعا…. لكن سوف أتحايل عليكم، مثل غيري، ومثل معارضتكم، ومثل نظامكم، وأقول لكم إنه من مأثور جداتنا، في تَنَدُرِهِنَ على كابون (شرتات) أن الحيوانت مرت بسنوات قحط، لاتبقي ولا تذر، فجمعها الأسد في “حوار وطني شامل” لتدارس الوضع، وإبداء الرأي فيما يمكن فعله، وتم طرح آراء مختلفة من العديد من الرموز، من بينهم الأسد نفسه، والذئب، والضبع، وحتى القنفذ، وعندما طلبوا من (شرتات) تقديم رأيه، وكان وقتها جائعا منهكا، قال لهم (لو كان عندي رأي لكنتُ أكلته).
وأنتم أيها القراء، ربما تنتظرون مني أن أكون نشازا، وبدعا من الكتاب، وللأسف لن أكون عند حسن ظنكم، فما أنا إلا من غزية، وأن كنت سأضرب صفحا عن ذلك كله… لأقول ما لا أريد أن أقوله هذه المرة، إذ قد يكون ما لم يُقل أهم بكثير مما قيل، ما دام كل حزب بما لديهم فرحون..
دعوني أتقعر، أو أتفلسف قليلا، جربونا في الفلسفة أيضا، فانتقالنا من صفة المليون شاعر إلى المليون كاتب يؤهلنا لكل الصفات مستقبلا.. مما لا أريد أن أقوله هو أن تفاؤل الأغلبية ضروري أحيانا، لكونه يخرجنا من دائرة واقع لا يبعث على التفاؤل…هو قطعا أفضل من تشاؤم المعرضة الذي هو في الواقع رؤية الأشياء كما هي دون تزييف كي لا أقول “فبركة” كما يود البعض.
يؤسفني كونكم فهمتم شيئا مما قلتُ، مما لا أريد أن أقول، لكنني لا أريد أن أخرج عن سياق وصف الكاتب حبيب ولد محفوظ لطبيعة الموريتناني، حين قال في أحد مقالاته الرائعة “إنه لا يعرف ما يريد، لكنه يعرف ما لا يريد” والأمثلة كثيرة، فعند ما تكون بصدد نقاش أي موضوع مهم مع أحدهم، (زفاف أبنتكم لشخص براني مثلا)..تذكر أنك سوف تقول من ضمن ما تقول: نحن لا نريدكم أن تظنوا أن ابنتنا غير مرغوبة.. مثلا… أو تقول :لا نريد أن يظن الناس أننا الحائط القصير…مثلا؟ أو تقول: لا نريد لهذا الزفاف أن يكون عندكم..لا نريد أن تفهمو أننا سذج..
مالا نريد هو ما نقوله إذن، مثل ساستنا في الأغلبية وفي المعارضة ..أما الذي نريد، وهو أسهل، فمؤجل دائما..هذه هي مصيبتنا في السياسة كما المعاملات، وما يقع بين اثنين.. لا يروق لي أبدا أن تكون فكرتي قد وصلت، لأني لم أقل إلا ما لا أريد قوله حتى الآن..
…يقولون في ميتالوجيا أسلافنا، إن هناك صخرة تدور في السماء من قديم الزمان، تنتظر أن تصادف أحدا “يحتقر نفسه” لتسقط عليه، ولم تسقط على أحد حتى الآن..(الحجره ما جبرتْ اعل امنْ اطيحْ) إذ يعتقد الكثيرون في قرار أنفسهم أنهم لا يقلون عن الآخرين في أي شئ، لذلك فالتعالي بيننا في الفهم السياسي – على الأقل – هو مربط الفرس في علاقة ما أبين من نظامنا بمعارضتنا….وهذا أيضا مما لا أريد أن أقول.
كي لا أطيل عليكم، سأبدأ في قول ما أريد أن أقول، إن وُفقت في ذلك، فالطبع أغلب، لكن يبدو لي أنكم متلهفون لمعرفة ما يريد هذا المتطاول على الكتابة، والناقد لكتابات زملائه، أن يخلص إليه..أليس كذلك؟
هاكم باختصار ما أريد قوله:
– أريد أن أقول إن ما يريده رئيس الجمهورية من الجمهورية لم يقله قبل ذهابه، وربما لايقوله بعد عودته، لكنه يريد أن يبني نظام حكم قادر ومستقر، ومنسجم على المدى الطويل، وهو ما لم يقطع فيه أي خطوة، حين أعتقد، جزافا، أنه حكم البلاد بطاقم جديد، نظيف، من خارج جيل ولد الطايع، في الوقت الذي خدمنا جميعا، ومعنا رئيس الجمهورية، في تلك الحقبة المغضوب عليها.
والواقع أننا لم نشهد من النظام لحد الساعة غير رأسه المتمثل في ولد عبد العزيز، المنتخب شرعيا، ولا يهمني استياء البعض من هذه الشهادة، لأني، لستُ مكابرا، وراقبتُ الإنتخابات.. وأكتب ما أريد أن أقول..هذا الرئيس الشرعي أخفق فيما يسعى إليه لكونه يحكم، في الغالب، بالجيل الثاني لولد الطايع، وهو جيل لا يختلف عن سابقه إلا في نقص الخبرة السياسية والإدارية، وعدم الإقناع سياسيا..فهذا الشبل من ذاك “المفسد” مع فارق التوقيت فقط..وهنا أريد أن أقول أيضا إن نظام عزيز المزعوم، يواجه معارضة من داخله، لصعوبة فطام الجيل الثاني، وعزله عن الحظيرة التي ترعرع فيها ونهل فيها من لبن الجيل الأول، وتعود على العودة إليها كل مساء..ثم إن الرئيس عزيز نفسه، لايبدو واثقا أيضا في جيل حكمه، فلا جاه لأي منهم، ولاهم شركاء في الرأي ولا في التسيير، حسب أغلب من ألتقيتُ منهم، وهذا ربما أثر سلبا على أدائهم السياسي المتواضع أصلا…وأختلط الحابل بالنابل في صف الأغلبية، لعدم قدرتها على إقناع الرئيس بها، مما فرضه على الإحتفاظ بالمؤسسة العسكرية، كفاعل رئيس في الشأن السياسي، وطرف لا غنى عنه في اقامة التوازن المطلوب.
– أريد أن أقول، في الشق الآخر، أن ما تريده المعارضة هو السلطة، تارة بطلب رحيل رئيس قبلت بشرعية انتخابه مثلي ، وتارة بالسعي لإثبات عجزه وهو ما لم تقم عليه حجة، لكن ما لم تقله هو أنها ليست لديها مشكلة مع النظام نفسه، إذا انطلقنا من فرضية كون ولد عبد العزيز لا نظام لديه، وإنما يسند ظهره سياسيا إلى شريحة من نظام ولد الطايع، منهم الصالح ومنهم الطالح ..قد ينطبق الوصف على الجميع فنحن جميعا كنا نسبح بحمد ولد الطايع بأغلبيتنا اليوم وبغالبية معارضتنا…ومن نافلة القول أن هذه المعارضة تراهن على طول النفس، فلا شيئ تخسره ، ولو بعد حين، ولا شيئ يغريها بصفقات مع نظام لم يشرك السابقين الأولين، ولا يضير المعارضة تفاقم الركود الإقتصادي الراهن، فهو – نظريا- مسؤولية الرئيس..هي على هذا النحو تمارس المعرضة، بخشونة، سياسة الضغط على حامل الكرة..وتسعى كثيرا للإحتفاظ بهذه الكرة، أملا في تسجيل هدف..حتى في الوقت بدل الضائع…بينما يكتفي أنصار النظام بالإستماتة في الدفاع توقعا لهدف في مرماهم..
(ما الحل إذن أيها الكاتب؟ لايكفي أن تكتب لنا عبارت نابية وخاوية …أنت قطعا معارض..لا.. أنت من صف النظام لأنك تعترف بشرعية الرئيس ..صف لنا الحل؟ …هل مصلحة موريتانيا في أن تسعى المعارضة إلى “تمدين” النظام مثلا؟ وفك ارتباطه بغير الساسة.. أي خلق “النظام”؟ هل هي معارضة لشخص واحد؟ ما الرأي؟..) هذا هو ما ستقولونه إخوتي القراء..
لا جدوى من القراءة لنا نحن معشر كتاب بلد المليون كل شيئ…فنحن جزء من المشكل قطعا…. لكن سوف أتحايل عليكم، مثل غيري، ومثل معارضتكم، ومثل نظامكم، وأقول لكم إنه من مأثور جداتنا، في تَنَدُرِهِنَ على كابون (شرتات) أن الحيوانت مرت بسنوات قحط، لاتبقي ولا تذر، فجمعها الأسد في “حوار وطني شامل” لتدارس الوضع، وإبداء الرأي فيما يمكن فعله، وتم طرح آراء مختلفة من العديد من الرموز، من بينهم الأسد نفسه، والذئب، والضبع، وحتى القنفذ، وعندما طلبوا من (شرتات) تقديم رأيه، وكان وقتها جائعا منهكا، قال لهم (لو كان عندي رأي لكنتُ أكلته).