قال عمدة تمبكتو هال عثمان إن مقاتلين إسلاميين أضرموا النار في مركز أحمد باب للتوثيق والأبحاث، وأضاف أنه علم بذلك من مسؤول الاتصالات التابع للبلدية، والذي كان قد تحرك صوب الجنوب قبل يوم.
ولم يتمكن عثمان على الفور من تحديد مدى الضرر الذي لحق بالمبنى، مشيرا إلى أن من وصفهم بالمتمردين الإسلاميين أشعلوا النار أيضا في مكتبه ومنزل أحد أعضاء البرلمان.
وفي اتصال مع صحراء ميديا قال محمد المولود رمضان، مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة العربية الأزوادية، إن “مركز أحمد بابا للأبحاث والتوثيق مليء بالكتب التاريخية والمخطوطات الإسلامية المكتوبة باللغة العربية ومن طرف علماء العرب الذين قطنوا تمبكتو منذ القرن الثالث عشر، وبالتالي فإن الحريق يستهدف الوجود التاريخي للعرب في تمبكتو”.
وطالب مولود رمضان الأمم المتحدة واليونسكو بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمعرفة أسباب الحريق ومن يقف وراءه، واصفا إياه بأنه كان ضخما وتضررت منه أجزاء كبيرة من المركز الذي يقع وسط المدينة.
ونفى محمد مولود رمضان أن يكون المقاتلون الإسلاميون هم من أضرم الحريق في المركز، وقال “الإسلاميون لا يمكن أن يحرقوا المركز لأن به مصاحف وتآليف في الشريعة والفقه الإسلامي، لو كانوا يريدون حرقه لفعلوا ذلك عندما حكموا المدينة منذ أشهر”، وفق تعبيره.
وأضاف أنهم في الحركة العربية الأزوادية يعتقدون أن “الحريق عملية مفبركة من طرف الجيش المالي ومن يواليه من سكان المدينة، وذلك من أجل التغطية على جرائم الجيش المالي ضد السكان المحليين”.
المركز في سطور
تمت تسمية مركز أحمد بابا على أحد أكبر الشخصيات العلمية شهرة في مدينة تمبكتو، حيث ولد أحمد بابا التمبكتي سنة 1556 ميلادية.
ويعتبر «معهد أحمد بابا للتوثيق والأبحاث» في تمبكتو، الذي تعرض للحرق، واحدا من 60 إلى 80 مكتبة خاصة في تمبكتو؛ من بينها «مكتبة ماما حيدارة» و«مكتبة محمود كاتي»، وتحتوي جميعها على وثائق أثرية يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر الميلادي.
وبمبادرة من «اليونيسكو» أعلنت السلطات المالية سنة 1970 تأسيس «مركز أحمد بابا للتوثيق والأبحاث» ليقف وسط المدينة التاريخية في ساحة سانكوري، حيث كانت توجد منذ قرون جامعة «سانكوري» الذائعة الصيت، التي قصدها جميع طلاب العلم في منطقة الساحل والصحراء، قبل أن تتحول في العقود الأخيرة إلى أحد أكبر مساجد تمبكتو.
وتم تدشين المركز في يناير (كانون الثاني) 2009، من طرف الرئيس المالي الأسبق أمادو توماني توري، ورئيس جنوب أفريقيا، التي مولت تكاليف أشغال المركز التي وصلت إلى 2.5 مليار فرنك غرب أفريقي.
ويمتد «مركز أحمد بابا» على مساحة تصل إلى 4800 متر مربع، حيث يضم قاعة محاضرات تتسع لـ500 طالب، وقاعة مؤتمرات تتسع بدورها لنحو 300 شخص، إضافة إلى مكتبة ضخمة تحوي على آلاف المخطوطات الثمينة في مختلف المجالات العلمية.
يحتوي المركز على أكثر من 20 ألف مخطوطة؛ بعضها كان محفوظا في سراديب تحت الأرض، فيما قام المركز حتى الآن بمعالجة أكثر من 18 ألف مخطوط، بينما كان المشرفون عليه يسعون لمعالجة أكثر من 300 ألف مخطوط موجودة في تمبكتو وضواحيها لدى العائلات الكبيرة التي تعتبر هذه المخطوطات تراثا خاصا بها وتركة من الأجداد، ويقدر الباحثون عدد المخطوطات المنتشرة في منطقة أزواد بنحو مليون مخطوط لدى العائلات البدوية المتنقلة.
وكانت مهمة «مركز أحمد بابا» هي تصنيف المخطوطات التي يتم العثور عليها وحمايتها وترميمها، إضافة إلى تصويرها من أجل تشكيل مكتبة إلكترونية أكثر قدرة على البقاء والصمود، حيث تشمل هذه المخطوطات كتبا في التاريخ على غرار «اليهود في تمبكتو» و«تاريخ السودان» للمحمود قاطي، المؤلف في القرن الخامس عشر، و«تاريخ الفتاش» لعبد الرحمن السعد في القرن السابع عشر، إضافة إلى مؤلفات في الفلسفة والقانون واللاهوت واللغة والرياضيات والفقه وأصول الحكم، وكتب طبية تتحدث عن مضار التبغ ووصفات للأدوية والعلاجات، مع مؤلفات أخرى تشير إلى الحركة التجارية الكبيرة التي شهدتها المدينة في مجال بيع العبيد وتحريرهم، وأسعار الملح والتوابل والذهب والريش.
وتوجد ضمن هذه المخطوطات مراسلات بين الملوك في منطقة الصحراء الكبرى، التي تمت زخرفتها بماء الذهب الذي كان ينتشر بكثرة في المنطقة، إضافة إلى مخطوطات ثمينة تم نقلها من بلاد الأندلس عندما خرجت من سلطة المسلمين في القرن الخامس عشر إبان ازدهار تمبكتو. وشكلت هذه المخطوطات التي حاول «مركز أحمد بابا» جمعها وتصنيفها، عامل جذب لعدد من الرحالة والمكتشفين الغربيين؛ على رأسهم الفرنسي رينيه كاييه والأسكوتلندي مونغو بارك وصولا إلى الألماني هنريخ بارت، الذين انبهروا بالثروة التي تحويها مدينة تمبكتو.
وبينما كانت مخطوطات مكتبات تمبكتو مهددة بالضياع نتيجة للظروف الصعبة التي تحفظ فيها والطبيعة الصحراوية للمنطقة، كانت النيران دائما حاضرة لتأخذ نصيبها من هذه المخطوطات؛ حيث سبق أن تعرضت لحرائق عدة؛ قد لا يكون حريق «مركز أحمد بابا» آخرها في ظل توتر الوضع بمنطقة الساحل عموما وشمال مالي خصوصا.