تعيش مدينة تجكجه، عاصمة ولاية تكانت، منذ عدة أيام انقطاعاً في التيار الكهربائي بسبب تعطل المولد الذي يزود المدينة التاريخية بالكهرباء، ورغم جهود السلطات المحلية والإدارة المركزية إلا أن سكان المدينة يخشون وقوع كارثة اقتصادية بسبب تزامن أزمة الكهرباء مع اقتراب «موسم الكيطنة»، وتفاقم «أزمة العطش».
وقالت مصادر لـ «صحراء ميديا» إن أغلب أحياء المدينة تغرق في ظلام دامس منذ عدة أيام، باستثناء منطقة محدودة يوجد بها المستشفى، تحصل على التيار الكهربائي عبر مولد ضعيف (300 كيلووات) ولساعات فقط.
وأوضحت المصادر أن الأزمة بدأت عندما تعطل المولد الكهربائي قبل عدة أيام، وهو الذي يعمل منذ سنوات من دون أن يكون معه أي مولد احتياطي، وفي ظروف مناخية صعبة ودرجات حرارة مرتفعة جداً، على حد تعبير المصادر.
وكشفت المصادر أن الشركة الموريتانية للكهرباء (صوملك) أبلغت قبل عدة أشهر بأن المولد بدأت تظهر عليه بعض المشاكل الفنية، ولكن الشركة لم تتحرك رغم التحذيرات من وقوع الكارثة، وبعد أن تعطل المولد بشكل نهائي أرسلت الشركة بطلب من السلطات المحلية، فرقة فنية حاولت إصلاح المولد ولكن من دون جدوى.
في غضون ذلك كانت السلطات الموريتانية قد استوردت مولدان كهربائيان، أحدهما من أجل تسوية أزمة الكهرباء في تجكجه، ولكنهما لن يصلا قبل نهاية الشهر، فيما يطالب سكان المدينة بحل عاجل ينقذهم من «كارثة اقتصادية وبيئية» في انتظار وصول المولد وتركيبه.
ويشير السكان إلى أن خيارات عديدة أمام الشركة الموريتانية للكهرباء من أجل تسوية الأزمة، ولو مؤقتاً في انتظار حل نهائي، وجميعها لن تكلف أكثر من 30 مليون أوقية قديمة، وهو مبلغ يرى السكان أنه «زهيد» بالمقارنة مع تداعيات الأزمة التي تهدد المدينة التاريخية (تأسست في القرن السابع عشر) وموسمها السنوي.
من جهة أخرى يتحدث السكان عن أزمة عطش قديمة، تفاقمت أكثر خلال الأيام الأخيرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، إذ أكد السكان أن عدداً من الآبار الارتوازية التي تزود أحياء المدينة بالمياه الصالحة للشرب، تعمل بالتيار الكهربائي.
كما أن نسبة معتبرة من واحات المدينة المشهورة، كانت تعتمد على التيار الكهربائي من أجل التزود بالمياه وسقي النخيل، ومنذ انقطاع التيار الكهربائي أصبح خطر العطش يهدد النخيل القائم في أودية تجكجه منذ عدة قرون.
ولكن ما يخشاه السكان أكثر هو ضياع موسم «الكيطنة» الحالي بسبب العطش الذي يهدد بتلف محصول التمور المتواضع أصلاً، ويعتقد السكان أن استمرار أزمة الكهرباء ونقص المياه سيقضي على محصولهم، ويؤدي إلى فشل موسم انتظروه لعدة أشهر من أجل تعويض خسائرهم التي تفاقمت بسبب جائحة «كورونا».
ويطلق السكان نداء موجهاً إلى السلطات العليا بضرورة إيجاد «حل عاجل» ينقذ موسمهم السنوي، خاصة وأنهم ألغوا «مهرجان التمور» السنوي تماشياً مع الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات للحد من انتشار جائحة «كورونا»، وقد كان مهرجاناً يشكل فرصة لإنعاش الحركة الاقتصادية والثقافية في المدينة.
إن انقطاع أزمة الكهرباء والمياه في مدينة تجكجه، النائمة منذ عدة قرون على هضبة تكانت، يشكل تهديداً حقيقياً لنمط حياة الموريتانيين الأوائل من سكان الواحات، وتاريخاً عريقاً من الصمود، وينذر بالقضاء على واحدة من أعرق المدن الموريتانية.
يقول أحد المهتمين بتاريخ تجكجه، معلقاً على الأزمة الحالية: «تجكجه تعيش منذ أكثر من قرن على عائدات الأشهر الثلاثة المقبلة (يوليو، أغسطس، سبتمبر)، لأن جميع أبنائها الموجودين في نواكشوط، أو في أي مكان من العالم، يعملون طيلة العام، ويجمعون المال لصرفه رفقة أسرهم خلال الصيف في المدينة».
ولكن تأثير الأزمة الحالية يتجاوز الجانب الاقتصادي ليمس المجال الثقافي، فموسم «الكيطنة» يمثل بالنسبة لمدينة تجكجه، وغيرها من مدن الواحات في موريتانيا، حدثاً ثقافياً تنتظره مئات الأسر من أجل ربط أطفالها وشبابها بجذورهم، ومنحهم فرصة لاكتشاف المدن التي أسسها الأجداد وكيف كانوا يعيشون قبل قرون.
ويعتقد أحد السكان المحليين في تجكجه أنه في حالة غياب المياه والكهرباء لن يجرؤ أحد على المجيء إلى تجكجه لقضاء موسم «الكيطنة»، قبل أن يعلق بحسرة: «إذا لم تحل المشكلة بسرعة فستتحول تجكجه إلى مدينة ميتة».
وفيما ترزح مدن موريتانيا تحت جائحة «كورونا» التي أنهكت الاقتصاد الوطني، تجد مدينة تجكجه نفسها من دون كهرباء أو مياه، ولكن أحد سكانها يعلق قائلاً: «نحن متأكدين من أن الحكومة تعمل على حل المشكلة، ولكن ما نحتاجه هو حل عاجل.. لتفادي الكارثة».