عقدت المعارضة مؤتمرا صحفيا يوم الفاجعة خصصته بالكامل تقريبا لحادثة تسليم السنوسي إلى الحكومة الليبية المنتخبة ولست طبعا في وارد تبرير تسليم رجل ربما يتعرض لانتهاكات على يد حكومة بلاده ربما تسبب تلك الانتهاكات حرجا لجميع المواطنين باعتبار المسؤولية الأخلاقية للشعب عن “الضيف المجرم” لكن الحرج شيء والكارثة والعدوان شيئ آخر
فلم تخصص منسقية المعارضة مؤتمرها الصحفي للحديث عن حرج تسليم السنوسي بينما نعيش مأساة قتل فيها ستة عشر من الدعاة المسالمين غدرا بعد أن اقتيدوا إلى مكان قتلهم قسرا وبدم بارد ثم تركوا ملقيين على الأرض لمدة أربعين ساعة وفي غابة موحشة يا لها من وحشية موغلة في الإجرام!؟
يوجد في موريتانيا ثمانون حزبا تقريبا عشرة منها على الأكثر أحزاب واقعية موجودة على الساحة الوطنية أما البقية فهي أحزاب افتراضية أو أحزاب كرتونية ولعل أول الأحزاب تصدر بيانا حول الفاجعة كانا حزبا “تواصل” و “اتحاد قوى التقدم” وقد جاءا متأخرين نسبيا عن هول الفاجعة أي بعد ست ساعات من تأكيد الخبر أما الأحزاب الأخرى والتي طالما تشدقت بحب الوطن وكرامة المواطن وقدسية دمه فلم تكلف نفسها عناء كتابة أسطر حول الحادث إلا بعد وقت طويل ولعل بعضها لم يصدر حتي الآن وقد ووريت جثامين الشهداء الثرى أي بيان !
بادرت بعض الأحزاب إلى إصدار بيان تستنكر فيه الفيلم المسيئ للنبي صلى الله عليه وسلم وتشجب بكل عبارات التنديد إرهاب المتظاهرين الليبيين في قتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وكأنه مواطن من “فصالة” أو “كيهيدي ” أو “أفديرك” ساعات قليلة بعد الحادثة بينما كلفها تحرير بيان حول قتل مواطنين موريتانيين غيلة وبدم بارد أربعا وعشرين ساعة وا أسفاه!!
الأحزاب الافتراضية كانت لها خرجاتها الإعلامية التي لم تخرج عن سياق نشاطها المعهود في التسبيح بحمد الجنرال من خلال بيان لحزب ولد أصيبوط يقذع فيه زعماء أحزاب المعاهدة بعدما بدئوا ينتقدون الواقع لحاجة في نفس مسعود أوربما رغبة في التمرد والخروج من الكهف,
أما أحزاب الأغلبية فمن سوء حظ الفاجعة أنها لم تصادف موسم البيانات بالنسبة لها وهو لقاء الشعب وزيارات الرئيس للداخل ومادام الأمر كذ لك فربما تطالعنا بعد أشهر أحزاب من قبيل إعادة التأسيس أو حركة التجديد أو الوسط الديمقراطي ببيانات حول الفاجعة ونحن في الانتظار,
أما النقابات المهنية وهيئات المجتمع المدني فقد كان تعاملها مخزيا مع الفاجعة حيث لم تصدر أي بيان باستثناء مركزيتين نقابيتين ونقابة الممونين الباحثة بدورها عن خطف الأضواء والتي لم يمضي أقل من شهرين على انطلاقتها
وسائل الإعلام الرسمية كانت كعادتها ولم تفاجأ أحدا في تغطيتها للفاجعة فقد عنونت الوكالة الرسمية للأنباء الخبر بعد ثمان ساعات من تأكيده بما نصه “وفاة 12 موريتانيا ضمن مجموعة دعوية في مالي” وكأن سبب الموت هو الملاريا أو العطش! لتواصل في ثنايا الخبر والذي جاء في خمسة أسطر وتحت فقرة منوعات بعبارات مقززة ومثيرة للاشمئزاز من قبيل لقوا مصرعهم..إلخ ولم تنشر خبر الصلاة على جثامين الشهداء إلابعد خمسة عشر ساعة من الصلاة وهي التي تنشر تصريحات وزير خارجية “سانوغو” الحقير في القصر الرئاسي بعد ساعة منها إنها وبحق الوكالة الرسمية للأنباء!!!
غياب الرئيس عن الصلاة على الشهداء غير مبرر إلا إذا كان من باب الحفاظ عن النفس وهو الذي لم تستطع جحافل الأمن حمايته من هجمة الغاضبين في خرجاته الأخيرة وقد أحسن حين واصل طريقه من المطار إلى المر آب ! أما غياب زعماء المعارضة عن الصلاة باستثناء نائب رئيس “تواصل” فأخشي ما أخشاه أن يصدق عليه ماكتبه أحد نشطاء فيس بوك “غياب زعماء المعارضة عن استقبال جثامين الشهداء هو رسالة مفادها : نهتم بكم وأنتم أحياء ولكم (أصوات ) أما وقد انقطعت ” أصواتكم ” فيكفيكم إصدار بيان ، والبيان كثير…”
عموما كان دور الصحافة المستقلة مهنيا ووطنيا في التعامل مع المأساة كما استطاع المواطنون العاديون أن يجعلوا من مواقع التواصل الاجتماعي مواقع حزينة أيام الفاجعة واستطاعوا تحويلها إلى منبر لتكوين رأي عام بدأ يتبلور فيا نخبتنا من الساسة حذاري فثمة جبهة قوية تتشكل.