لا زالت الفضائيات تطالعنا كل يوم وكل ساعة بموقف الإدارة الأمريكية الذي ظاهره مبدأ احترام حرية التعبير.. في نفس الوقت الذي تطالعنا الفضائيات بتهافت المسلمين من كل حدب وصوب على السفارات الأمريكية نصرة لنبيهم ولدينهم، في الوقت الذي التزمت فيه الحكومات العربية بكثير من برودة الأعصاب وحماية المصالح الأمريكية فيها واكتفت بعض الحكومات بالشجب والاستنكار ولولا ضغط الشعوب المسلمة على هذه الحكومات أتراهم يستنكرون؟!!!
إن من أوضح المعاني في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتمية الصراع بين الحق والباطل.. التدافع والتنافر لا التعايش والتسامح رغم أنوف المنهزمين الذين تكاد تموت فيهم الغيرة على الدين والعرض..
أيها القارئ الكريم لا أحد أعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم ودينه من الذين عايشوه وشهدوا صدقه وعاينوا أخلاقه، ورغم ذلك نقرأ في صحيح السيرة أن أشد المعارضة والأذية والاستهزاء لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عليهم رضوان الله كان من أعرف الناس به نسبا وأخلاقا ودينا.. حتى نزل قول الله عليه مواسيًا له: [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ].. [الأنعام 34].. وقال سبحانه :[ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ].. [الأنعام 10]..
ولنعد أخي القارئ إلى بدايات الدعوة لنعرف كيف أن سنة الابتلاء والتدافع سنتان ماضيتان على كل بني البشر بل وبني الجن.. فلما تنزَّل قول الله: [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ].. قال صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات: ( ولّى زمان النوم يا خديجة ).. فجهر بدعوة الحق وهو الأعزل.. فأوذي في الله ما لم يؤذَ قبله أحد.. وقاسى الاضطهاد والعذاب هو وأتباعه، فما يقول لأتباعه إلا: ( صبراً إن موعدكم الجنة ).. (أنكم قوم تستعجلون) كل هذا لتحرير البشرية من وثنية الشرك، وضياع المصير..
قاسى من أهل مكة ما قاسى.. آذاه أهله وأقاربه ووصموه بالكذب، والسحر والشعوذة.. والتفريق بين المرء وأهله بعد ما كان الصادق الأمين.. فما زاده ذلك إلا ثباتاً ويقيناً..
ثم تطور الصراع إلى أن عرضوا عليه الملك والنساء والمال والسلطان.. فجاهدهم بالقرآن كما أمره الله تبارك وتعالى: [ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ].. ولما هددوه وتآمروا عليه قال: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) ..
فلما ماتت خديجة المثبتة له بعد الله ومات عمه الذي كان يحميه خرج للطائف يعرض عليهم عزَّ الدنيا، وشرف الآخرة فلما آيس منهم قال لهم: اكتموا أمري..
فغدروا به وأغروا به صبيانهم وسفاءهم وقعدوا له صفين على طريقه فأخذوا يرمونه بالحجارة وهم يستهزئون ويسخرون، فخرج هائماً على وجهه لم يفق إلا في قرن المنازل يقول – بأبي هو وأمي -: فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال وسلم عليه ثم قال له يا محمد: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال الرحمة المهداة: ( بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً )..
تلك أخي القارئ كانت بدايات الصراع بين الحق والباطل أو حلقة من حلقاته الذي كان قائدها هو الرحمة المهداة، فما ذا ننتظر اليوم من أبناء القردة والخنازير؟ الذين عبدوا كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى المستحق وحده للعبادة والتعظيم.. هذه المرة يعتذر الرئيس الأمريكي عن الفلم المثير للاشمئزاز على حد تعبير إدارته بأنه لا يمكن التعرض لحرية التعبير في دولة الحريات والديموقراطية، ترى لو كان المشكك فيه هو المحرقة التي قال أكذب البشر أنها وقعت عليهم من الهالك هتلر أكان الرئيس الأمريكي سيعتذر بمعبوده “حرية التعبير” ؟؟!! أو لوكان المستهزأ به هو الديانة اليهودية المحرفة أكان موقف الإدارة الأمريكية هذه حاله؟
الإجابة بكل تأكيد كلا، أخي القارئ ليست القضية قضية فيلم يسيء إلى ديننا فحسب بل هي حرب أمريكا المقدسة على الإسلام والمسلمين فقد احتلوا بلاد المسلمين واستباحوا دماءهم واغتصبوا نساءهم وملؤوا سجونهم وسجون غيرهم من المسلمين والمسلمات ودنسوا كتاب ربنا وهذه المرة شاركهم في هذه الحرب يهودي حاقد هو مخرج الفيلم وبعض الحاقدين من أقباط مصر في المهجر، ودور الإدارة الأمريكية هو حمايتهم من غضب المسلمين وانتقامهم منهم، ففي قوانينهم الطاغوتية السخرية بالأديان محرمة إلا بدين الإسلام..
وقبل أن أختم هذا المقال أيها القارئ الكريم لا بد من فقرات أسطر من خلالها بعض خصال نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وأتم التسليم.
هذا نبينا كما في الكتاب والسنة
قال تعالى: [ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ] .. [الحجر: 72].. يقول ابن عباس: ما خلق الله، وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره إنه محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، سيد ولد آدم ولا فخر ..
قال تعالى: [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ] [الأنبياء: 107].. نعم رحمة فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة..
عند مسلم من حديث أبي هريره: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين قال: ( إني لم أُبعث لعَّانا، وإنما بُعثت رحمة )..
عن جابر بن سمره رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضْحِيان – ليلة مقمرة لا غيم فيها – وعليه حُلّة حمراء ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان في عيني أحلى من القمر ..
يقول كعب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر .. ما أحسنه وما أجمله يقول أهل العلم إن كان يوسف عليه السلام أُعطي نصف الجمال فإنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم قد أُعطي الجمال كله..
عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب رائحة من رائحته صلى الله عليه وسلم ..
يقول أنس رضي الله عنه: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَال – أي نام لوقت القيلولة – فعرق وكان كثير العرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تُسلت العرق فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ ؟!).. قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ..
يوم أن تحمَّل الأمانة، وكُلِّف بالرسالة، جاء إلى خديجه خائفاً يقول: ( زملوني .. زملوني )..
فقالت بكل ثقة لأنها تعرف طهره وعفافه: والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتَصْدُقُ الحديث وتُعين على نوائب الحق، علمت رضي الله عنها أنَّ من يتصف بهذه الصفات لا يُخذل أبداً… فلما سمعت خديجة رضي الله عنها كلامه، وطمأنته وهدَّأت من روعه انطلقت به إلى ابن عمها ورقه بن نوفل، وكان قد تنَصَّر وعنده من العلم ما عنده… فلما سمع كلام خديجة رضي الله عنها قال رحمه الله وهو خائف وَجِل: قدوس.. قدوس .. والذي نفسي بيده لئن كنتِ صدقت يا خديجة إنه لنبي هذه الأمة… ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي لموسى عليه السلام، وإنك نبي هذه الأمة ولتؤذينْ، ولتُقاتلنْ، ولتُنصرنْ بإذن الله… ثم قال ورقه للنبي صلى الله عليه وسلم: ليتني كنت فيها جذعاً – أي ليتني كنت فيها شاباً – والله لأنصرنّك نصراً مؤزراً..
ثم أخذ برأس النبي صلى الله عليه وسلم، فقبله، وقال: ليتني معك حين يخرجك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: أوَ مخرجي هم ؟!. فقال: ورقه رحمه الله: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ..
هذه -عباد الله- أقوال وأحاسيس من عايش النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به فإليكم بعض أقوال المنصفين الذين لم يروه ولم يهدهم الله للإسلام:
هذا نبينا من أفواه النصفين والمبشرين
يقول العالم الألماني المعاصر رودي بارت (Rudi, Part) في كتابه الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 15:
“كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به”..
ويقول الدكتور دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana في كتابه تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 406:
“كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب”..
ويقول أستاذ الدراسات العليا بباريس مكسيم رودنسن: “..
[بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع”.
ويقول مدرس اللغات والتاريخ بجامعة السوربون كلود كاهن Cl. Cahen في كتابه تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، م:1 / ص:14:
“اصطبغت شخصية محمد [صلى الله عليه وسلم] بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى”..
ويقول المسيحي د. نظمي لوقا Dr. N. Luka في كتابه محمد الرسالة والرسول، ص: 28:
“.. ما كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل [عليهم السلام]، وهمة البطل، فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل”..
ويقول أيضا في نفس الكتاب:
“.. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته، قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا”..
عباد الله هذا هو نبينا وتلك هي أمريكا حامية اليهود.. أبعد هذا يبقي في نفس مؤمن حب أو استعطاف لهذه الدولة التي تزعم الديمقراطية؟!!! الديموقراطية التي خربوا بها بلاد المسلمين بعد خراب دينهم.. أبعد هذا نشهد لهم بالحرية والحضارة والعدالة؟!!!
وأخيرا عباد الله اسمعوا هذا الخبر، ولنبكي سوياً على أنفسنا، ذكر صاحب الدرر الكامنة في المجلد الثالث، ص: ( 202 ).. أنَّ جماعه من كبار النصارى ذهبوا لحفل أمير مغولي قد تنَّصر فأخذ أحد دعاة النصارى يسبّ النبي صلى الله عليه وسلم
وكان هناك كلب صيد مربوط فزمجر الكلب بشده ووثب على الصليبي فخلصوه منه بصعوبة فقال رجل منهم: هذا لكلامك في محمد .. فقال الصليبي: كلا .. بل هذا الكلب عزيز النفس .. رآني أشير فظن أني أريد أن أضربه .. ثم عاد لسب النبي صلى الله عليه وسلم بوقاحه أشد مما كان.. عندها قطع الكلب رباطه .. ووثب على عنق الصليبي .. وقلع زوره في الحال .. فمات من فوره .. فأسلم نحو من أربعين ألفاً من المغول ..
غارت وغضبت الكلاب .. فأين غضبتنا ؟؟!!..
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا.. فقالوا يا رسول الله ألسنا بإخوانك قال بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض .. فماذا عسانا أن نقول له إذا ورد الناس حوضه وقال لنا: استهزئوا بي وشتموني وآذوني فماذا فعلتم دفاعاً عني وعن عرضي !!!..
اللهم إنا نبرأ إليك من أفعال اليهود والنصارى والمنافقين فارحم ضعفنا وتفريطنا ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إن من أوضح المعاني في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتمية الصراع بين الحق والباطل.. التدافع والتنافر لا التعايش والتسامح رغم أنوف المنهزمين الذين تكاد تموت فيهم الغيرة على الدين والعرض..
أيها القارئ الكريم لا أحد أعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم ودينه من الذين عايشوه وشهدوا صدقه وعاينوا أخلاقه، ورغم ذلك نقرأ في صحيح السيرة أن أشد المعارضة والأذية والاستهزاء لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عليهم رضوان الله كان من أعرف الناس به نسبا وأخلاقا ودينا.. حتى نزل قول الله عليه مواسيًا له: [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ].. [الأنعام 34].. وقال سبحانه :[ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ].. [الأنعام 10]..
ولنعد أخي القارئ إلى بدايات الدعوة لنعرف كيف أن سنة الابتلاء والتدافع سنتان ماضيتان على كل بني البشر بل وبني الجن.. فلما تنزَّل قول الله: [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ].. قال صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات: ( ولّى زمان النوم يا خديجة ).. فجهر بدعوة الحق وهو الأعزل.. فأوذي في الله ما لم يؤذَ قبله أحد.. وقاسى الاضطهاد والعذاب هو وأتباعه، فما يقول لأتباعه إلا: ( صبراً إن موعدكم الجنة ).. (أنكم قوم تستعجلون) كل هذا لتحرير البشرية من وثنية الشرك، وضياع المصير..
قاسى من أهل مكة ما قاسى.. آذاه أهله وأقاربه ووصموه بالكذب، والسحر والشعوذة.. والتفريق بين المرء وأهله بعد ما كان الصادق الأمين.. فما زاده ذلك إلا ثباتاً ويقيناً..
ثم تطور الصراع إلى أن عرضوا عليه الملك والنساء والمال والسلطان.. فجاهدهم بالقرآن كما أمره الله تبارك وتعالى: [ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ].. ولما هددوه وتآمروا عليه قال: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) ..
فلما ماتت خديجة المثبتة له بعد الله ومات عمه الذي كان يحميه خرج للطائف يعرض عليهم عزَّ الدنيا، وشرف الآخرة فلما آيس منهم قال لهم: اكتموا أمري..
فغدروا به وأغروا به صبيانهم وسفاءهم وقعدوا له صفين على طريقه فأخذوا يرمونه بالحجارة وهم يستهزئون ويسخرون، فخرج هائماً على وجهه لم يفق إلا في قرن المنازل يقول – بأبي هو وأمي -: فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال وسلم عليه ثم قال له يا محمد: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال الرحمة المهداة: ( بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً )..
تلك أخي القارئ كانت بدايات الصراع بين الحق والباطل أو حلقة من حلقاته الذي كان قائدها هو الرحمة المهداة، فما ذا ننتظر اليوم من أبناء القردة والخنازير؟ الذين عبدوا كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى المستحق وحده للعبادة والتعظيم.. هذه المرة يعتذر الرئيس الأمريكي عن الفلم المثير للاشمئزاز على حد تعبير إدارته بأنه لا يمكن التعرض لحرية التعبير في دولة الحريات والديموقراطية، ترى لو كان المشكك فيه هو المحرقة التي قال أكذب البشر أنها وقعت عليهم من الهالك هتلر أكان الرئيس الأمريكي سيعتذر بمعبوده “حرية التعبير” ؟؟!! أو لوكان المستهزأ به هو الديانة اليهودية المحرفة أكان موقف الإدارة الأمريكية هذه حاله؟
الإجابة بكل تأكيد كلا، أخي القارئ ليست القضية قضية فيلم يسيء إلى ديننا فحسب بل هي حرب أمريكا المقدسة على الإسلام والمسلمين فقد احتلوا بلاد المسلمين واستباحوا دماءهم واغتصبوا نساءهم وملؤوا سجونهم وسجون غيرهم من المسلمين والمسلمات ودنسوا كتاب ربنا وهذه المرة شاركهم في هذه الحرب يهودي حاقد هو مخرج الفيلم وبعض الحاقدين من أقباط مصر في المهجر، ودور الإدارة الأمريكية هو حمايتهم من غضب المسلمين وانتقامهم منهم، ففي قوانينهم الطاغوتية السخرية بالأديان محرمة إلا بدين الإسلام..
وقبل أن أختم هذا المقال أيها القارئ الكريم لا بد من فقرات أسطر من خلالها بعض خصال نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وأتم التسليم.
هذا نبينا كما في الكتاب والسنة
قال تعالى: [ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ] .. [الحجر: 72].. يقول ابن عباس: ما خلق الله، وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره إنه محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، سيد ولد آدم ولا فخر ..
قال تعالى: [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ] [الأنبياء: 107].. نعم رحمة فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة..
عند مسلم من حديث أبي هريره: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين قال: ( إني لم أُبعث لعَّانا، وإنما بُعثت رحمة )..
عن جابر بن سمره رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضْحِيان – ليلة مقمرة لا غيم فيها – وعليه حُلّة حمراء ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان في عيني أحلى من القمر ..
يقول كعب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر .. ما أحسنه وما أجمله يقول أهل العلم إن كان يوسف عليه السلام أُعطي نصف الجمال فإنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم قد أُعطي الجمال كله..
عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب رائحة من رائحته صلى الله عليه وسلم ..
يقول أنس رضي الله عنه: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَال – أي نام لوقت القيلولة – فعرق وكان كثير العرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تُسلت العرق فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ ؟!).. قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ..
يوم أن تحمَّل الأمانة، وكُلِّف بالرسالة، جاء إلى خديجه خائفاً يقول: ( زملوني .. زملوني )..
فقالت بكل ثقة لأنها تعرف طهره وعفافه: والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتَصْدُقُ الحديث وتُعين على نوائب الحق، علمت رضي الله عنها أنَّ من يتصف بهذه الصفات لا يُخذل أبداً… فلما سمعت خديجة رضي الله عنها كلامه، وطمأنته وهدَّأت من روعه انطلقت به إلى ابن عمها ورقه بن نوفل، وكان قد تنَصَّر وعنده من العلم ما عنده… فلما سمع كلام خديجة رضي الله عنها قال رحمه الله وهو خائف وَجِل: قدوس.. قدوس .. والذي نفسي بيده لئن كنتِ صدقت يا خديجة إنه لنبي هذه الأمة… ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي لموسى عليه السلام، وإنك نبي هذه الأمة ولتؤذينْ، ولتُقاتلنْ، ولتُنصرنْ بإذن الله… ثم قال ورقه للنبي صلى الله عليه وسلم: ليتني كنت فيها جذعاً – أي ليتني كنت فيها شاباً – والله لأنصرنّك نصراً مؤزراً..
ثم أخذ برأس النبي صلى الله عليه وسلم، فقبله، وقال: ليتني معك حين يخرجك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: أوَ مخرجي هم ؟!. فقال: ورقه رحمه الله: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ..
هذه -عباد الله- أقوال وأحاسيس من عايش النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به فإليكم بعض أقوال المنصفين الذين لم يروه ولم يهدهم الله للإسلام:
هذا نبينا من أفواه النصفين والمبشرين
يقول العالم الألماني المعاصر رودي بارت (Rudi, Part) في كتابه الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 15:
“كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به”..
ويقول الدكتور دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana في كتابه تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 406:
“كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب”..
ويقول أستاذ الدراسات العليا بباريس مكسيم رودنسن: “..
[بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع”.
ويقول مدرس اللغات والتاريخ بجامعة السوربون كلود كاهن Cl. Cahen في كتابه تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، م:1 / ص:14:
“اصطبغت شخصية محمد [صلى الله عليه وسلم] بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى”..
ويقول المسيحي د. نظمي لوقا Dr. N. Luka في كتابه محمد الرسالة والرسول، ص: 28:
“.. ما كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل [عليهم السلام]، وهمة البطل، فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل”..
ويقول أيضا في نفس الكتاب:
“.. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته، قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا”..
عباد الله هذا هو نبينا وتلك هي أمريكا حامية اليهود.. أبعد هذا يبقي في نفس مؤمن حب أو استعطاف لهذه الدولة التي تزعم الديمقراطية؟!!! الديموقراطية التي خربوا بها بلاد المسلمين بعد خراب دينهم.. أبعد هذا نشهد لهم بالحرية والحضارة والعدالة؟!!!
وأخيرا عباد الله اسمعوا هذا الخبر، ولنبكي سوياً على أنفسنا، ذكر صاحب الدرر الكامنة في المجلد الثالث، ص: ( 202 ).. أنَّ جماعه من كبار النصارى ذهبوا لحفل أمير مغولي قد تنَّصر فأخذ أحد دعاة النصارى يسبّ النبي صلى الله عليه وسلم
وكان هناك كلب صيد مربوط فزمجر الكلب بشده ووثب على الصليبي فخلصوه منه بصعوبة فقال رجل منهم: هذا لكلامك في محمد .. فقال الصليبي: كلا .. بل هذا الكلب عزيز النفس .. رآني أشير فظن أني أريد أن أضربه .. ثم عاد لسب النبي صلى الله عليه وسلم بوقاحه أشد مما كان.. عندها قطع الكلب رباطه .. ووثب على عنق الصليبي .. وقلع زوره في الحال .. فمات من فوره .. فأسلم نحو من أربعين ألفاً من المغول ..
غارت وغضبت الكلاب .. فأين غضبتنا ؟؟!!..
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا.. فقالوا يا رسول الله ألسنا بإخوانك قال بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض .. فماذا عسانا أن نقول له إذا ورد الناس حوضه وقال لنا: استهزئوا بي وشتموني وآذوني فماذا فعلتم دفاعاً عني وعن عرضي !!!..
اللهم إنا نبرأ إليك من أفعال اليهود والنصارى والمنافقين فارحم ضعفنا وتفريطنا ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه حماه الله ولد حننَّ، إمام وخطيب جامع عبد الله بن المبارك،
وموظف بوزارة التعليم العالي، وأستاذ جامعي بالجامعة اللبنانية الدولية،
نواكشوط 28 شوال لعام 1433 هـ،
الموافق 15- 09 – 2012م.