المحطةـ3ـ تيرس زمورـ “فات القطار”..!
ازويرات :سعيد ولد حبيب
أي مدينة تلك التى يستوي فيها الغروب والشروق ، صورة واحدة للحظتين زمنيتين ليس ذلك بفعل عوامل التغير المناخي انما بسبب كتل جبال الحديد الداكنة التي تصهر الصباح والمساء، فيبدوان “كتوأم سيامي..”
تلتف المدينة في جوف الحديد ، تقرء تفاصيلها من بعيد وانت تطل على كتاب مفتوح في المنتصف كأنك تركب محرك الخرائط في الشبكة العنكبوتية او لكأنك تنظر الى رقعة شطرنج تضيق فيها مساحات التحرك لانها محفوفة بالحصون من كل الجهات.
تلك مدينة ازويرات الموريتانية الغنية بالحديد ، قد نفهم انطلاقا من ذلك اصرار “ميتال الهندي بطل فيلم “البحث عن المعدن الثمين” على عدم اليأس من الحصول على صفقة مربحة في جبال تغري المستثمرين العرب ايضا.
مستقبل المنطقة وبحسب الخبراء واعد لانها تحوي خامات معدنية كثيرة ، في وقت قريب ستتمكن كبرى شركات المعادن اسنيم من تصدير ما يقارب 20 مليون طن من الحديد سنويا يحدثنا موظف في الشركة…الارقام مرجحة للوصول الى ضعف ذلك العدد في غضون العقدين القادمين، يبحث الغربيون عن المعادن الثمينة اينما كانت كما يبحثون عن مناخ حار يفتقدونه في بلادهم التى تموت حيتانها من البرد ، بعد وقت قصير تتغير الوان اجسادهم ويكتسبون سمرة كسمرة السكان الاصليين ، ربما لا يهمهم النظر الى المرآة بقدرما يهمهم اكثر النظر الى البورصات”
شهدت اسعار الحديد العالمية ارتفاعا غير مسبوق في العقد الاخير يرجعه المحللون الاقتصاديون الى النمو المتواصل لجمهورية الصين الشعبية التى تحتاج الى كميات كبيرة من تلك المادة لمشاريع بناء مدن عديدة ضمن سياسة حكومة بيكين لتوفير السكن لمليار ونصف من المواطنين، مشروع ضخم جعل تلك الدولة تشتري كميات كبيرة من الحديد ما ادى الى ارتفاع سعره لقلة المعروض منه ، والحاجة الى فتح المزيد من الاسواق ، ثمة شيء يثير مخاوف البعض سيما في موريتانيا وهو ان المشروع الصيني الضخم الذي يلتهم صادرات الحديد اوشك على الاكتمال وهو ما يعني ان الكساد قد يعود الى تجارة الحديد هذا في وقت يرى اخرون ان موريتانيا لم تستفد من تلك الطفرة وانه ربما يفوتها القطار فيما يتعلق بجني ارباح منها قبل فوات الاوان
قطار ازويرات هو الاخر يفوت المسافرين هذه الايام ،يبدو ان مكوناته قد ترهلت او ان مناعته ضعفت امام الكميات الكبيرة التى بات لزاما عليه حملها للتصدير ، لم نصادف تلك المعلمة البارزة فقد صارت تتعرض لاعطاب وحوادث ترغمها على التوقف لبعض الوقت ، نصادف عربات منه وهي تجر الات ومعدات الصيانة وعندما ننظر الى اماكن التصنيع والاستخراج ننصف ذلك الشيخ الذي بات ينوء كلكله عن حمل الجبال.
يوسع غياب القطار مساحات التهريب في مناطق مفتوحة على المجابات الكبرى ، شاحنات السجائر تسلك طرقا غير معهودة تحاول مجانبة أي طريق قد توجد به دورية للدرك او الجيش
تمر السجائر والمحروقات في سيارات وشاحنات في كل الاتجاهات ،
ناخذ نصيبا من مازوت ازويرات المخفض سعره الذي يصل لتر منه لحدود 180 اوقية نتذكر باقي المناطق الموريتانية التى تشهد شهريا زيادة في اسعار المحروقات فنشفق على الكثيرين ممن يدفعون ما يقارب 400 اوقية لشراء لتر واحد من البنزين
يجد الخصوم في السياسة مواد للتنابز والتكابش خلال هذه المرحلة التى تشهد سجالا متواصلا بينهم ، يتحدث الموالون عن جهود جبارة للاستفادة من الموارد الاقتصادية والاموال المتحصل عليها من خلال شركة اسنيم حيث يقولون ان السكان بدءوا في الاسفادة من الخطط الحكومية المنتجهة في اطار السياسة المعدنية الجديدة ، يشكل الجرنالية صوتا يعلو على اصوات الماكينات هنا : الاف العمال بين راضي وناقم
تمكنت من تجاوز امتحان اكتتب الجرنالية وسوف ندخل في دورة تكوينية انا و100 من زملائي للحصول على عقود ووظائف في الشركة يقول احد الجرنالية
لكن اصواتا اخرى تتصاعد مطالبة وهي تقول كفى من الغبن والتهميش ، يشكو ضحايا الشغل في المعادن من الاهمال ملمحين الى امكانية قيامهم باعتصامات متواصلة للفت الانتباه الى معاناتهم ، تضرب الخلافات السياسية باطنابها في ازويرات ، يحاول حزب التحالف خلية الازمة ضم ناقمين على الحزب الام الى صفوفه ، يعتبر بعض هؤلاء ان املهم يتحول سرابا بعد ان قرر رئيس الحزب والبرلمان التغريد خارج السرب ، لقد نسي معاناتنا و اختار رفاهيته وثلة من الذين معه اما نحن فسنختار ايضا سبيلا ” يقول احد نشطاء التحالف الغاضبين
كنا قد مررنا بمدينة افديرك التى شهدت استغلال اول معدن للحديد في موريتانيا ، يبدو انها ايضا كانت محطة من محطات الحياة الوظيفية لاول رئيس لموريتانيا المرحوم المختار ولد داداه ، لقد عمل مع جدي قبل عقود هنا كمترجم يقول لنا احد احفاد شيخ من شيوخ الصوفية كان من مؤسسي افدريك ، ومنذ ذلك التاريخ لا يدفع السكان فاتورة الماء ولا الكهرباء … نعود الى افدريك لنجلب من الماء المجاني اكياسا فنحن نحزم حقائبنا في رحلة العودة … الى اللقاء