مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، قامت في بلادنا مؤسسات ديمقراطية ،أسوة ببنات عصرها من الدول النامية حديثة العهد بالاستقلال، وذلك بعد إجراء بعض التمارين التطبيقية على عمليات متعلقة بالممارسة الفعلية للعلبة الديمقراطية ، كعمليات :الترشيح ـ الدعاية ـ الاقتراع ـ …الخ. كان ذلك من خلال الانتخابات البلدية سنوات:86 ــ87ــ 88 من القرن الماضي.
وقد فهم المواطن العادي ذلك على أنه لعبة فقط لا أكثر، فيما اعتبره بعض الساسة وسيلة للتكسب عن طريق الترشيح والفوز أو التشكيك في نزاهة عملية الاقتراع، وتحميل السلطات الحاكمة مسؤولية الفشل ،وهكذا تعين على المرشحين الفاشلين تشكيل عصابة تدعي وحدة المصير و تتخيل عدوا مشتركا متمثلا في السلطات الحاكمة، وكذلك أي شخص يعطيها ولاء أو يعيرها اهتماما، وبذالك تصبح كل الوسائل المتاحة مشروعة للتخلص من الحاكم والمحكوم على حد السواء، ولأجل ذلك يشهر هؤلاء اسلحتهم المتمثلة في الخيانة والتجسس والولاء للعدو، بالإضافة إلى التحريض على الفساد و الفوضى والعصيان.
ويستخدم لأجل تحقيق ذلك التلاميذ والطلاب والقصر وأحيانا ذوي الاحتياجات الخاصة . ويكون تبني كل الافعال الطائشة و المخالفة للقانون مسؤولية عينية لأعداء النظام كما يدعون، مثل تفنيد اقواله وتسفيه افعاله .
وبغية الحصول على بعض الدعم المادي والمعنوي يتخندق المرشحون الفاشلون في خندق واحد ويطلقون على انفسهم انفسهم إسم: ” المعارضة الديمقراطية ” ، بغية خداع الرأي العام وكذلك إضفاء قدر من الشرعية على كل نشاط يقومون به ، فتكون الدول الاستعمارية اول المعترفين والمشرعين و ايضا الممولين، مقابل ان يكونوا لهم الموجهين والضامن لمصالح الامبريالية ردا للجميل.
وبغية انجاز هذه المهمة وتلك، تتناقض المعارضة والاستعمار في الظاهر ويتعانقان في الخفاء. وبهذا تلعب المعارضة دور الضحية بعد تنفيذها الجريمة ،ليس بحق المواطن فحسب بل وفي حق الوطن ايضا، وبهذا تكون خيمة المعارضة قبلة يتجه اليها المفسدون والخونة، بالإضافة الى ذوي السوابق العدلية والمنتظرين للملاحقة العدالة.
بيد انه سبق وقد كان قدر الخائن أي كان ــ سحب الثقة من نفسه أولا قبل سحبها من صديقه ــ يتنازع اقطاب المعارضة على زعامتها ويتهم كل منهم الاخر بالعمالة والتخابر لصالح السلطات الحاكمة ،في حين يتباهى الاخرون بصغر النظام في عيونهم وقدرتهم على النيل منه واستخدام جميع الوسائل لذلك، مع غض الطرف عن العواقب مهما كان حجمها ، وفي هذه المرحلة يكون هناك نوع من الثقة المتبادلة في ما بينهم، غير انه سرعان ما ينفجر مع اول استحقاق فعلي، حين يجتمع اقطاب المعارضة تحت سقف واحد بغية حسم قرار وحيد و مصيري في استحقاق حقيقي ، لتكون النتيجة خروج القوم من قاعة الاجتماع!
بقرارات بعدد رؤوس شعر رؤوسهم ، وذلك ما يؤدي إلى نتيجة حتمية ألى وهي الفشل التام الذي يتناسون خلافاتهم وصراعاتهم الداخلية ، ويكون القرار الوحيد الذي يتم الإجماع عليه هو “تزوير السلطات الحاكمة الانتخابات ” كمبرر وحيد للفشل ، وبهذا نعود إلى المربع الأول .ما دام المبرر قاسما مشتركا للجميع.
وفي السنوات الأخيرة ومع تطور المؤسسات الديمقراطية الوطنية، اصبح لزاما إشراك كل الفاعلين السياسيين في كل مراحل عملية الاقتراع ،بدء بإعداد اللائحة الانتخابية وانتهاء بعملية فرز الاصوات ،وذلك عن طريق اللجنة المستقلة للانتخابات ، والتي يٌمثل فيها كل الاطياف السياسية .
ومع خسارة بعض الاحزاب لانتخابات شاركت فيها اعدادا وتنفيذا، يصبح من اللازم الاعتراف بنتائجها ــ وذلك ما يفعله البعض ــ .إلا ان أخر يرى لنفسه وجها فولاذيا يضع امامه خيارين يمكن ان يختار بينهما وهما:
أ ــ الاعتراف بنتائج الانتخابات كواقع يلامس الحس و يلزم الضمير ويحتم احترام إرادة الناخب والمشاركة في بناء وتطوير مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ب ــ التشكيك في نزاهة الانتخابات والجزم بأنها زورت. ثم المبادرة الى سحب الثقة من كل الممثلين داخل الهيئات الانتخابية، وبعد ذلك الرجوع الى الخندق الاول و الحفاظ على وسيلة الكسب الاولى،التي تم التعود عليها.
ومن المؤكد اخيرا ان المواطن الموريتاني أصبح اكثر فهما للسياية من الساسة انفسهم، ولا يشك إثنان في كون تحليله لاحداث الساعة الان يميز بجدارة ما بين الصالح من الطالح ،إلى درجة أنه يضع الحدود بين الموالاة المصلحة لا الموالاة المفسدة ،و المعارضة البناءة لا المعارضة الهدامة.
ــــــــــــــــــــــ