عند نهاية 2011 يكون الوزير الأول مولاي ولد محمد الاغظف قد أكمل ثلاث سنوات على رأس الوزارة الأولى، شهد فيها أحداثا وطنية جسيمة لم تعد إدارة الدول فيها بالأمر الهين، ففيها وقع انقلاب عسكري أقام الدنيا ولم يقعدها، وواجهت فيها الدولة الموريتانية هزة سياسية لم تشهدها من قبل، شركاء دوليون يعلنون عن وقف دعمهم، وسلطة غير معترف بها، ومعارضة شرسة تحاول قلب الطاولة على من فوقها.
رغم تلك الهزات ظل ولد محمد الاغظف يواجه التحديات، ويعمل كتكنوقراطي على رسم الخطط التنموية، غير مهتم بدعوات الحصار وتجريم المسؤولين في حكومته ومنعهم من السفر، مبتعدا بنفسه عن المهاترات السياسية غير مبال بالأصوات التي ترتفع هنا وهناك من خصوم النظام مطالبة بإقالته.
فربما يكون هم التكنوقراطي، الذي تم تعيينه من سفير لموريتانيا في بروكسل وزيرا أول، ليس الدخول في الحلبة السياسية، والتي لم يكن احترافها في تلك الآونة مكسبا في نظام أتى لمسح الطاولة والدعوة لتغيير جميع الوجوه التي حملت وزر فساد الدولة من قبله، نظام يريد الحديث مع الشعب مباشرة عبر وجوه لم يعرفها من قبل ويعتبر ولد محمد الاغظف من تلك الوجوه، فهو شخصية تكنوقراطية لم يكن له حضور متميز في السياسية، معروف بعلاقاته المتميزة مع الشركاء الدوليين من خلال وظيفته كسفير في الاتحاد الأوربي، رجل هادئ يجيد الاستماع ولا يضايقه النقد، حسب من يعرفونه..
تلك الخصال مجتمعة جعلت الوزير الأول يحصل على ثقة ولد عبد العزيز، حيث استطاع الرجل في سنة، ورغم ظروف الحصار أن يجسد على الأرض برنامج ولد عبد العزيز الذي منحه الثقة ويهيئ الأرضية له للاحتفاء بتلك الامتيازات، مبتعدا في نفس الوقت عن الأضواء، وبذلك حصل على الثقة للإشراف على حكومة الوحدة الوطنية التي قادت انتخابات 2009 والتي فاز فيها الرئيس ولد عبد العزيز في الشوط الأول رغم شراسة المعركة وقوة التنافس.. لينال بعد ذلك بجدارة الثقة من جديد، ويشرف على وضع الخطط لحكومة ما بعد الانتخابات، ويقود المفاوضات مع الاتحاد الأوربي والتي كانت نتائجها جد إيجابية رغم تشكيك خصومه..
كما واجه بحنكة الأزمات السياسية التي مرت بها البلاد، من خلال استيعاب حركة شباب 25 فبراير، فبدل قمعها قام بالحوار المباشر معها، واستعراض مطالبها ومحاولة تلبية ما أمكن منها.. كما نجحت حكومته في احتواء الأزمات السياسية، إذ استطاع أن يدخل في حوار مع المعارضة ويقنع بعض أطرافها بالحوار والوصول إلى نتائج كانت حسب أطرافها جد إيجابية.
تشكيك وعتاب
لا يتوانى خصوم النظام عن نعت حصيلة ولد محمد الاغظف و إنجازاته بالهزيلة، ووصف الجهاز الإداري التابع له بعدم الكفاءة وانعدام الخبرة، غير أن مراقبين يرون عكس ذلك، فما تم إنجازه في السنوات الماضية لا يمكن مقارنته بحصيلة ثلاث سنوات.. صحيح أن لحكومة الرجل عدة أخطاء ترجع في الأساس إلى ضعف كفاءة بعض الطاقم الحكومي التابع له وهو ما أنهكه، حسب البعض، وجعله يجر القاطرة لوحده ويحاول ما أمكن أن يسد تلك الثغرات.
معتبرين أن الحوار الذي تم تنظيمه في السابق ما بين بعض قوى المعارضة والنظام قد أشار لذلك من خلال المطالبة بمنح الوزير الأول صلاحيات واسعة تمكنه من اختيار طاقمه الوزاري حتى يصبح مسؤولا بصورة مباشرة عن جميع الأخطاء ومحاسبته عليها.
تلك صفحة جديدة يتطلع الكثيرون إلى رؤيتها مع مطلع السنة الجديدة، ويرى مراقبون أن مولاي ولد محمد الأغظف من خلال تجربته الغنية كتكنوقراطي، وكسياسي هذه المرة خبر الساحة السياسية وتعامل مع كل أقطابها في المعارضة والموالاة، في فترة كانت الذروة في التسخين واستطاع أن يقود فيها السفينة بأمان. مولاي ولد محمد الاغظف، حسب هؤلاء، بما يتمتع به من ثقة عند ولد عبد العزيز، هو من سيقود السفينة في المستقبل مع بعض الرتوش الكبيرة، خاصة في ظل الحديث عن تعديل وزاري جديد، ستسقط معه وجوه من الحكومة الحالية والإتيان بوجوه جديدة.
صحيفة المستقبل