قد تتساءل وانت تقطن هذا البلد الذي لايتجاوز قاطنته الأربعة ملايين نسمة ويحظى بثروات ومقدرات اقتصادية هائلة ومساحة جغرافية شاسعة وموقعا استراتيجي مميز ذا اطلالة رائعة على المحيط الاطلسي , تتساءل لما نمتاز بكل هذه المميزات ولانزال نصنف ضمن قائمة أوائل الدول الاكثر فقرا في العالم حسب (مجلة غلوبال فايناس الإقتصادية) في حين ان هناك بعض من الدول التي لا تمتلك نصف ثروتنا وتصنف بأنها من اطور البلدان واكثرها تقدما,
في ظل هذه المفارقة العجيبة المتناقضة لاترى جوابا شافيا ولا سببا واضحا سوى الفساد الفساد ولعنته التي عمت جميع قطاعاتنا فلا يكاد يوجد قطاع حيوي في موريتانيا إلا ويفتقر الى ادنى مقومات الاصلاح , فإلى متى سيبقى الإصلاح حلما يراودنا وهاجسا في اذهاننا ؟ متى سنراه وقد تجسد على ارضنا وبات حقيقة راسخة وواقعا لامفر منه :لكن ماذا عساك تقول وانت تقطن بين شعب حملته التقاليد البدوية والتشبث بها على إعتماد مبدأ الفوضى العارمة واللامبالاة فالنظام الإداري والقانوني بل النظام التسيري بشتى انواعه هومسألة شبه معدومة في موريتانيا , موريتانيا البلد والمجتمع الذي حملته الصراعات المادية ايضا على الإغفال وعدم الإكتراث لحقيقة وطنه المتهاوية التي ظلت تتوارى شيئ فشيئا جراء التمادي في الفساد والتغاضي عنه ,
إن مجتمعنا الموريتاني كاد يعتنق التقاليد دينا بدل دينه إن صح لي التعبير لمتانة تشبثه بها, اني لا ادعو لتمرد على العادة كما لا انكر ان هناك عادات اجابية انما ادعو للحد منها وجعلها مواكبة للعصر فشعوب العالم قد طورت عاداتها وتقاليدها حتى لا تقف عقبة في طريق نهضتها وان لاتحول بين توعية مجتمعاتها, ونحن لازلنا نسير على وتيرة واحدة في التفكير والارادة والطموح فلا داعي لأن نخدع انفسنا ونتوهم ان بلادنا قد نمت بل العكس فبلادنا بحاجة الى ضبط شفاف وصارم لجميع إداراتها حتى تتخلص من وباءات عدة الرشوة والتزوير والتلاعب وغيرها من الممارسات التي قد ألفها مجتمعنا التي قد آلت به الى اسوء الأوضاع, وبالتالي لابد من ان تتوفر لدينا روح التعاون والتكاتف الوطني لمكافحتها.
ومن هنا لابد لي ان اشير الى ان موريتانيا قد شهدت ومنذ منتصف العقد الأخير وقبل الشعوب العربية الثائرة تحولات وتغيرات في بنيتها السياسية لكنها تحولات نسبية لاتفي ولاتكفي فموريتانيا بلد بحاجة الى تحول كلي يغير العقلية من جذورها ونمط التفكير ,وبذلك فهي بحاجة الى تطوير وإعادة تشكل لمختلف مجالاتها وخاصة المجال السياسي والإعلامي والرياضي والفني بمختلف اشكاله ,وهذا حتى تضع بصمات حية وعصرية لثقافة مجتمعها الأصيل والمميز,وحاجتها الأخرى والتي لاتقل اهمية عن سابقاتها تكمن في خلق مشاريع استثمارية واقتصادية فعالة من قبل الدولة والفاعلين بالمجتمع من تجار وغبرهم حتى تسد بذلك حاجة المواطن وتتوفر الفرص الكافية للعمل وبهذا تصبح الدولة قد ساهمت في التخفيف من مستوى ومعدل ظاهرة البطالة المتفاقمة في صفوف الشباب.
وعليها ايضا بإنشاء بننا تحتية بالقدر الكافي بما يخدم البلد فإنه لايخفي على احد ابدا ان بلادنا تعاني نقصا حادا وكسادا فائقا في المنشئات والمباني التحتية الخاصة والعمومية,هذا بغض النظر عن مسائل الحياة الضرورية كالصرف الصحي ومواد الكهرباء والماء …الخ , , واني اتساءل واقول انه اذا لم نعرف طبيعة مجتمعنا الصانعة لهذا الداء معرفتا حقيقية فإننا لن نستطيع مطلقا معالجة واقعنا فالأحرى بنا هو معالجة انفسنا.
إذا لم نعرف ان الاحتكار السياسي والمادي هما ابرز دوافع التخلف والرجعية فكيف سنبني ونعمر, وكيف سنخلق بلدا ديمقراطيا خال من معوقات الجهوية والقبلية والمحسوبية وغيرها من مظاهر التخلف العنصري , إن اصلاح واقعنا الموريتاني قد كبلته من جهة اطماع السياسات السابقة المتناقضة واغراض المخربيين الساعية للثراء على حساب الشعب المهمش الضعيف وبذلك وضعت للفساد بصمات حية ستظل محفورة في ذاكرة ووجدان كل مواطن موريتاني , كما عرقلته من جهة ثانية عقليات المجتمع المتخلفة الضيقة وعدم الإنفتاح على الآخر مما جعل الدائرة تحوم حول نفسها ,وان تصحيح هذا الواقع الآن ان لم نكن قد دخلنا في حيزالتمني يتطلب الارادة الصادقة الجادة من طرف المواطن اولا والدولة ثانيا وكما قال الشاعر .(إذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستحيب القدر) , ومن منا لايريد الحياة الكريمة النبيلة ,وهذه الحياة قد تتوفر دون قيام ثورة او حدوث تخريب لأن الثورة بالأساس ليست في صالحنا إنما صالحنا يتطلب تصفية ومحاربة المفسدين دون غيرهم الذين يمثلون عقبة في وجه التنمية وحاجزا منيعا امام الاصلاح , ومحاربة المفسدين هنا لاتكون بمفسدين أمثالهم بل بأناس شرفاء لايخافون إلا على مستقبل موريتانيا ومصير ابنائها ,فأقول يامن تدعي المواطنة الخالصة وحب البلاد الراسخ إني ألقي بظلال هذه المهمة عليك , ولا اخص هنا اية حكومة من اخرى حالية او قادمة ولا أي حزب من آخر ,وانما اخص المواطن الموريتاني الحريص على خدمة بلاده وشعبه وعلى ان يكون لهما دور وتأثير في مختلف المجالات , فيا ايها الموريتاني آن لك ان تدرك في في ظل هذه التغييرات المتتالية والصحوة العربية ان الجلوس خلف الستار والتغاضي عن همومك لم يعد ذا جدوى فقد آن لستارة ان تنزل كما آن لك ان تبني وتعمل , وفي الأخير فإني لاأرجو لبلادي سوى الخير وان تصير من ارقى البلدان , وان تستعيد عافيتها وان تستيقظ من سباتها الطويل لتبصر حاضرها المفجع, فترسم آفاقا مختلفة وخطوات ثابتة لمستقبل مشرق وجميل , واقول واكرر بإن الإصلاح لا يتم إلا بإرادة صادقة ووطنية خالصة ,وإلا كان الاصلاح مجرد صيحة في واد سحيق
دعوني احلم بمستقبل زاهر لبلادي علني إذا افقت اجد الحلم قد تحق
36340134