السيارة المفخخة توقفت أمام مبنى الولاية قبل انطلاقها بسرعة نحو تفجير الهدف
النعمة ـ الرجل بن عمر
يستعيد أهالي مدينة النعمة؛ عاصمة ولاية الحوض الشرقي بموريتانيا، ذكري ثاني مرة يتعرضون فيها لخطر مدمر، حيث كانت المرة الأولي عشية استقلال البلاد حين هاجم جيش التحرير ثكنة عسكرية مستهدفا الوجود الفرنسي في البلاد.
كان الضابط المداوم وقتها اسمه معاوية ولد الطائع، لكن الحادثة الثانية استهدفت وجود الدولة الموريتانية نفسها في إطار الحرب الدائرة مع الجماعات السلفية المقاتلة.
قبل سنة فقط كان الحادث مهولا والشظايا التي تطايرت في كل مكان تركت دويا في الذاكرة لم يلتئم بعد.. لم يكن أحد من العسكريين القائمين على المنطقة العسكرية الخامسة، في ولاية الحوض الشرقي، يدرك خطورة التهديد الإرهابي الذي صمم لنسف قاعدتهم العسكرية، خاصة حين سقطت في أيديهم صورا مسجلة تشرح كيفية تنفيذ عملية انتحارية في مكان ما، ضد قواعد للجيش الموريتاني.
كان ذلك قبل الحادث وكان الشريط أيضا يعرف بمنفذ العملية، الذي لم يكن إلا الانتحاري “إدريس”، الشاب الأسمر المنحدر من ولاية لعصابه، وتحديدا مقاطعة كيفة، وسط البلاد؛ بحسب مصادر عسكرية فضلت عدم كشف هويتها.
الرابع عشر رمضان حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل قدمت سيارة من نوع “راندجردوفير” من مكان ما وتوقفت قليلا أمام مبنى ولاية الحوض الشرقي، على بعد 70 مترا من بوابة المنطقة العسكرية الخامسة.
ظلت السيارة توقد ضوءا حادا سبب الإزعاج لحراس الثكنة، الذين تعالت صيحاتهم من أجل إخلاء المكان وعلى الفور، لكن الوضع ازداد سخونة حين هم الانتحاري بالتقدم نحو أفراد العسكر المداومين.
رفع الانتحاري من عداد السرعة وأندفع بسيارته نحو البوابة، غير مكترث لصرخات الحراس، وبسرعة البرق تحول المكان إلى أكوام من الغبار والدخان.. ودوى انفجار عنيف سمع دويه من مسافة 40 كلم؛ بحسب سكان محليين.
لثوان من الوقت دخلت الثكنة العسكرية بمن فيها حالة غيبوبة، بحسب تعبير أحد المصابين، بعدها تفقد الحرس أسلحتهم في عتمة الغبار والدخان، الذي لا زال يملأ المكان.
وبعد فترة وجيزة قدم عدد من الضباط والجنود وأخذوا يتفقدون ضحايا العملية، الذين لم يزد عددهم على ثلاثة جنود تم نقلهم على الفور لتلقي الإسعافات الأولية.
بحسب مواطنين وتجار في سوق النعمة فإن الدوى الذي خلفه الانفجار تسبب في فتح وكسر أغلب أبواب المتاجر والمخازن التي تأكد أصحابها من غلقها بعد مغادرة السوق مساءا.
الشاب، عاله ولد الساس، تصلب كأس الشاي بيده حيث كان رفقة صديقه أثناء احتفاله بمناسبة زفافه، المقام أيام قليلة قبل الحادث، ويقول “عاله” إن أحد أصدقائهم عجز عن القيام حين هموا بالذهاب للاستقصاء عن ما حصل.
سيدنا علي ولد محمد، حارس بالمندوبية الجهوية للتعليم، خرج لتوه من بيته لكن قوة الانفجار جعلته عاجزا أمام سؤال زوجته، حين استفسرت عما حدث!، وحين عاد إلى وعيه ذهب لتفقد مبنى المندوبية فوجد زجاجه مهشم.
جزء من سلاح “كلاشنكوف” كان يتأبطه الانتحاري أثار قلق عناصر الدرك، حين سقط على مركزهم، الواقع على بعد أمتار من مكان الحادث، بينما تناثرت أشلاؤه في أماكن متعددة، كشف عنها في الصباح الباكر.
ما إن اندفعت سيارة الانتحاري نحو أفراد الثكنة، حتى بادر أحدهم بإطلاق نار كثيف أربك الانتحاري وجعله يرتطم بالحاجز الأمني ثم بصخرة إسمنتية مثبتة بجواره، وعلى الفور تطايرت البوابة إلى شظايا بفعل كثافة وقوة مادة TNTالتي كانت تعبئ السيارة لغاية تفخيخها.
قضى الانتحاري على الفور، وتحولت جثته إلى أشلاء متناثرة يقول السكان المحليون إنه تم جمعها من عدة أماكن؛ حيث سلم ما جمع منها لقوات الدرك الوطني للقيام بالتحاليل الطبية.
يتفق كثير من العسكريين على أن العملية كانت تستهدف تدمير ثكنتهم كمركز لسيادة الدولة في ولاية الحوض الشرقي، دون أن يجزم آخرون أن هدف التنظيم كان مقتصرا على مخازن السلاح الموجودة بالثكنة.
ويتفق محللون مع الرأي الأخير مدللين على ذلك بتسلح الانتحاري الذي سعى للاشتباك مع القوات المدافعة في حالة صده عن الهدف المركزي للتنظيم، وهو ما يثير السؤال نفسه، خاصة ونحن نعيش تداعيات العملية الانتحارية الفاشلة وفي الذكرى الثانية لها.
ووفق تلك التحاليل فأن السؤال هو: هل حقا فشلت عملية “إدريسا الكيفي”؟. أم أن غاية التنظيم قد تحققت لمجرد النفاذ لعمق أكبر منشئة عسكرية في واحدة من أكثر ولايات الوطن خطورة وحساسية في الحرب التي أعلنها النظام على الإرهاب؟.
ثم أين كانت الثغرة الأمنية التي تسلل منها الانتحاري بسهولة؟. وهل فعلا تم اتخاذ تدابير احترازية حتى لا يتكرر السيناريو الأليم، الذي يلوح شبحه في الأفق، مع حلول منتصف الشهر الكريم؟.