في حي « سوكوجيم لكصر » العتيق وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط، تلمح لافتة توجيهية تشير إلى مقر ما كان يُعرف سابقا باسم « الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي »، وحكم موريتانيا لأزيد من خمسة عشر عاماً، غيّر الحزب اسمه بعد الإطاحة بمؤسسه معاوية ولد سيد أحمد الطائع، وغير الموريتانيون وجوههم شطر حزب الدولة الجديد.
أضاف الحزب لاسمه كلمة « التجديد » بدل « الاجتماعي »، ولكن ذلك لم يسعفه بتجديد خلاياه التي ظلت تذبل بهدوء ودون أن يُحس أحد، فالحزب الذي جمع تحت رايته مختلف أطياف الموريتانيين وكان ساحة تتصالرع فيها الرجال من أجل القوة والنفوذ، ها هو ينحسر ويتلاشى بعيداً عن الأنظار.
تشير الأرقام إلى أن الحزب الذي حكم موريتانيا منذ بداية التعددية السياسية مطلع تسعينيات القرن الماضي، وحتى الانقلاب العسكري عام 2005، يعد اليوم من أقل الأحزاب السياسية ترشيحاً في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية الحالية.
فالمصادر تشير إلى أن الحزب ينافس على ثلاثة مقاعد فقط من أصل 157 مقعداً برلمانياً، وسبعة مجالس بلدية من أصل أكثر من مائتي مجلس بلدي، فيما يغيب عن الانتخابات الجهوية التي تنظم لأول مرة في موريتانيا.
وتضع هذه الأرقام الحزب الأشهر في تاريخ موريتانيا ضمن قائمة الأحزاب الأكثر تهديداً بالحل بقوة القانون، في حالة عجزها عن الحصول على واحد في المائة من الأصوات المعبر عنها، فهل تكون هذه هي آخر انتخابات يخوضها « الحزب الجمهوري ».
عام الهزة
فى أعقاب الإطاحة بالرئيس الموريتاني السابق « ولد الطائع » شهد الحزب الجمهوري هزة عنيفة أفقدته الكثير من تماسكه، فالجميع كان يتطلع للمستقبل الذي بدا واضحاً أن الحزب لن يكون شريكاً فيها كما جرت بذلك العادة في موريتانيا.
قال الباحث الدكتور سيد أحمد ولد الأمير إن الحزب كان يضم « معظم كوادر الدولة وموظفيها الكبار، بالإضافة إلى شيوخ القبائل والوجهاء وزعماء المجتمع الزنجي التقليديي،ن فضلا عن قياديي حركة الحر التاريخيين (حركة الأرقاء السابقين) وأغلب أوجه الجيل القديم من الحركة الناصرية. كما تسانده رابطة العلماء الموريتانيين التي تضم فقهاء وأئمة، وتقف وراءه غالبية رجال الأعمال الموريتانيين ».
وعلى الرغم من هذه القوةى الضاربة، إلا أنه بعيد الانقلاب اجتمع المجلس الوطني للحزب وانتخب قيادة جديدة، ومع ذلك فإن أغلب قياداته ترشحت بشكل مستقل في الانتخابات النيابية والبلدية الموالية (2007).
رفض الحزب أن يموت في تلك الانتخابات، ونجح في أن يضمن أكثر من خمس نواب في الجمعية الوطنية مع عدة بلديات ريفية، حصيلة كانت كافية لتضمن له البقاء على قيد الحياة لعدة سنوات لاحقة.
مع الموالاة
« الحزب الجمهوري » الذي تعود على دهاليز السلطة، لم يلبث أن عاد إلى أحضان الأغلبية الرئاسية، فلم يكتب في جيناته الوراثية أن « يعارض » من يقيم في ذلك القصر الرمادي.
في أول حكومة للوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف، بعد الإطاحة بالرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، عاد « الحزب الجمهوري » إلى بقعة الضوء، حين أسندت له أربعة حقائب وزراية، هي الثقافة وترقية الاستثمار والتجارة والإعلام، حملها كل من المرحوم سيد ولد صمب وبا هودو، وسيد أحمد ولد الرايس والكوري ولد عبد المولى.
لم يدم تمثيل الحزب في الحكومة طويلاً، وذلك لأسباب عديدة، فقد أبصر النور في نفس الفترة حزب حاكم جديد، أخذت قياداته أماكنها فى أول تعديل وزاري لاحق.
كما أن تباعد نقاط الالتقاء بين الرئيس محمد ولد العزيز، وقيادات « الحزب الجمهوري » ساعدت في انحسار دوره كفاعل فى « الأغلبية الرئاسية »، وبالتالي اختفى الحزب فى عتمة سياسية فرضت عليه.
مسار الانحسار
حين كان السياسيون في موريتانيا يبتعدون عن « الحزب الجمهوري » نجح الحزب في أن ينتزع خمس مقاعد برلمانية في انتخابات 2007، إلا أنه فشل في المحافظة على هذا الرقم خلال الانتخابات التشريعية الماضية (2013) فاكتفي بمقعدين برلمانيين، أحدهما عن اللائحة الجهوية لمدينة نواكشوط والآخر على لائحة النساء ومن نصيبه رئيسته المتماسكة منتاته بنت حديد.
كان الحزب يكابد التحولات التى شهدتها الساحة السياسية، وفي السنوات الخمس الأخيرة خسر الحزب العديد من قياداته، لينعكس ذلك لاحقا على حجم مشاركته في هذه الانتخابات، إذ لم يشارك إلا في 7 بدليات توزعت بين اكوينيت فى الحوض الشرقي إلى تاركنت أهل مولاي اعل في كوركول، وبلدية نواذيبو واكجوجت، أما في العاصمة فقد اختار الحزب المشاركة فى بلديات تيارت ودار النعيم وعرفات.
أما على مستوى النيابيات فقد قدم الحزب لائحة على جهوية في نواكشوط، وأخرى وطنية مختلطة، فيما تصدرت رئيسة الحزب اللائحة الوطنية للنساء.
في رحلة صعوده إلى « الهاوية السياسية » في موريتانيا، يختزل « الحزب الجمهوري » رحلة مساره السياسي فى رمزية هجرته من فيلا مقره الراقية في حي تفرغ زينه الراقي، إلى منزل متواضع لا يلفت أنظار المارة، فأغلب من يمرون هنا قد يجهلون أن داخل هذا المنزل المتواضع، يوجد آخر مناضل فيما كان يعرف بـ « الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي ».