نواكشوط ـ الربيع ولد إدوم
أصبحت عملية كشف الجاسوس الجزائري أبو حمزة عبد القادر، واحدة من أهم القصص النموذجية في ملفات المخابرات الموريتانية التي تمكنت من وضع حد لمخطط إيطالي خطير يسعى لوضع المسلمين الأمريكيين في موريتانيا تحت طائلة التجسس والمراقبة دون أي دليل قضائي يدينهم ولمجرد أنهم عبروا صراحة عن دخولهم الإسلام ورغبتهم في متابعة دراسة علوم القرآن والشريعة في المدارس الشرعية في موريتانيا وهو ما ينتهك خصوصية موريتانيا في حماية ضيوفها وحماية حياتهم الخاصة التي ترغب شبكات التجسس في رصدها وتتبعها دون علمهم.
اليوم تعرف عملية التجسس المثيرة للجدل التي كانت تنفذها المخابرات الايطالية -وربما الفرنسية- عبر جاسوس جزائري بعملية “Spider” وهي كلمة إيطالية تعني “العنكبوت” في إشارة إلى تشابك خيوط العملية التي كشفت عنها تحقيقات الشرطة.
محاكمة المتهم أدت إلى إصدار حكم من محكمة الجنايات على الجزائري أبو حمزة؛ جاسوس إيطاليا في نواكشوط، يقضي بسجنه عامين بتهمة التجسس لصالح المخابرات الايطالية.. ويعيش الآن في احد سجون العاصمة نواكشوط لقضاء ما تبقى من فترة عقوبته.
صحراء ميديا حصلت على التفاصيل الكاملة لتحركات الجاسوس الجزائري الجنسية والذي اختارته المخابرات الأوروبية بعناية فائقة للتجسس على مسلمين غربيين وبعض المحاظر الموريتانية ورصد أخبارها وتفاصيل تحركات أصحابها.
بداية القصة كانت في أكتوبر 2009 حيث وصلت معلومات إلى مصلحة مكافحة الإرهاب بإدارة امن الدولة، بأن ابو حمزة وهو عربي يحمل الجنسية الجزائرية يقوم بتحركات مشبوهة في أوساط المسلمين الأمريكيين بموريتانيا، وهو ما أدى إلى إلقاء القبض عليه ليتم لاحقا إبلاغ وكيل النيابة الموريتاني الذي أمر بفتح بحث معه وموافاته بالنتائج.
وتقول وثيقة أمنية، حصلت صحراء ميديا على نسخة منها، أن أبو حمزة عبد القادر”يعمل في الظاهر ممثلا لشركة ايطالية تسمى “SAINT CARLO” تشتغل في مجال الألمنيوم، كان مقيما في مقاطعة تفرغ زينة وانه سبق وعمل بالجيش وسرح بعد تعرضه لحادث سير، وانه إلى حين اعتقاله لم يكن معروفا لدى الأمن، وانه تزوج عام 1986 في المغرب وقضى 20 عاما في ايطاليا، ويملك إقامة في ايطاليا”، وهو ما يؤكد مصدر امني انه كان مساهما في تأخر اعتقاله نظرا لأنه جاسوس غير معروف تم اختياره بعناية ليزود المخابرات الايطالية بمعلومات خاصة.
وحسب الوثائق الأمنية فان ابو حمزة (54 سنة) حاول مغالطة السلطات حيث أكد انه “جاء إلى موريتانيا بناء على نشاطاته التجارية حيث انه يعمل بشركة ايطالية وانه يقوم بدور الوسيط، وان ما يحصل عليه يتوقف على الصفقات التي يقوم بها وحسب نسبة مئوية محددة”.. وانه “قرر بعد التعرف على موريتانيا استقدام أسرته المكونة من زوجته وثلاث بنات وطفل مع التفكير في فتح مطعم أو نزل سياحي”.
لكن التحقيقات الأمنية كشفت ما هو أكثر من ذلك، بحيث تشير إلى أن ابو حمزة؛ وحسب اعترافاته لشرطة التحقيقات بموريتانيا، يعمل منذ 6 سنوات مع الاستخبارات الايطالية، وهو مرتبط بخلية استخبارات يرأسها مفوض شرطة سرية يتبع للمخبارات الايطالية ويدعى “آنجلو” ويعتقد انه يعمل في نطاق ما مع المخابرات الفرنسية.. أما مهمة ابو حمزة الحقيقية فكانت تتعلق بـ 5 أمريكيين واسباني وجامايكي أعلنوا اعتناقهم للإسلام تحصلنا على أسمائهم ونرمز إليها في هذا التحقيق حفاظ على خصوصية أصحابها الذين تعرضوا لعملية تجسس مثيرة للجدل.
ويتعلق الأمر بأمريكي يدعى ع-ر كان مقيما في قرية “أم القرى” في ضواحي نواكشوط عاد فيما بعد إلى شيكاغو، وهو متزوج من سيدتين بحسب اعترافات الجاسوس الجزائري في محاضر التحقيق، وإحدى زوجتيه هي أمريكية مسلمة أنجب منها عدة أبناء، وكانت موجودة في نواكشوط حين اعتقال أبو حمزة، أما زوجته الثانية فهي مغربية تقيم بالقنيطرة، وإحدى الزوجتين كانت مستهدفة بالتجسس من طرف المخابرات الإيطالية يرجح أنها الأمريكية المسلمة.
أما الأمريكيين الثلاثة فقد اعتقل ابو حمزة قبل ان يستكمل معلوماته حولهم وبالنسبة للجامايكي “د” فكان يقيم في “بوحديدة” ثم انتقل الى ام القرى وكان متزوجا من موريتانية وطلقها، وأخيرا الاسباني “ع-ح” وهو ايضا متزوج من مغربية لكنها تعيش في الدار البيضاء، وكان يدرس في ام القرى قبل ان ينتقل الى اليمن.. هذا اضافة إلى فرنسي آخر لم تذكر الوثائق الأمنية معلومات حوله ذكره ابو حمزة في مثوله امام نائب وكيل الجمهورية بقصر العدالة في نواكشوط 8 نوفمبر 2009.
وقد ظهر بشكل اكيد ان ابو حمزة كان مهتما بمحظرة ام القرى في ضواحي نواكشوط تحديدا، وما يحدث فيها وينقل معلومتها إلى جهاز الاستخبارات الايطالي، وهو واحد من أهم أجهزة التعقب والمتابعة في العالم.
وتوصلت الشرطة الموريتانية بلغة ترميز مهمة في رسائل ابو حمزة لخلية الاستخبارات في روما احتاجت الى تفسيرات قدمها الجاسوس لخلية المتابعة في إدارة الآمن، من قبيل “سنرى إذا كان بإمكاننا غدا أن نستطيع تنظيم المطبخ في منزل سليمان لأن جميع الأمريكيين يخضعون لرقابة شديدة“.
ويقول الجاسوس المحكوم عليه بالسجن عامين في موريتانيا انقضى منهم عام كامل في اعترافاته للشرطة: كنا نرغب في استضافة بعض الأشخاص في منزل سليمان من اجل التحدث معهم بسهولة لكن سليمان اخبرني أن ذلك شبه مستحيل لأن هؤلاء محميين وشبه متابعين من سلطات الأمن“.
وفي مراسلة أخرى مع الشرطة السرية في روما من نواكشوط تحدث ابو حمزة عن “موت الإمام” ويقول حول ذلك: “توصلت بمعلومات حول موت شيخ محظرة أم القرى وهذا ما جعلني اخبر “آنجلو”.. يدخل ذلك في إطار الحالة العامة على مستوى المحظرة“.
“س- صال” الموريتاني الجنسية العامل البسيط في احد فنادق نواكشوط، هو على ما يبدو طرف في لعبة الاستخبارات وهو مزود رئيس بالأخبار.
حيث كشفت المعلومات الأمنية انه تم استخدامه دون وعي بذلك، ويقول ابو حمزة في اعتراف للبوليس السري بموريتانيا: “س- تعرفت عليه في فندق شنقيط بالاس حيث يعمل وهو يزودني بالمعلومات دون أن يفهم هدفي منها، فأنا أوجهه إلى هدفي ويخبرني هو بالمعلومات عنه لكنه يقوم بكل ذلك العمل لأنني قلت له إنني سأحصل له على تأشيرة ايطاليا وهو يمثل حاليا مصدري الوحيد للمعلومات. ولا علم له بطبيعة عملي ويظن أنني اسأل كصديق.
وقد اخبر صال-30 عاما- المقيم بالمدينة الثالثة شرطة نواكشوط في اكتوبر من 2009 بحسب ما تفيد به وثيقة أمنية أخرى بكل ما يعرفه عن ابو حمزة: “تعرفت إليه في 2008 حيث مكث في الفندق ما يزيد على شهرين ولست على اطلاع بحياته الخاصة، وهو عادة يطلب مني إعداد قهوة له ومرة أعطاني زوج حذاء لا زلت احتفظ به معي في المنزل.. قدمت له مرة أمريكيين كانا يقيمان في الفندق وتبادلوا أرقام الهواتف”، مؤكدا انه لا يعرف “ما يريده ابو حمزة من علاقته بالأميركيين المسلمين بموريتانيا”.
ضبطت الشرطة في اكتوبر 2009 بحووزة الجاسوس الجزائري جواز سفر جزائري وبطاقة تعريف جزائرية وتذكرة طائرة ولابتوب صغير وبعض الأقراص اللينة.
في الـ08 من نوفمبر 2009 وامام نائب وكيل الجمهورية تعرض المخبر الجزائري لظروفه التي وصفها بالصعبة والتي تسببت في قبوله تنفيذ عملية “العنكبوت” في نواكشوط، خاصة ظروف أطفاله في المهجر وتعرضه للابتزاز: “كان لدي 4 أطفال صغار وعانيت في مصاريفهم فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية وقد ابتزوني بأولادي حيث طلبوا مني العمل في المخابرات مقابل إعطائي ابني حيث هربت الفتيات وعدن إلي ولذا كنت مرغما على ذلك“.
في نفس اليوم وبعد الاستماع للقصة المثيرة للجدل التي قذفت بالرجل للتنجس على المسلمين الغربيين في موريتانيا، وفي ظل تخلي الشرطة السرية الايطالية عن عميلها في نواكشوط، طلب وكيل النيابة فتح تحقيق بناء على الوثائق الأمنية المحالة من إدارة امن الدولة موجها للعميل الجزائري تهمة التجسس بإبلاغ معلومات لغير ذي صفة والقيام بعمل من أعمال الوظائف العمومية من خلال متابعة الأشخاص.. حيث أحيل إلى الديوان الثالث بقصر العدالة مع طلب بإصدار أمر بالإيداع في السجن.
وأمام قاض بالديوان الثالث للتحقيق المكلف بالإرهاب والجرائم الاقتصادية وجرائم امن الدولة وفي نفس اليوم اعترف المتهم بارتكابه للجرائم التي يتهمه بها الأمن، وأضاف معلومة جديدة: الايطاليون طلبوا مني توفير معلومات حول العمل التي استهدف السفارة الفرنسية في نواكشوط أغسطس 2009.
في نفس اليوم من نوفمبر 2009 طلب قاضي التحقيق في الديوان الثالث بمحكمة ولاية نواكشوط إيداع المتهم في السجن والاحتفاظ به إلى ان يصدر أمر بخلاف ذلك.. وهو ما استمر لحين محاكمته وصدور حكم في الثالث عشر من أكتوبر 2010 يقضي بسجنه سنتين بتهمة التجسس لصالح المخابرات الإيطالية، رغم مطالبة النيابة بسجن المتهم الجزائري عشر سنوات، بعد أن وجهت له تهمة التخابر والتجسس للاستخبارات الايطالية.
وبهذا أسدل الستار على واحدة من قصص الجاسوسية المثيرة للجدل والتي تمكن عناصر العمليات الخاصة في موريتانيا من حسمها لصالح امن الرعايا والمواطنين والمحافظة على خصوصيتهم ومعلوماتهم الشخصية.