نائب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم
توطئة
طلب إلي أن أقدم عرضا عن حصاد خمسينية التعددية السياسية في موريتانيا في خمسة عشرة دقيقة ،فلما فكرت وقدرت خلصت الي أن هذا الحيز الزماني لا يسمح إلا بتقديم معالم حصاد التعددية السياسية معولا علي المعقبين و المتدخلين والسائلين في تفصيل هذه الحصيلة التي تبدو متعرجة و ملأى بالدروس وحبلي بالوعود .
وبادي الرأي يجدر بنا تعريف التعددية التي هي حسب قاموس المصطلحات السياسية ” الاعتراف بوجود عدة تيارات سياسية مجسدة في شكل أحزاب تعكس اختلافا في الرأي يسمح بحوار حر و ديمقراطي ” .
وتأسيسا علي هذا التعريف المتواتر لحد الاجماع لدي كل المدارس والمذاهب السياسية إضافة إلي توضيح يتعلق بان التعددية السياسية في موريتانيا ظلت دوما بارزة في شكل أحزاب إن سمحت القوانين و النظم المعمول بها بذلك أو في شكل حركات سياسية أو تنظيمات سرية في مراحل “الظلام الديمقراطي” فإنه يمكن استعراض حصاد التعددية السياسية من خلال المحطات التالية :
1 – التعددية ما قبل الاستقلال:
الخطوات الأولي للتعددية: مع اعتماد دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة أمكن لموريتانيا انتخاب ممثليها بالجمعية الوطنية الفرنسية ابتداء من عام 1946.
و انقسم المشهد السياسي ساعتئذ إلي مشروعين وطنيين يحمل أحدها مشروعا سياسيا معاديا للإستعمار مثله المرحوم حرمة ولد ببانا الذي فاز في الانتخابات التشريعية 1946.
وفي سنة 1948 تم تأسيس أول حزب سياسي موريتاني : الاتحاد التقدمي الموريتاني، الذي كسب الاستحقاقات التشريعية سنة 1951 التي خاضها منافسا حزب التفاهم الموريتاني الذي أسسه عام 1950 حرمة ولد ببانا و رفاقه بما يعتبر تدشينا لأول تعددية حزبية في البلد.
وفي 1958 تم إنشاء حزب التجمع الموريتاني الذي هو عبارة عن اندماج الاتحاد التقدمي الموريتاني وحزب التفاهم الموريتاني مما استدعي انقسام رابطة الشباب الموريتاني الي جماعتين احداهما شكلت ما سيعرف بحزب النهضة الوطنية الموريتانية ذا الخلفية الراديكالية المعادية للاستعمار والذي سجل رصيدا نضاليا.
و تميز المشهد السياسي ما قبل الاستقلال أيضا بظهور العديد من الأحزاب السياسية الفئوية كرابطة الشباب الموريتاني و المجمع الديمقراطي لكوركول و اتحاد المنحدرين من الجنوب. .
و في هذه الفترة كان الوعي المدني عموما خافتا و الوعي السياسي خصوصا منحصرا في ثلة قليلة من الشباب ممن أوتوا حظا من التمدرس الحديث و كان الاستقطاب وقتها حول مضمون الاستقلال ما بين مطالب باستقلال يحمل قطيعة تامة مع المستعمر و قائل باستقلال تدريجي أو مع الاحتفاظ بعلاقات خاصة مع فرنسا مستظهرا بحاجة البلد إلي ذلك و قد كانت الغلبة للتيار الأخير منذ الانتخابات التشريعية 1951.
2 – 1960- 1963 :من التعددية إلي الأحادية:
مع الاستقلال بدت الحاجة إلي بناء الدولة الحديثة علي أسس الوحدة والمواطنة في مواجهة الانتماءات الضيقة كالقبيلة و الجهة و الفئة لذلك كان ميول القادة السياسيين آنذاك واضحا نحو المركزية الإدارية القوية التي سرعان ما تعززت بالمركزية السياسية علي غرار الكثير من الدول العربية و الإفريقية و دول العالم الثالث فيما يشبه “الموضة المؤسسية” و هو ما تم تجسيده في مؤتمر الوحدة سنة 1961الذي أعلن اندماج أحزاب سياسية من أهمها حزب التجمع الموريتاني و حزب التفاهم و الاتحاد الوطني الموريتاني فيما سيعرف لاحقا بحزب الشعب الموريتاني الذي تحول فيما بعد إلي الحزب الواحد استنساخا للنموذج الغيني وقتذاك من خلال المراجعة الدستورية 1965 و خصوصا المادة 9 جديدة التي تنص علي انه”من الآن فصاعدا يمثل حزب الدولة المنظم ديمقراطيا الإرادة الشعبية. وحزب الشعب الموريتاني الذي هو نتاج اندماج الأحزاب الوطنية الموجودة يوم 25 دجمبر 1961 يعتبر الحزب الوحيد للدولة.”
و هكذا تم التحول من التعددية إلي الأحادية السياسية بذريعة ضرورة ترسيخ مفهوم الدولة في بلاد لم تعرف تجربة الدولة إلا مرة واحدة من خلال التجربة المرابطية.
3 – 1963 – 1978 : الأحادية السياسية و غليان الحركات السرية:
إثر المراجعة الدستورية 1965 التي ألقت رواسي هيمنة الحزب الواحد كان لا بد للنزعة التعددية أن تجد متنفسا فكان تشكيل حركات سياسية ذات تنظيمات سرية تستلهم مشاريع مجتمعها من تيارات فكرية او إقليمية شكلت معارضة قوية أحيانا لنظام الحزب الواحد.
و في تلك الفترة أيضا يجب أن نلاحظ أنه داخل الحزب الواحد كان من السهل أن نتبين نوعا من تنوع حتي لا أقول تعدد الآراء من خلال تيارين أحدهما يوصف بالتقدمية و ثانيهما ينعت بالمحافظة.
كما شهدت هذه الفترة في بعض الأحيان استقطابا حادا حول مواضيع الهوية الوطنية و مسألة لغة التعليم و الإدارة و مستوي التعاون العسكري مع فرنسا و تأميم ميفرما و حرب الصحراء…أوضحت –حسب رأيي-أن إلغاء التعددية كان أحد أسباب اتخاذ ذلك الاستقطاب أشكالا عنيفة: أحداث 1966 ،1973،….
4 – 1978 -1991 : الاستثناء العسكري واحتجاب التعددية
لأسباب مباشرة وأخري غير مباشرة حدث الانقلاب العسكري 1978 و صدع ضمن وعوده بإعادة الديمقراطية التعددية و خلال ما زاد علي عقد من الزمن تعاقبت لجان عسكرية علي الحكم : إنقاذا و خلاصا و تصحيحا خففت من هامش الحرات العامة فنشطت الحركات السياسية ذات المنابع الفكرية المختلفة و المآرب السياسية المتباينة تنافسا علي القرب من الحكام تارة وعلي كسب أكبر امتداد شعبي غالبا و شكلت نوعا من التعددية السياسية البديلة: محسوسا في الساحات المدرسية و المنابر الجامعية و المسارح النقابية و تشكيلات المجتمع الأهلي و لدي عامة الناس .
و مع التنويه بالدور التنويري لهذه الحركات فإن منها- ولبالغ الأسف-ما اتخذ طابعا فئويا و عنصريا و قليل منها من لم يحاول الوصول إلي السلطة عنفا لا سلما بشكل مباشر أو غير مباشر.
5 – 1991 – 2010 : أوبة التعددية
ترتيبا علي ضغط داخلي يسنده آخر خارجي بعد توصيات شروط قمة فرنسا و إفريقيا بمدينة “لابول” الفرنسية تم اعتماد دستور جديد 1991 شكل إعلان ميلاد الجمهورية
الموريتانية الثانية وأوبة التعددية السياسية فتشكلت الاحزاب السياسية و نظمت انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مناسبة لمنافسة الآراء ومشاريع المجتمع
– رغم المآخذ علي الظروف والإجراءات الفنية للانتخابات، كما تعددت المنابر الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وخيل الينا أن عهد الديمقراطية والتعددية السياسية قد دخل من الباب الواسع .
– لكن حدة الاستقطاب السياسي واستعجال الثمار السياسية من طرف الفاعلين السياسيين أديا الي ظاهرة “التضخم السياسي الأفقي” فكثرت الأحزاب السياسية والمنابر الإعلامية الورقية والالكترونية في ظاهرة أشبه ما تكون “بالسيبة التعددية” مما أفقد السياسة تلك الكلمة الكبيرة علي الميزان والتي تعني تدبير شؤون الناس شيئا من هيبتها .
وفي المحصلة وبعد أن رسمت بإيجاز شديد معالم مسيرة التعددية السياسية في موريتانيا من الخطوات الأولي قبل الاستقلال مرورا بنكسة التعددية سنوات الاستقلال الأولي واحتجابها إبان فترة الاستثناء العسكري وأوبتها منذ عشرين سنة وحالة التضخم والتشرذم و الانتشار الذري الحالية للاحزاب السياسية فانه لزاما علينا الدفع بإصلاحات قانونية وتنظيمية عاجلة لتصحيح مسار التعددية السياسية مع الاستئناس بالتجارب العالمية التى تبين وجود ثلاث نماذج للتعددية السياسية أولها نموذج الثنائية السياسية كما هو الحال بأمريكا وبريطانيا ونموذج الحزب المهيمن والأحزاب الصغيرة الأخري التي تزين الديكور الديمقراطي كما هو الحال في معظم الدول العربية و دول العالم الثالث.
ونموذج للمشاركة السياسية القائم علي عدة أحزاب
تتقاسم المشهد السياسي مع وجود حزب قائد كما هو الحال بفرنسا والمغرب ومالى وتركيا والسنغال .
تري هل ستدفع الاصلاحات المطلوبة في مجالات مراجعة القانون المنظم للأحزاب السياسية و النظام الانتخابي و إصلاح المجالس المحلية و النسبة المفروضة للنساء الي إرساء تعددية سياسية وفق النموذج الأخير بما يضمن الاستقرار السياسي الذي هو الركن الركين للتنمية؟