كثيرا رأى الموريتانيون سياسييهم، وكثيرا أيضا سمعوهم، ربما أكثر من اللازم، لكن رافدا رئيسيا، صاغ رؤى هؤلاء السياسيين واتجاهاتهم، هو قراءاتهم، ظل غائبا عن الجمهور، وهذا الاستطلاع من صحراء ميديا كشف عن “طبقة سياسية تقرأ”، لكن اكتشاف شعور الموريتانيين تجاه ذلك ربما احتاج استطلاعا آخر.
في خريفه، لن يقرأ الوزير السابق محمد فال ولد بلال إلا “تلبيس إبليس” لابن الجوزي. سيبحث ولد بلال عن “الفائدة والمتعة” بين سطور كتاب “يجلو الشبهات، ويكشف ستر إبليس وجماعته”.
حزب الإنصاف الحاكم، بأغلبية برلمانية هي الأكبر في تاريخ الجمعية الوطنية، سيقرأ رئيسه سيد أحمد ولد محمد، بعيدا من العاصمة نواكشوط، قريبا من قاعدته الجماهيرية في الحوض، “حول الإدارة والحكم” للأمين العام للحزب الشيوعي رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ.
“يكتشف” رئيس الإنصاف “الآخر” حين يقرأ لأمين الحزب الشيوعي الصيني، ويبدو مهموما بأسئلة الهوية حين تتوقف قراءاته في الأدب عند موسم الهجرة إلى الشمال للأديب السوداني الطيب صالح، بينما يتمثل دروس فنون القيادة والتخطيط الحربي حين يقرأ مذكرات “حرب أكتوبر” للفريق المصري سعد الدين الشاذلي.
“السخونة غير المعهودة” في العاصمة المغربية الرباط، لن تمنع رئيس حزب الصواب المعارض عبد السلام ولد حرمه من متابعة “خيانة المثقفين” للكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد، وربما أعاد ولد حرمه قراءة “المفاهيم الغربية للاستشراق” لنفس المؤلف، “لو أتيحت له الفرصة، وسمحت الصحة والوقت”.
لا يتذكر ولد حرمه عدد المرات التي قرأ فيها وتأمل روايتي “مائة عام من العزلة” للكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، و“سباق المسافات الطويلة” للسعودي عبد الرحمن منيف. لكن يبقى حامله على هذه القراءات وإعادات القراءة “حمولتهما المرتبطة بوجود الإنسان المعاصر وقضاياه الكبرى : الهجرة والاغتراب والبحث عن الهوية، وتأثير التاريخ والسياسة على الأفراد والمجتمعات.”
في القطب الموازي من البرلمان، سيستريح رئيس حزب الإصلاح محمد ولد طالبنا من مقاعد الأغلبية، لتمتد قراءاته في موضوعات واسعة، على مدى زمني أوسع؛ من القرن الثالث عشر للميلاد حتى القرن العشرين، وومن الروحانيات إلى التنمية البشرية، ومن علم العمران والاجتماع حتى النظرية السياسية وأصل القوانين.
سيزيد نائب البرلمان الموريتاني ولد طالبنا من وعيه بأسرار المعرفة والعلوم اللدنية بين نقطة الباء والنون، حين يقرأ الفتوحات المكية لابن عربي، وسيتقاطع “روح الشرائع” لمونتسيكيو مع الكثير من رؤية حزبه الإصلاح، وسيطور من مهاراته القيادية حين يقرأ سرعة الثقة لستيفن أم-آر كوفي، ولن ينتهي خريف هذا العام إلا وقد قرأ مقدمة ابن خلدون في العمران البشري.
وتثير جذور الحرب الأهلية في رواندا اهتمام رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، مع ذلك ربما لن يجد فرصة لقراءة أعمال الفرنسي جان بيير كريتيين حولها، في ذلك يحمل ولد مولود المسؤولية لهمه الأكبر؛ “مشاورات المعارضة اللانهائية حول الحوار” ما تبقى من مسؤولية بعد ذلك يحمله “لكثرة أخبار الإنترنت”، في هذه، لعل ولد مولود يتحدث بالحسانية.
رغم هذه وتلك، يقترح على الجميع من شباب و ساسة و علماء قراءة أو إعادة قراءة كتاب ” رحلة مع الحياة ” لمحمد المختار ولد اباه. ولد مولود يرى تجربة حياة ولد اباه “ملهمة؛ فتل حبلها الطويل من علو الهمة و إحكام التخطيط و جرأة نادرة لاقتحام التحديات مكنته من تحقيق جل أهدافه المشروعة للسعادة في الحياة الدنيا وبإذن الله للفوز في الآخرة”.
مثل ولد مولود، النائب محمد الأمين ولد سيدي مولود، يحمل أشياء كثيرة مسؤولية تراجع قراءاته، تمتد من سحر تتبع الأخبار غير المهمة، حتى النقاشات السياسية الجادة والمتوسطة، وبين هذه وتلك تكون نسبة قراءة ولد سيدي مولود في كل عطلة 30 بالمائة من إجمالي ما خطط له من قراءة.
هذه العطلة، على أية حال، ينوي محمد الأمين ولد سيدي مولود قراءة الجزء الثاني من “بحث في التاريخ” لأرنولد توينبي، و”موريتانيا والامل الموؤود” لمحمد السالك ولد محمد الأمين، و”الرحلة” لمنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، و”قصة تجاربي مع الحقيقة” سيرة المهاتما غاندي”.
ينصح داود ولد أحمد عيشة زملاءه السياسيين الموريتانيين بشكل خاص بقراءة نظام التفاهة للكندي آلان دونو، وتثير اهتمامه مؤلفات المفكرين الغربيين الذين تعتمد مراكز القرار الغربي على أفكارهم ونظرياتهم مثل فوكوياما وهانتنغتون، رغم إنهائه منذ أيام، قراءة نعوم تشومسكي في كتابه “العالم إلى أين؟”.
هذه الأيام، يقرأ رئيس حزب نداء الوطن داود ولد أحمد عيشة “الجريمة والعقاب”.
الشعبوية بشكل خاص تثير اهتمام محمد غلام ولد الحاج الشيخ، “يقرأ كثيرا في تحولاتها الاجتماعية واكتساحها العالم بخطابها المتطرف والساذج في نفس الوقت،” لكنه لا يقتصر عليه، وتوصية زميله ولد أحمد عيشة بقراءة “نظام التفاهة” حاضرة بين قراءاته.
ما لم تخرج النائب كادياتا مالك جالو العاصمة نواكشوط، فلا مجال للحديث عن العطلة، “مشاكل المواطنين” شغل شاغل عن ترف فكري كالقراءة بالنسبة لها، وحين تتاح لها الفرصة بعد أسبوع للخروج، ربما تقرأ “بعيدا عن الإنترنت” مقتنياتها من كتب الأدب الفلاني، وجديد إصدارات مؤسسة حبيب ولد محفوظ من مجموعة مقالات الكاتب الراحل.
نائب دائرة أمريكا يحيى ولد اللود، سيقرأ من الجنوب الغربي الموريتاني في مقاطعة كرمسين عن رأس المال البشري في موريتانيا وعن تاريخ النضال الثقافي في المغرب العربي من منظور بان-أفريقي ويبحث عن فهم أعمق لخريطة الإرهاب والتحولات السياسية في شمال إفريقيا والساحل.
قراءات ولد اللود ستكون بالانجليزية، أما ترشيحاته للقراءة فعربية، من “صعود إيران وتنافسها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، وأيضا “إسرائيل والحرب الأوكرانية-الروسية”، إلى كتاب “الدولة العربية” لعزمي بشارة “لما يقدمه من تحليل معمق لمسار الدولة العربية وأزماتها”.
على الرغم من وحدة مواقعهم ومواقفهم أحيانا، وتباينها أحيانا أكثر، بدا لافتا أن كتابا لم يتكرر في قائمة قراءات السياسيين الموريتانيين. وحده “نظام التفاهة” رشحه داود ولد أحمد عيشة وقرأه محمد غلام، غير ذلك بدا أن السياسيين الموريتانيين لا يقرأون في نفس الصفحة. هذا الخريف على الأقل.!
الخميس, 21 أغسطس
24/24 :
- موريتانيا.. الحكومة ترحل سكان حي متضرر من السيول
- موريتانيا: الأرصاد الجوية تحذر من ظروف جوية “غير مستقرة”
- أرباب العمل: تحسن طرق البلاد سيسهل عملية التسويق والاستيراد
- في خريفهم.. ماذا يقرأ السياسيون الموريتانيون؟
- وزير النفط: نحرص على التنسيق الوثيق مع السنغال بخصوص مشروع الغاز
- حادث سير.. أضرار بليغة بحافلة دون إصابات بشرية
- موريتانيا تتصدر عربيا بأعلى ضريبة دخل على الأفراد لعام 2025
- النعمة.. أرباب العمل يعلن عن خطة لتشغيل مصنع الأعلاف وتوفير فرص عمل
في خريفهم.. ماذا يقرأ السياسيون الموريتانيون؟


البرلمان
شاركها.
فيسبوك
تويتر
واتساب
لينكدإن
البريد الإلكتروني