لقد كان مشروع تحديث المدن والقضاء علي أحياء الصفيح والتقري العشوائي من أهم البنود التي تضمنها برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد بن عبد العزيز غداة إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية 2009، وهو برنامج طموح متعدد الأهداف ومتنوع الجوانب ، وكان من هذه الأهداف التي سعي إلي تحقيقها واستخدام كل الوسائل الفعالة لتحقيقها : مكافحة الفقر، والجوع ،والجهل ،والمرض،وما سواها من معوقات التنمية ، وما كانت الحرب التي أعلنها الرئيس علي الفساد والمفسدين إلا فصلا آخر من فصول هذا البرنامج.
وإذا كانت سياسة رئيس الجمهورية هي بهذه الدرجة من الصرامة في تطبيق القانون من أجل خدمة المواطن ،فإن بعض المسئولين في الدولة لم يفهم برنامج الرئيس علي الوجه الصحيح ، فاتبع طريقا أخري لا تبعد كثيرا عن المجال الذي تحرك فيه المفسدون من قبل، ومن ذالك علي سبيل التذكير ـ ما جري مؤخرا في مدينة العيون ـ عاصمة ولاية الحوض الغربي ـ، حيث جرت عملية هدم ومصادرة لبعض منازل المواطنين داخل هذه المدينة دون سابق إنذار ، ودون علم بالقرار الذي بموجبه تقرر هدم منازلهم بالطريقة التي وقعت يوم السبت الموافق 04/12/2010
لقد استيقظ سكان هذه المدينة علي الجرافات وهي تهدم المنازل بشكل فظيع ومحطم للنفوس وباعث علي اليأس وداع إلي القلق علي كل ما هو حق من الحقوق الأساسية التي يحميها القانون ويوفر لها كافة الضمانات الدستورية التي لا يمكن المساس بها في دولة المؤسسات والقانون.
لقد كان هذا التصرف مخالفا لكل القوانين والنظم والأعراف والأخلاق الحميدة، إلي جانب كونه قد تجاوز حدود الشرعية التي يفترض أن تتقيد بها كل جهة منحها القانون ممارسة سلطة ما.
ومن أهم ما خرقه هذا التصرف ـ ولا أقول القرار. فليس في مقدور أحد حتى الآن أن يعلم من هي الجهة التي أصدرته ، فضلا عن رقمه أو تاريخ صدوره ، ما سنحاول توضيحه في النقاط الآتية.
أولا ـ نصت المادة 15 من الدستور علي ان حق الملكية مضمون ، وان الملكية الخاصة لا تنتزع إلا بعد فرض المصلحة العامة ذالك ، وبعد تعويض عادل ومسبق.
والمتأمل لهذه المادة بأبسط أنواع التأمل يخرج بنتيجة واحدة تتمثل في أن ما أقد مت عليه السلطات الإدارية والمحلية هناك لم يتقيد بمقتضيات هذه المادة التي هي واضحة كل الوضوح ، وإلا فهل من الشرعية أن تهدم المنازل دون التقيد بأحكام المادة 15 سابقة الذكر؟
ثانياــ نصت المادة الأولي من الأمر القانوني رقم 127/83 الصادر بتاريخ 05/06/1983، أن الأرض ملك للأمة ، ويحق لكل موريتاني دون تمييز أن يصبح مالكا لجزء منها طبقا للقانون ، ومعني ذالك أن يكون المالك مستندا في ملكه للأرض إلي قطاع من الإدارة المختصة لان الدولة هي المختصة الوحيدة في توزيع ثروات الأمة بين أفرادها.
وإذا كان ذالك كذالك، وكان أصحاب هذه المنازل مستندين في ملكيتهم الخاصة إلي رخص حيازة من الجهة المختصة، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تهدم إلا بعد نزعها بالطرق القانونية التي لا يجوز لأي كان تجاوزها.
ثالثا: نصت المادة 412 من القانون الجنائي علي تجريم هدم المنازل دون مبرر شرعي ( وهو القانون إذا فرض ذالك)، ولكن الأمر كان علي العكس، فإنه لم يتم إتباع طرق نزع الملكية لهذه المنازل.
رابعا:ما تضمنه المرسوم رقم 89/2000 الصادر بتاريخ 17/07/2000 المطبق للقانون العقاري السالف الذكر ـ من أحكام نزع الملكية الخاصة، وهي أحكام مفصلة، لكنها لا تغني عن المواطن شيئا إذا لم يغن عنه الدستور الذي هو القانون الاسمي علي كل قوانين الجمهورية الأخرى.
ويستخلص مما تقدم أن تصرف السلطات الإدارية والمحلية في لعيون قد تجاوز كل المقتضيات الشرعية بدء بقمتها المتمثلة في الدستور ، وانتهاء بما تمليه المصلحة العليا للبلد واحترام حقوق المواطن وصيانتها بدلا من إهدارها كل الهدر.
وأيا ما كان الأمر، فإن من الواجب الآن أن تقوم السلطات المعنية بتحقيق موضوعي وجدي في وقائع هذه القضية وتقصي حقائقها ، واطلاع المواطنين علي سبيل الاستعجال علي النتيجة النهائية لهذا التحقيق، ونشرها علي الملإ، ومن ثم فإنه تبعا لذالك ستناط المسئولية بمن ارتكب هذه التجاوزات التي لا يقرها القانون ولا تمليها المصلحة العليا للبلد، ولا تنسجم مع توجهات رئيس الجمهورية في محاربة الفساد والمفسدين، والتي تخدم ـ في المقام الأول ـ المواطن لا سيما إذا كان فقيرا محدود الدخل متواضع الإمكانيات.