يختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، زيارة “غير مسبوقة” إلى المغرب، ليعود إلى باريس وهو يحملُ معه “شراكة استثنائية وطيدة” مع، ولكن الطموح الذي عبر عنه البلدان يتجه نحو ما يمكن تسميته بأنه “إعادة صياغة للعلاقات الجديدة بين أوروبا وأفريقيا”.
صحيفة “لوموند” الفرنسية العريقة، كتبت في افتتاحيتها اليوم، أن ماكرون أمام البرلمان اقترح دخول البلدين في “إطار استراتيجي جديد” هدفه هو تنسيق البلدين من أجل “مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين”.
الصحيفة اعتبرت أن ماكرون “رفع عاليًا من مستوى طموحاته”، قبل أن تشير إلى أن وثيقة يتوقع أن يوقع عليها البلدان العام المقبل (2025) في باريس، بالتزامن مع احتفالات فرنسا بيومها الوطني.
وقارنت الصحيفة الفرنسية بين الوثيقة المرتقبة، واتفاقية وقعها البلدان عام 1955، مهدت آنذاك لنيل المغرب استقلاله، وخروجه من الحماية الفرنسية، بعد عام واحد (1956).
الجسر نحو أفريقيا
من أبرز نتائج زيارة ماكرون إلى المغرب، توقيع محفظة من الاتفاقيات المتنوعة، التي وصل حجمها المالي إلى 10 مليارات يورو، من المنتظر أن تستثمرها فرنسا في المغرب خلال السنوات المقبلة، في قطاعات حيوية من أبرزها إنتاج ونقل الطاقات الخضراء، والقطار فائق السرعة، وصناعة الطيران وتحلية مياه البحر.
ولكن هذا التوجه الفرنسي الواضح نحو المغرب، ينطلقُ من فكرة أن أصحاب القرار في قصر الأليزيه يرون في المغرب “جسرًا وحلقة وصل” لا يمكنُ الاستغناء عنها للوصول إلى القارة الأفريقية، خاصة بعد تراجع النفوذ الفرنسي في مستعمراته السابقة.
منذ سنوات أصبح المغرب، الدولة الأفريقية الأكثر استثمارًا في الأسواق الأفريقية، بل وأصبح أيضًا منافسًا قويًا للمستثمرين الأجانب في القارة، وقد نجح المستثمرون المغاربة في كسر الهيمنة الفرنسية والأوروبية على أسواق دول مثل كوت ديفوار والسنغال والغابون.
وهنا يشير الخبراء إلى أن استثمار المغرب في مشاريع استراتيجية للربط بين الشمال والجنوب في القارة الأفريقية، يكرس الثقة الفرنسية في كونه بوابة أوروبية لا مناص من عبورها نحو الأسواق الأفريقية.
يشير الخبراء في هذا السياق إلى أنبوب الغاز الذي سيربط المغرب ونيجيريا، ويعبر 11 دولة أفريقية، بالإضافة إلى ميناء الأطلس في مدينة الداخلة، الذي ينتظر منه أن يكون المعبر الأهم للسلع والبضائع القادمة من الدول الأوروبية نحو أسواق دول أفريقيا جنوب الصحراء، خلال العقود المقبلة.
الاستثمارات المغربية خلال العقدين الماضيين في أفريقيا، ومشاريع البنية التحتية ذات الطابع الاستراتيجي للربط جنوب – جنوب، ومقاربة المغرب القائمة على التعاون مع دول أفريقيا وفق مبدأ رابح – رابح، هي أمور تفسر اهتمام الفرنسيين، وتبرر وجود أكثر من 100 مستثمر إلى جانب ماكرون وهو يزور الرباط.
الهجرة غير النظامية
المجالات التي طرحت على طاولة النقاش بين مسؤولي البلدين، كانت كثيرة ومتنوعة، ولكن الفرنسيين اهتموا بشكل واضح بملف الهجرة غير الشرعية، حتى أن ماكرون أعلن اليوم الأربعاء، قبيل مغادرته للرباط أنه عقد “شراكة أقوى” مع المغرب لمكافحة “الهجرة السرية” و”كل أشكال التهريب”، تتضمن “التزاما بتحقيق نتائج”.
وأضاف ماكرون في حديث أمام الجالية الفرنسية في المغرب: “نريد نحن والمغرب معا أن نكافح ضد جميع أشكال التهريب، أن نحارب الهجرة السرية والشبكات التي تستغلها والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات (…) إننا نعقد شراكة قوية، بالتزام جد قوي، وثقة واحترام قواعد كل طرف، والتزام بتحقيق نتائج”.
ملف الهجرة نوقش خلال الزيارة من طرف وزيرا داخلية البلدين، حيث أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو أن البلدان سيعملان معًا على “تحديد هوية الأشخاص الذين لا تتوافر وثائق حول أصولهم”، من أجل “تقليص آجال” ترحيلهم.
أما نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت فأكد أن “مسألة الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية تحظى بعناية خاصة من الطرفين”.

قضية الصحراء
الملف الأكثر حضورًا في هذه الزيارة كان “ملف الصحراء”، حيث جدد ماكرون في خطاب أمام البرلمان المغرب، موقف بلاده الداعم لأطروحة المغرب فيما يخص الحكم الذاتي، واعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء.
ولكن الفرنسيين لم يتوقفوا عند ذلك، بل أعلن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن بلاده “تعتزم تعزيز حضورها القنصلي والثقافي بالصحراء من أجل إحداث رابطة فرنسية”.
وأضاف بارو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المغربي ناصر بوريطه: “لقد أرفقنا القول بالفعل، ويشرفني أن أعلن لكم أنه تم تحيين خريطة المغرب ونشرها على الموقع الإلكتروني لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية (الفرنسية)”.
ما يعني أن خريطة المغرب التي تضم إقليم الصحراء أصبحت هي المعتمدة رسميًا من طرف الجهات الرسمية في الفرنسية، ومنشورة على موقع وزارة الخارجية الفرنسية (الرسمي).
أما وزير الخارجية المغربي فقد ثمن الخطوة الفرنسية حين “نشرت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي، أمس، الخريطة الرسمية للمملكة المغربية تشمل صحراءها”.
وأضاف بوريطه أن “لفرنسا، باعتبارها مكانتها داخل مجلس الأمن واطلاعها على نشأة وتطور هذا النزاع، دورا مهما لتضطلع به في هذا الإطار”.
وشدد وزير الخارجية المغربي على أن البلدين دخلا في “مرحلة ومحطة جديدتين لهذه العلاقة العميقة والغنية، في سياق هذا العهد الجديد الذي دشنه أول أمس الاثنين جلالة الملك والرئيس الفرنسي”، وفق تعبيره.