مريم بنت المنير ـ صحراء ميديا
امبيركتان.. عجوز تجاوزت الثمانين عاما؛ قضت معظم حياتها في قرية اندغمشة؛ في هذه القرية الشاطئية نمى ارتباط وجداني بين السيدة وبلدتها الصغيرة، لكن امبيركتان تقف اليوم حائرة أمام قرار السلطات بترحيلها وأبناء حيها وهدم قريتهم، وتبدي بوجه حزين وصوت مبحوح خشيتها من تشرد نحو المجهول.
حين سمعت امبيركتان، جلبةً في الحي الذي تسكن فيه، خرجت متوجسةً وبخطوات مترنحة، فهي تتوقع في أي وقت أن تأتي السلطات بآلات الهدم، وهدأ من روعها أن الحركة مجرد فريق صحفي للتصوير، ثم مضت قائلة بنظرات حائرة ووجه ترك الزمن عليه أثرا عميقا : «رتباطنا بهذه الأرض ليس لمجرد حب إمتلاك الأرض، ولكننا ولدنا هنا، ولا نعرف غير هذه الأرض».
تحدثت امبيركتان عن أوجاعها الجسدية، وأمراض شيخوختها، التي لا تثقل كاهلها بقدر ما يثقله التفكير في مصيرها المجهول، إن نفذت السلطات قرار هدم القرية.
يعود تخوف العجوز إلى قرار صادر من وزارة الإسكان، يقضي بهدم القرية التي تبعد عن نواكشوط حوالي 30 كيلومترا بالقرب من المطار الجديد، لأسباب أمنية، حسب الوزارة، وهو قرار بدأت السلطات في تنفيذه قبل يومين.
ويتشبث أبناء بالقرية التي يقولون إنها بها «معالم تشهد لها بالقدم، كمسجدها العتيق المتهالك والمهجور، وكمقبرتها التي اندرست بعض أضرحتها، إضافة إلى البئر الذي كان أهل القرية يشربون منه ».
كان بعض سكان هذه القرية يقتاتون إلى عهد قريب، على الصيد البحري، إذ لا يبعد عنهم المحيط الأطلسي سوى أربعة كيلومترات، بينما يمتهن بعضهم الآخر الرعي جيئة وذهابا في المنطقة، بحكم الطبيعة البدوية، أما الآن فتنتشر بيوتات أهل القرية بشكل عشوائي، على جانبيْ الطريق الرابط بين مدينة نواذيبو والعاصمة نواكشوط.
وتقول ادو التي تسكن هذه القرية منذ سنوات، « نحن هنا منذ سنوات، آباؤنا وأسلافنا مدفونون هنا، كنا نسكن الخيام ثم ابتنينا هذه البيوت، وعلى حين غرة جاءتنا جماعة تدعونا للرحيل، دون أن تحدد لنا مكانا نذهب إليه، لماذا يذهبون بنا عن منازلنا دون تعويض؟ ».
وفيما ترى السلطات أن مكان القرية حساس أمنيا، يرى سكان قرية اندغمش أنهم لا يشكلون خطرا على أمن المنطقة.
فقد تحدث ماموني المختار وهو صحفي ساكن في القرية ، لـ «صحراء ميديا» عن تاريخ هذه القرية قائلا: « هذه القرية كانت هنا منذ أربعين سنة، وليس فيها ما يهدد الأمن، فإن كان الأمر يتعلق بالقرب من المطار، فليست اندغمش هي أقرب القرى له».
وعلى بعد خطوات من القرية تتراءى للناظر، لافتة كتب عليها « مقبرة اندغمشه »، التي يعود تأسيسها إلى القرن السابع عشر ميلادي، حسب قول الصحفي ماموني.
ويرى النائب البرلماني السابق الشيخ ولد احمدو، أن المقبرة « تثبت وجود هذه القرية منذُ قرون في هذا المكان وهي بذلك توثق ملكية السكان للأرض ».
قرار الحكومة
وقبل أمس الخميس بدأت وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي إزالة ما وصفته بالاحتلالات غير الشرعية في المجال العام شمال مطار أم التونسي، وبالتحديد في قرية اندغمشة.
وفي “اندغمش” تعم الحيرة والانزعاج على غالبية السكان كما عبرت سيدة عن المزاج العام للسكان، ومع كل وافد جديد على القرية ترتسم الدهشة، ويعم القلق على الساكنة، ويتساءلون، هل القادم موفد من الدولة؟ هل حقاً ستنتهي المناجاة بين اندغمش والأطلسي؟.